توقعات موجة الحر وحركة المنخفض الجوي نحو خليج عدن

> كتب/ د. ياسر عمر الهتاري *

>
خريطة 4 حالة الجو الماطر في شمال وشمال غرب عدن
خريطة 4 حالة الجو الماطر في شمال وشمال غرب عدن
شهدت العديد من المناطق اليمنية خلال الأيام القليلة الماضية وحتى يوم أمس موجة من ارتفاع درجة الحرارة وخاصة في المناطق الساحلية الجنوبية والغربية، وهو ارتفاع طبيعي في درجة الحرارة في هذا الوقت من السنة (يونيو) (شكل 1)، بسبب زيادة في كمية الإشعاع الشمسي على اليابس اليمني، وذلك أثناء حركة الشمس نحو مدار السرطان شمالاً، حيث تبدأ أشعة الشمس بالعمودية على أول نقاط السواحل الجنوبية تقريباً في تاريخ 24 أبريل من كل عام، فيتحصل اليابس تبعاً لذلك ابتداء من هذا التاريخ على كميات أكبر من الإشعاع الشمسي تعمل على رفع درجة حرارة التربة، الذي يعمل بدوره على تسخين الهواء الملامس له ورفع درجة حرارته، وعلى الرغم من أن ارتفاع درجة الحرارة في هذا الوقت يعد طبيعياً، إلا أنه يشهد بواقع الحال تفاوتاً في الشدة من سنة لأخرى في إطار ما يعرف بالذبذبات المناخية التي تشهد أحياناً تطرفات حادة خارجة عن المألوف، تماماً كحالات المطر الأخيرة على عدن وبعض المناطق الأخرى، ولتوضيح الأمر فإن الشكل (2) يوضح الحدود التذبذب لكل من درجة الحرارة العليا والدنيا في اليمن، وعلى الرغم من أنها تشكل قمما وقيعاناً بشكل سنوي إلا أنها ليست بنفس المستوى في كل الأعوام، فأعوام تنخفض، وأعوام أخرى ترتفع، وهذا ما يقصد به بالذبذبات المناخية.

خريطة 3 صفاء الجو فوق عدن  ومناطق ساحلية أخرى مما ساعد على وصول كمية كبيرة من الإشعاع الشمسي
خريطة 3 صفاء الجو فوق عدن ومناطق ساحلية أخرى مما ساعد على وصول كمية كبيرة من الإشعاع الشمسي

وبالنسبة لمدينة عدن، فإنها مناخياً تقع على النطاق الحار في اليمن عند متوسط درجة الحرارة السنوية 26°م (خريطة 1)، حيث لا تزيد متوسطات درجة الحرارة عن هذا المستوى إلا في الأجزاء الشمالية الشرقية من اليمن التي تعد أطرافاً جنوبية لصحراء الربع الخالي، وكذا بعض الأجزاء المحدودة من الساحل الغربي وبشكل طفيف، ويساعد على ارتفاع درجة الحرارة فيها الزيادة في عملية التبخر من المسطحات المائية المجاورة والمتمثلة بخليج عدن، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع في رطوبة الهواء، وتساعد الرطوبة على بقاء الهواء ساخناً؛ حيث تعمل كخزان حراري عالق في الهواء يعمل على إبقاء درجة الحرارة مرتفعة لفترة أطول، وهو أمر يؤدي إلى الشعور بالضيق لسكان عدن والمناطق الساحلية الأخرى في اليمن، كما يؤدي إلى سرعة الإرهاق والشعور بالتعب، فعند عملية التنفس فإن جزءاً كبيراً مما يستنشق يكون عبارة عن رطوبة مختلطة بالهواء، فلا يأخذ الجسم حاجته الكافية من الهواء، وهو ما يسرّع الشعور بالإرهاق، من ناحية أخرى يأتي الشعور بالضيق من التعرق الدائم وعدم زواله سريعاً من الجسم، ويكون ذلك بسبب أن الهواء يكون مشبعاً بالرطوبة فيجد صعوبة في استيعاب كمية أخرى من الماء (العرق)، ما يؤدي لبقائه على الجسم لحين هبوب نسمة هواء تعمل على إزاحة الرطوبة لتسمح باستيعاب كمية أخرى منها.

خريطة 1  توزيع درجة الحرارة في اليمن (1984 - 2016)
خريطة 1 توزيع درجة الحرارة في اليمن (1984 - 2016)

ولهذا كان ارتفاع درجة حرارة الهواء في الأيام الأخيرة مصحوباً برطوبة شديدة وصلت لنحو 70 % وأكثر أحياناً، عمقت من الشعور بارتفاع درجة الحرارة، فعلى سبيل مثال بقت درجة الحرارة يوم أمس عند درجة 31°م من الساعة 4:00 حتى الساعة 9:00 صباحاً دون تغيير تقريباً، حيث عملت الرطوبة على خزن واستيعاب درجة الحرارة فيها، ولم يغير من الأمر إلا هبوب رياح في فترة الظهيرة عملت على إزاحة قدر من الهواء الرطب وتجديده بهواء أجف نوعاً ما.

شكل 1 المتوسطات الشهرية لدرجة الحرارة في اليمن (1982 - 2018)
شكل 1 المتوسطات الشهرية لدرجة الحرارة في اليمن (1982 - 2018)

 وارتفاع الرطوبة في عدن والمناطق المجاورة كان متوقعاً خلال الأيام الماضية بسبب ملاحظة وقوع عدن في وسط حركة الهواء الدائرية من البحر نحو اليابس، والذي حمل كميات كبيرة من الرطوبة نحوها (خريطة 2)، ويتوقع أن تبقى الرطوبة مرتفعة لبضعة أيام قادمة بسبب ارتفاع درجة حرارة المسطحات المائية المجاورة وبقائها في المتوسط عند 31°م، وهو ما يوفر خزاناً آخر للحرارة مجاوراً لعدن، إضافة إلى كمية الإشعاع الشمسي المرتفعة في هذا الوقت من السنة، والتي ساعد على زيادتها انخفاض تغطية الغيوم كما يظهر من الخريطة (3).

وعلى النقيض من ذلك، فعلى مسافات غير بعيدة من عدن تسيطر على الأجواء حالة مغايرة تماماً، فنحو الشمال والشمال الغربي حيث المرتفعات تسود حالة من الأمطار الصيفية التي تعمل على تلطيف درجة الحرارة المعتدلة أصلاً (خريطة 4).

شكل 2 المتوسطات اليومية لدرجة الحرارة العظمى والدنيا في اليمن (1984 - 2016)
شكل 2 المتوسطات اليومية لدرجة الحرارة العظمى والدنيا في اليمن (1984 - 2016)

وتسود الآن في عدن والعديد من المناطق الأخرى حالة من القلق والترقب من قدوم منخفض جوي عميق آخر في بحر العرب قد يصيب المدينة والمناطق المجاورة الأخرى خاصة الساحلية (خريطة 5)، إلا أنه عند متابعة هذا المنخفض عبر الأقمار الاصطناعية فإن مؤشرات قدومه حتى الآن وخاصة توزيع الضغوط الجوية وانحدارها لا تزال ضعيفة ولا تساعده على التوجه غرباً، وحتى الآن فإنه من المتوقع لهذا المنخفض أن يزول ويتلاشى في غضون بضعة أيام بسبب عوامل جذب تدفعه للتوجه شرقاً، وبالفعل، ومن خلال متابعة بيانات الأقمار الاصطناعية، فإنه قد بدأ بالتوجه والابتعاد شرقاً خلال اليومين الماضين، ما لم تستجد ظروف مناخية طارئة تعمل على تغيير مساره، وهو احتمال ضعيف حتى الآن.
* أستاذ المناخ المساعد بجامعة عدن
كلية التربية - عدن، قسم الجغرافيا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى