"تكايا الخير".. ملاذ فقراء فلسطين ووجهتم الدائمة في شهر رمضان

> "الأيام" عن "الخليج أونلاين"

>
في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة مكان صغير يقصده الفقراء وعابرو السبيل، يتجمعون حوله قبل أذان المغرب في كل يوم، ينتظرون ما تقدمه لهم يد الخير، في مظهر يعزز القيم الاجتماعية والإنسانية بين الفلسطينيين التي حاول الفقر والاحتلال تحطيمها.

"تكية نابلس الخيرية" تعد من أشهر تكايا فلسطين في تقديم وجبات الطعام المجانية، والتي أصبحت ملاذاً لفقراء ومعوزي المدينة في الشهر الفضيل، فهناك يأكلون ويشربون، وإن تعذر حضورهم لتسلم نصيبهم فوجبتهم تصل إلى بيوتهم دون عناء، فشعارها المكتوب على أبوابها "لن يكون فقراء في المدينة".


وما إن تبدأ عقارب الساعة بالاقتراب من الثامنة صباحاً، حتى تتحول التكية إلى خلية نحل نشطة الحركة يدخلها العشرات من العاملين والمتطوعين، الذين وهبوا عملهم لخدمة فقراء المدينة، وإعداد وجبات الطعام وتجهيزها قبل ساعة من أذان المغرب.

داخل التكية تجد كل شخص يقوم بعمله بهمة ونشاط، يُحفزهم صوت القارئ عبد الباسط عبد الصمد، وآيات القرآن الحكيم التي يتلوها بصوت عذب يملأ صداه المكان، فمنهم من وكلت إليه مهمة التنظيف وغسل الصحون وتجهيزها، وآخرون يبدعون في تقطيع الفواكه والخضار وتجهيزها، في حين تبقى مهمة الطبخ لأبرزهم وهو الحاج "يعقوب عساف".

روح التآخي
الحاج عساف لم يمنعه كبر سنه، والذي تجاوز 62 عاماً، من بذل أقصى ما تبقى لديه من قوة وعزم في مساعدة القائمين على التكية، وإعداد الطعام بنكهته وسره الخاص الذي اعتاد الفقراء عليه، منذ أول يوم تأسيس التكية قبل 7 سنوات.
ويقول لـ "الخليج أونلاين": إنه يعمل طباخاً منذ أول يوم من افتتاح التكية في العام 2012، ولا يزال يقوم بعمله دون تعب أو ملل، وذلك لـ "خدمة فقراء الله، ومعوزي المدنية وعابري السبيل، بكل محبة".

وتابع عساف حديثه وهو منهمك في تجهيز طبخة اليوم، والتي اختارها أن تكون أرزاً بالدجاج: "لا يوجد شي أعظم عند الله من مساعدة وإطعام الفقراء، فهذا العمل له أجر وثواب لا يقدر بثمن، وسأواصل عملي حتى آخر يوم في حياتي، لأن ما أقوم به متعة أعيش تفاصيلها كل يوم".

وذكر أن هذه التكية كانت تقدم في السابق ما يقارب 1000 وجبة في الشهر الفضيل، ولكن نتيجة زيادة عدد الفقراء بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها مدن وقرى الضفة، وأحوال المواطنين القاسية بفعل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، وصل عدد الوجبات إلى أكثر من 2200 وجبة.

ولفت إلى أن عمل التكية خيري ولوجه الله تعالى، وهدفه الأول والأخير هو إطعام أكبر قدر من فقراء المدينة وخارجها، "حتى لا يبقى في شهر رمضان فقير، وذلك لتعزيز روح التآخي ودعم القيم الاجتماعية والإنسانية بين الفلسطينيين، التي بقيت عصية على الكسر رغم الاحتلال وجبروته".


"تكية نابلس" ليست فكرة جديدة في الأراضي الفلسطينية، وليست وحدها التي تشرع أبوابها لخدمة الفقراء في شهر رمضان وغيره من باقي شهور العام، فقد سبقتها "تكية سيدنا إبراهيم" في مدينة الخليل، وفي مدينة القدس تكيتا "خاصكي سلطان" و "قلنديا".

والتكية جمعها تكايا، من العمائر المهمة التي ترجع نشأتها إلى العصر العثماني، سواءً في تركيا أو في الولايات التابعة للدولة العثمانية، والتي أنشئت خاصة لإقامة المنقطعين للعبادة ومساعدة عابري السبيل والفقراء وإطعامهم.
وتعتمد التكية في شهر رمضان المبارك على تبرعات المحسنين من الشركات والمؤسسات ورجال الخير في المدينة، بحيث يتم ترتيب الجهات المتبرعة لتغطي جميع أيام الأسبوع، في حين تقوم عليها خلال شهر رمضان لجنة الزكاة التابعة للمدينة.

وتقوم التكية بتحضير جميع أنواع الوجبات الساخنة والتي يشتهر بها المطبخ الفلسطيني كالمنسف، واليخنات، والمقلوبة، والأرز بأنواعه، التي تقدم مع حصص الدجاج واللحوم، وتقدم التكية كذلك ما يصلها من تبرعات عينية من حلويات وعصائر مع تلك الوجبات.

دعم شعبي كبير
حسنين العفوري، الناطق باسم صندوق الزكاة في مدينة نابلس المسؤول عن التكية، يقول: "إن التكية تعتمد بشكل أساسي على أموال التبرعات الخارجية، التي تشهد في كل عام ارتفاعاً من أهل الخير والمتبرعين، الأمر الذي يساعدنا في توفير وجبات أكبر لتغطية كل الفقراء بالمدينة".

ويوضح لـ "الخليج أونلاين" أن التكية تعمل على مدار العام، وتقوم في الأيام العادية بتوفير وجبات طعام للفقراء، خلال يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، في حين تركز عملها بشهر رمضان المبارك طوال أيامه، وتوفر أكثر من 2200 وجبة إفطار.


وبحسب العفوري، فإن الإقبال على التبرع للتكية يزداد بشكل كبير يوماً بعد يوم، وهو ما يسمح لهم بزيادة عدد الوجبات اليومية، لافتاً إلى أن عدد الأسر، التي يتم الحصول على قوائمها من وزارة الشؤون الاجتماعية، ويتم إيصال وجبات الفطور إليها، في ازدياد كبير نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، وعدم صرف رواتب كاملة لموظفي السلطة.

ويشير إلى أن عمل التكايا هام للغاية في مساعدة الأسر الفقيرة على تخطي أزماتهم، خاصة أنهم يقومون بإيصال الوجبات إلى البيوت تفادياً للإحراج، معتبراً أن حجم إقبال المتطوعين والمتطوعات من موظفين ورجال أمن ومهندسين وأطباء مميز، وأن التبرعات الكبيرة التي تحصل عليها التكية تؤكد نبل أهل البلد، وتكاتفهم في مساعدة بعضهم بعضاً.

الجدير ذكره أن فكرة التكايا انتقلت من الضفة إلى قطاع غزة، فتم افتتاح أول تكية في العام 2011، بمبادرة شبابية خالصة وبدعم من رجال الخير، وأطلق عليها اسم "التكية الفلسطينية"، لكن بسبب سوء الأحوال الاقتصادية للقطاع تم إغلاقها، كحال تكايا أخرى افتتحت في غزة مؤخراً، وبات عمل توزيع الوجبات الغذائية على الفقراء في القطاع مقتصراً على الجمعيات والمؤسسات الخيرية والحكومية.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى