غياب الرقابة وجشع التجار أحالا حياة المواطن العدني إلى جحيم

> تقرير/ سليم المعمري

> يُعاني المواطن في العاصمة عدن كغيره من أبناء البلاد من الارتفاع الكبير بأسعار المواد الغذائية وسط صمت مطبق من قِبل الجهات ذات العلاقة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة، والتي لم تحرك ساكناً تجاه جشع وجنون التجار.
هاني القاسمي
هاني القاسمي
وقال أستاذ القانون الجنائي المعاصر بكلية الحقوق جامعة د. هاني بن محمد القاسمي، في تعليقه على الأوضاع المادية المترية التي تشهدها البلاد ومدى تأثيرها على أفراد المجتمع بالقول: «الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن باتت تُشكل أحد أهم التحديات المعيشية في أي مجتمع كان، والدولة تعي تمامًا أن الظروف الاقتصادية التي يعيشها المواطن تنعكس على حياته وتعد عاملاً مهمًا من عوامل الاستقرار الاجتماعي، كون تدني مستوى معيشة المواطن يرافقه لزامًا تغيير في الأنماط القيمية والاجتماعية التي تحكمه، مما يفرز معه سلوكيات جديدة وغريبة عليه.

وأشار القاسمي في تصريحه لـ «الأيام» إلى أن «موجة ارتفاع الأسعار التي يشهدها المواطن اليوم سيكون لها تأثير كبير على حياة أفراد المجتمع بكافة طبقاته، كما تشير إليها التوقعات المصاحبة لعدم استقرار العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وخاصة على الفقراء وذوي الدخل المحدود من جانب، وعدم توقف الحرب المشتعلة إلى يومنا هذا من جانب آخر، مؤكداً بأن هذا الأمر سيصاحبه نمط جديد من السلوكيات جراء طبيعة الواقع الاقتصادي الجديد الذي يعيشه المواطنون».

وأوضح بأن لارتفاع الأسعار علاقة بارتكاب الجريمة، وقال: «هناك ارتباط كبير بين نمط المعيشة ومستواها من جهة، ونمط العلاقات والقيم السائدة من جهة أخرى، حيث هناك دراسات بحثية صدرت على مدى الأعوام الماضية حول ارتفاع معدلات الجريمة في الدول، ارتبطت غالبيتها بدول متصدعة اقتصاديا، يعاني مواطنوها من سوء الخدمات وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية بسبب غلاء الأسعار، وبحسب هذه الدراسات يخلق الفقر حالة عدم انتماء الفرد للأرض والوطن ليتخطى نذير الخطر بهِ مجرد الجريمة والعقاب، ويتحول إلى مهدد للأمن القومي للدول التي تعجز حكوماتها عن توفير حياة كريمة لشعوبها»، مضيفاً: «بعض الدراسات أيضاً أشارت إلى وجود ارتباط بين تزايد الحاجة للأفراد وانخفاض مستوى الاستقرار الأسري، ومن ناحية أخرى فإن من المعروف أن ظهور السلوكيات السلبية الجديدة التي تؤدي إلى وقوع جرائم متنوعة تقف وراءه على الأغلب الرغبة في تحسين مستوى حياة الفرد الذي قام بارتكاب الجريمة، فالجريمة وارتفاع معدلاتها مرتبط بالفقر وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات المعيشية للفرد داخل الأسرة».

وأشار د. القاسمي إلى إن ظاهرة ارتفاع الأسعار لا يمكن النظر إليها باعتبارها ظاهرة مرتبطة بالبعد الاقتصادي فقط، لكون هذا يعتبر قصورًا في النظر إلى تلك الظاهرة التي قد تكون انعكاساتها الاجتماعية والسياسية أعلى بكثير من انعكاساتها الاقتصادية. كون التغيير الناتج عنها سوف يؤدي إلى إبراز جملة من السلوكيات والقيم الجديدة التي تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والسياسي من خلال ارتفاع معدلات الجريمة وظهور نمط جديد لها لدى الفرد جراء عدم قدرته على الانسجام والتكيف مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي الجديد، أيضاً لابد من ذكر أن ظاهرة ارتفاع الأسعار هي ظاهرة ذات أبعاد مستقبلية ستؤثر على نمط حياة الجيل الجديد، وسوف يفرز معطيات جديدة، سيتم من خلالها إعادة النظر بترتيب الأولويات في داخل الأسرة. كون من الطبيعي لكل أسرة وفي ظل بروز أي نمط جديد أو تغير في الظروف المعيشية، أن تعيد بناء ذاتها من جديد وهذا يعرف (بالسلوك التكيفي)، وإعادة ترتيب الأولويات تتطلب إجراء العديد من التعديلات في بنية الأسرة وطرق تربيتها لأبنائها، حيث ستفرض عليها هذه الأولويات الجديدة تغيير اهتماماتها فيما يخص الشأن العام؛ كونها جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، إلى الشأن الخاص الذي يهتم في كيفية الحفاظ على الأسرة من الضياع والتفكك وعدم دخول أبنائها إلى عالم الجريمة».

جشع التجار
فيما قال التربوي علي الكمراني: «غياب الرقابة على أسعار المواد الغذائية ساهم بشكل كبير على عدم كبح جشع تجار الجملة والتجزئة برفع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية على المواطنين دون مراعاة إمكانيات الناس وقدرتهم على شراء أغلب السلع الغذائية وخاصة في هذا الشهر الفضيل، مما فاقم من زيادة حاجة الناس لهذه المواد وعدم قدرتهم على شرائها، وكذلك تدني مستوى الأجور، حيث أصبح راتب الموظف البسيط أو المتقاعد لا يكفي لشراء كيس الرز، والذي تعتبر الوجبة الرئيسية للمواطنين وخاصة في عدن وغيرها من المواد الأساسية لحياة المواطنين».

وتساءل في حديثه لـ «الأيام»: «أين الشعور بالمسئولية من قِبل الدولة تجاه حياة المواطنين سواء في رفع الأجور أو حتى الرقابة على هذه السلع وكبح جشع التجار مما فاقم أيضا زيادة الفقر والعوز لدى المواطنين، ولهث المسئولين وانغماسهم بالفساد هو الذي شجع أيضا التجار على رفع هذه السلع وعدم مبالاتهم بحياة المواطن نظراً للفساد المستشري في مفاصل السلطة والجهات ذات العلاقة بالرقابة على أسعار المواد الغذائية، وفرض الإتاوات على التجار والرشوة كذلك ساهم في رفع أسعار هذه المواد؛ حيث أصبح كل تاجر جملة أو تجزئة يبيع كما يريد، حيث تجد أسعار السلع تتفاوت من محل لآخر كما يحلو له حتى على مستوى البقالات المتجاورة، وهذا يدل على غياب الرقابة من قِبل الدولة، وهي للأسباب الذي ذكرتها أعلاه وفساد القائمين على ذلك وعدم حماية المستهلك الذي أصبح ضحية هذا الفساد المستشري».

غياب الرقابة
نزيه الملك
نزيه الملك
أما المحامي نزيه الملك فعلّق بالقول: «أتمنى من جهات الاختصاص الوقوف بحزم أمام ارتفاع أسعار الملابس والأحذية والمواد الغذائية المبالغ فيه داخل عدن، والعمل بالنظام الذي كان متبعاً قبل الوحدة».
ولفت لـ «الأيام»: «إلى أن هناك مقترحاً لتشكل لجنة من أشخاص جادين ونزيهين للنزول إلى بعض المحال الخاصة بالملابس والأحذية في كريتر والشيخ عثمان بصفة زبائن بمعية بعض الأطفال كأن يطلبون من صاحب المحل آخر ملابس نزلت في السوق وبعد معرفة السعر يطالبوه بفواتير الشراء لمعرفة القيمة الشرائية من الخارج كالصين مثلاً، مع حسبه النقل والجمارك وكل شيء وبعد التأكد من كل ما سبق يحال المخالف للنيابة».

مختار عبدالله
مختار عبدالله
وأضاف مختار عبدالله عوبل وهو ناشط شبابي ومجتمعي: «الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية وخاصة في رمضان أثّر على حياة المواطنين البسطاء بشكل كبير، والجميع يعلم بأن البلاد تمر بحالة حرب والرواتب تكاد تكون مقطوعة والأزمات تطحن المواطن من كل الجوانب، وللأسف لا نرى أي تحرك من السلطات سوى بعض التحركات الخجولة لبعض المسئولين».

محاربة المواطن
أحمد الأمين
أحمد الأمين
من جهته، قال الأكاديمي أحمد الأمين: «تعيش البلاد أوضاعًا سيئة، والأسوأ أن يتم محاربة المواطن البسيط في لقمة عيشه وحاجات يومه وقوت أطفاله وسط ارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية مصاحبًا لانهيار العملة اليمنية الكسيحة، ومما لا شك فيه أن نار الأسعار تؤثر تأثيرًا مباشرًا على حياة الناس الذين يكدحون من أجل إطعام من يعولونهم ويسعون لتوفير متطلبات أسرهم، ولكنهم ينصدمون بسورٍ عظيم اسمه غلاء الأسعار على بواباته جشع التجار ويتحكمون به كيفما شاؤوا وسط غياب تام لدور الحكومة في مراقبة هذا الغلاء وضبط الأسعار وعدم تفعيل دور الغرفة التجارية».

ويضف متسائلاً: «ماذا بوسع رب الأسرة أن يفعل وهو مغلوب على أمره؟ عينه تنظر لمن يعيلهم ويفكر في احتياجاتهم من غذاء وكساء ودواء ومتطلبات الدراسة وغيرها، ولكن حيلته لا تسعفه أن يجاري سباق الأسعار التي تجاوزت كلَّ حدٍ معقول، في ظل غياب الضمير الإنساني لدى التجار والذي حلَّ محلَّه الجشع والطمع دون أن تكون هناك أية مراعاة لظروف المواطن، وبدلًا من أن يتنافس التجار في تقديم البضاعة للمواطن بسعر تنافسي معقول يتنافسون في ذبح المواطن بأسعارهم وزيادة أوجاعهم وآلامهم.

لابد من إيجاد حلول عاجلة لهذا الأمر فقد فاق طاقة المواطنين وقدرتهم على التحمّل وبلغ مبلغًا يعجز معه كلّ ذي حيلة، وحسبنا الله ونعم الوكيل».
أدهم فهد
أدهم فهد
وقال الصحفي أدهم فهد: «إن ما تشهده السوق المحلية من ارتفاع لأسعار المواد الغذائية يُمثل كارثة بحق ملايين المواطنين الذين أضحت رواتبهم لا تساوي شيئاً بفعل التضخم الحاصل للعملة المحلية».

وأكد فهد في تصريح لـ «الأيام» بأن الغلاء الذي طال جميع مناحي الحياة غير مبرر أبداً، وعائد إلى ضعف دور مكتب الصناعة والتجارة لاسيما أن الحكومة الشرعية ممثلةً بالبنك المركزي تقوم بتوفير النقد الأجنبي للتجار؛ لتوفير المواد الغذائية الأساسية وبأسعار أقل من تلك المتعارف عليها في سوق الصرافة».
وبيّن أن الوضع المعيشي للمواطنين في تراجع دائم، فمتوسط راتب الموظف الحكومي تقلص لـ 100 $ بعد أن كان يُمثل 250 $ في السابق، أما النازحون ومن ليست لديهم رواتب فأولئك بالطبع يعتبرون في حكم المجاعة وتحت خط الفقر.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى