صيد الوعول في حضرموت.. بين الطقوس المتبعة والصيد الجائر

> تقرير / خالد بلحاج

> كان الهدف الرئيس من صيد الوعول وغيرها من الحيوانات البرية في الماضي، بمحافظة حضرموت، هو للتغذية التي تضمن لصاحبها البقاء حياً، وكان الصيادون والذين يستخدمون وسائل بدائية كالرمح والقوس لا يفرطون في الصيد للحفاظ على مصدر صيده والتوازن البيئي في الطبيعة من حوله، غير أن هذه المهنة تحولت إلى اصطياد جائر نتيجة التطور التقني في وسائل الاصطياد الحديثة، وأضحى الغرض الأول منها هو التسلية، الأمر الذي بات يهدد العديد من الحيوانات البرية بالانقراض، وفي مقدمتها الوعل البري، والذي أصبحت مشاهدته في هضاب وجبال حضرموت، حيث يتوجد، نادرة خلال السنوات الأخيرة، بفعل استمرار عادات الصيد.
«الأيام» سلطت، في تقريرها هذا، الضوء على عادة القنص في هذه المحافظة والتي لها تاريخ طويل وطقوس مميزة، بعضها اندثرت وأخرى سادت منذ القدم ومازالت، وما للاصطياد الجائر من آثار سلبية على حياة العديد من الحيوانات البرية وفي مقدمتها الوعول.

مكانة عالية وطقس ديني
كان للوعل (تيس الجبل) مكانة في حياة سكان جنوب الجزيرة العربية القدماء ودياناتهم، وذلك أنه، ومنذ عصور الممالك القديمة المبكرة في اليمن، وفي العصر السبئي المبكر، تأسس طقس ديني هو الصيد المقدس، وخاصة (صيد عثتر) الذي كانت تقام له شعائر موسمية، يتصدرها المكرب أو الملك السبئي وكبار القوم، وكان الوعل هو قوام هذا الطقس، كما أن سكان جنوب الجزيرة العربية القدماء اتخذوا من الوعل وخاصة من الفحل، قائد القطيع، رمزاً يجسد الإله (عثتر) إله المطر والخصب والإخصاب، وكان عثتر إلهاً عاماً لجميع أبناء جنوب الجزيرة العربية، وليست له خصوصية، ولهذا كان له معابد في كل مكان، وكانوا يتقربون إليه في هذه المعابد بأصنام كثيرة على شكل الوعل، كما تعتبر اللوحات المنحوتة بزخارف أشكال الوعل من أبرز ما عثر عليها في المعابد من عناصر زخرفية، وخير مثال على ذلك معبد (برآن) في مأرب، وفي آثار عمان وحضرموت، وفي نقش من شبام يتحدث صاحبه عن صيد وذبح عدد مائة وعل ليقدمها إلى آلهة الشمس لمناسبة دينية كقربان، وتكثر النقوش المماثلة لصيد وذبح الوعل مما يدلل على أهمية وتفضيل لحمه عن غيره من الحيوانات.

مواسم للاصطياد
والوعل شديد الحذر والانتباه، وينتقل في قطعان يغلب اللون البني عليها، ومن طبيعة قرونها أنها جوفاء وليست مصمتة وتتسلح بها للدفاع عن نفسها أو الهجوم، وقرونها تنمو باستمرار ولا تتساقط وفيها ما يشبه العقد كل عقدة تنمو كل سنة، أما خلافها عن قرون الأيائل، فهي مصمتة وتسقط بعد مضي عام ثم تنمو من جديد خلال عام آخر.
وقد اتخذت قرون الوعل المنحوتة بمفردها كنذور، ولايزال الوعل يحتل مكانة خاصة لدى الكثيرين، إذ ما تزال في حضرموت حتى يومنا هذا تقام مواسم لصيد الوعول كعادة تأبى الاندثار مع تقادم الزمن، وكمتعة وترفيه، وتقام الاحتفالات لصيد الوعل به سنوياً مع رفع قرونها عالياً بأيدي أشخاص يقومون بالرقص والغناء، كما يتخذ من قرونها زينة على أركان المنازل حتى الآن.

تشتهر حضرموت بصيد الوعول “تيس الجبل” ولهذه الهواية طقوس وتقاليد غاية في الروعة تتوارثها الأجيال، أملاً في الحفاظ عليها من الاندثار.
“سلاح وتمر ولحاف وإلمام بالقنص وقبلها عزيمة قوية” هذه عُدّة من أراد المشاركة في هواية الصيد وخوض مغامرة قد تستمر عدة أيام في الشعاب والجبال.

والوعول أو ما يطلق عليها البعض في حضرموت بـ “المربعية أو الغصيني” هي أهم الحيوانات التي يتم اصطيادها، وغالباً ما تعيش حول برك الماء المتناثرة في رؤوس الجبال.
وتبدأ رحلة الصيد غالباً بالتجمع وسط القرية قبل عدة أيام ويقوم “المقدم” الذي يقوم بترتيب الرحلة وتحديد أماكن الصيد وهو الآمر والناهي الأول، ودائماً ما تكون فترة الصيد في غير فصل هطول الأمطار.

وقبل الانطلاق للصيد يتجمع الأهالي ممن لم يعتزم المشاركة من الأطفال والشيوخ لتوديع “أصحاب القنيص” قبل صعودهم للجبال وتقرأ سورة الفاتحة وبعض الزوامل.
وتعرف القناصة للوعول في هذه المحافظة بالصيد وكانت قديماً تهدف إلى الحصول على الغذاء من لحومها والاستفادة من جلودها وقرونها لاستخدامات مختلفة، ويعد القنيص من العادات والتقاليد التي توارثها الأبناء عن الأجداد، فالقناصة هي الذهاب إلى أماكن تواجد الوعول وغالباً ما تكون في الجبال والسهول وأحياناً في الصحاري الواسعة البعيدة، فعند الذهاب إلى القناصة، التي تعد رمزاً للشجاعة والصبر وتحمل المشاق، لابد أن تتوفر الأدوات اللازمة لهذه الرحلة منها السلاح والشباك والملبس والزاد، فـللملبس ألوانه الخاصة، ودائماً تكون ألوانه قريبة من لون التراب، أما الأحذية فتكون لا تصدر صوتاً أثناء المشي بها.

وقد تستغرق هذه الرحلة من أسبوع إلى أسبوعين، بحثاً عن صيدهم في كل مكان تتواجد فيه الوعول، ولا يشترط عدد الذاهبين إلى هذه القناصة مهما كان عددهم فهم يوزعون أنفسهم على شكل مجموعات مقسمة صغيرة لخفة التنقل وانخفاض حركة مشيهم، فيتبادلون الأخبار فيما بينهم بالشفرات المتعارف عليها بينهم والبسيطة كالصفير ورمي الحجر الصغير وتقليد بعض أصوات الحيوانات، ولكل حركة أو شفرة معنى يعرفه الجميع، فعندما يصطادون صيدهم من الوعول يعودون إلى مناطقهم حاملين رؤوس ما اصطادوه في هذه القناصة وفي هذه الرحلة، مبتهجين مسرورين ينشدون ويغنون بعض القصائد، إضافة إلى استخدام السلاح الحي وإطلاق أعيرة نارية في الهواء ابتهاجاً بهذا الصيد، فلرحلة القناصة والصيد جو خاص من الابتهاج والمتعة والفخر معروف في تراثنا العريق، بدءاً من المشي بين الجبال الخلابة والاستيقاظ فجراً لترتيب المجموعات وتحديد قائد لكل مجموعة والالتزام بتعليماته بشدة، وتحديد الأماكن والتعرف عليها والسمر في الليل ووجبات الطعام الجماعية والمميزة المطهوة بالحطب وشرب القهوة والشاي في الهواء الطلق.

المهام
وتحاول كل منطقة في حضرموت الوادي أن تتميز بشيء من التفصيل أو الاختلاف عن جارتها في عادة الصيد، إلا أنها تتشابه في معظم العادات والوسائل في تلكم العملية، فثمة أربعة أصناف من المشاركين في عملية الصيد وهم: مطاردو الطريدة، وحملة البنادق المختبئون، وكرجال المختبئين في كمين بالهراوات والخناجر، وحملة الشباك المنصوبة.
ويقوم الرجال الآخرون بأخذ مواقعهم خلف الشبكة بسكاكينهم، حيث يقف واحد أو أكثر في كل ركن حسب عدد الأشخاص المشاركين في العملية، ويقوم عشرة رجال مثيرين من فريق الصيد المكون من ثلاثين شخصاً بالبحث عن الوعل، حيث يوجهونه هبوطاً إلى الوادي، وما إن يصل الوعل إلى الوادي فإنه إما أن يطلق النار عليه حملة البنادق المختبئون خلف الصخور أو أنه يقع في الشباك المنصوبة، وفي اللحظة التي تقع فيها الضحية في الشبكة فإن الرجال المسؤولين عن الشبكة يرمون عليه بقية الشبكة حتى يصعب عليه الخروج منها، ثم يأتي المثيرون ويطوقون الوعل من كل جانب.
وعلى الرغم من أن الصيادين يستخدمون ثلاث أو أربع شباك في الصيد لليوم الواحد إلا أن بعض حيوانات الوعل تستطيع أن تفلت منها إلى الجبال الآمنة، وقد جرت العادة أن تصنع الشباك من الحبال بعرض قامة الإنسان ويتراوح طولها بين ثمانية عشر إلى عشرين ذراعاً. وفي قرية عينات القريبة من مدينة تريم يتم صنع الشباك من صوف الماعز الأسود.
وحينما تجهز الشبكة للصيد تسندها أوتاد من أطراف النخيل مغروزة في الأرض كالسواري، ويبلغ طول الأوتاد حوالي قامتين. وتعد السواري في كل جانب من نهاية الشبكة فيما توجد اثنتان أو ثلاثة في الوسط. وجرت العادة ان تستخدم ثلاث أو أربع شباك في الصيد في اليوم الواحد، وما إن يقع الوعل في الشبكة، فإنه ما يلبث أن يلقى حتفه جراء طعنات الخناجر على أيدي الصيادين.

ومن طرق الصيد أيضاً أن قائد فريق القنيص يأمر كل فرد في الفريق أن يتناول عموداً (والذي يمثل شبكة) إلى طريق أو وادي في موقع الصيد الجبلي. ويعد أصحاب الشباك شباكهم في الطرق عن طريق غرز خطافات حديدية في صدوع الصخور، ويستخدمون خطافاً حديدياً لكل جانب من جوانب الشبكة ويضعون الأعمدة في فواصل محددة في الشبكة ويستخدم الشبكة الواحدة خمسة أو ستة أشخاص، ثم ينتشر حملة البنادق والمطاردون لكنهم لا يصعدون للجبال في الدروب التي يستخدمها رجال الشباك، وعادة ما يأخذ حملة البنادق مواقعهم في قمم جبال شبيهة بالنجود، حيث يكمن كل منهم خلف كوم من الحجارة أقيم خصيصاً لإخفائه عن الوعل الجفول، أما المثيرون فيبلغ عددهم عادة خمسة عشر شخصاً أو يزيد، وهم يمسحون المنطقة ويدفعون الطريدة باتجاه حملة البنادق المختبئين في قمة الوادي أو في الطريق والشباك في الأسفل، ويطلق حملة البنادق النار على الوعل حينما يقترب منهم، ويتم دفع الوعل الذي أخطأه رصاص البنادق في نهاية المطاف ناحية الشباك حتى يوقعوه داخلها.

كما تستخدم الكلاب في الصيد إضافة للوسائل سابقة الذكر، وتشتهر قرية عينات القريبة من مدينة تريم بسلالة كلاب الصيد الجيدة التي تربى فيها، حيث تغذى الكلاب تغذية جيدة باللحم والتمر والخبز وغيره ويتم غسلها بطريقة دقيقة لتبقى نظيفة، وتتلقى هذه الكلاب عناية فائقة فهي كلاب صيد ممتازة، وتعين أصحابها في عمليات الصيد، ويدعي سكان عينات أن فصيلة الكلاب هذه تتميز عن الكلاب المتعددة الألوان التقليدية في البلاد وعن فصيلة الكلاب السلوقية الشهيرة، وحينما يصل الرجل وكلابه إلى منطقة الصيد فإن الرجل يقول للكلب “استكبر” (أي انتق أكبر الوعول) فتهب الكلاب مهاجمة الطريدة، ثم تسيطر عليها من خصيتيها، وهكذا تمسك بها إلى أن يصل الصياد.

تطور في الوسائل
ومع مرور الزمن تطورت وسائل الاصطياد، حيث ظهرت الأسلحة النارية التي أضحت الوسيلة الرئيسية في عملية القنيص لصيد الوعل في حال العثور عليه مصادفة في طريق أو غيره، ويتم ذلك بإطلاق النار عليه من كمين باستخدام البنادق فقط، أو باستخدام الشباك والبنادق معاً.
وهذه الأسلحة هي الأخرى شهدت تطوراً بدءًا بـ “أبو فتيلة والميزر والبلابيك والعيلمان، وصولاً إلى الآلي الكلاشنكوف والكايد.. إلخ”، ونجم عن استخدام هذه الأسلحة إلى ارتكاب مذابح كبيرة بحق الوعول وخاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مما أدى إلى تناقص أعدادها بشكل غير طبيعي، وجعل تواجدها في بيئتها الطبيعية على هضاب وسهول حضرموت في السنوات الأخيرة نادراً، وعلى الرغم من ذلك، فإن البعض مازال يتربص بتلك الوعول القليلة دون مراعاة لخطر انقراضها.

احتفال
وجرت العادة بأنه إذا ظفر القنيص بصيد وافر من الوعول فإن رؤوس الوعول تسلم إلى “مقدم القنيص” أو “أبو القنيص” عهده لديه لا يفرط فيها إطلاقاً ويقوم بالاحتفاظ بها مع متاعه الخاص ويحرص عليها كحرصه على عينه، ويتولى حراستها ليلاً ونهاراً خشية عليها من السرقة بهدف التنكيد والمزحة الثقيلة، ولا يتم إظهارها حتى تبدأ طقوس حفل الزف التقليدي، كما يقوم شخص صاحب خبرة كبيرة باستخراج المخ واللسان من رأس الوعل، ويتم وضع مادة الشنان فيه حتى لا يتعفن وتصبغ قرونه بمادة النيل الأسود لكي تظهر أكثر لمعاناً.

وتتنافس عدة مناطق عند عودة فرق القنيص في مراسم الاستقبال والزف، كمناطق دمون وعينات ومدودة، حيث تتواصل احتفالات الزف لمدة يومين متتالين، إذ تتحول شوارعها وساحاتها إلى أسواق شعبية للباعة المتجولين فيفترشون الأرض لغرض البيع لاستغلال تواجد الناس من كل القرى والمناطق المحيطة لحضور ومشاهدة الزف، وتتحول المنطقة إلى مهرجان ترفيهي تجاري كبير يستفيد الجميع منه.

والزف هو إقامة حفل لرؤوس الوعول، وتقام الاحتفالات لإعلان انتصارهم على هذا الحيوان والتمكن منه، لذا يتم الاحتفال بالتلويح بهذه الرؤوس مصاحبة بمظاهر الفرح والبهجة التي تعم الجميع، وتأتي كلمة زف من الزفاف وزف العريس والعروس.
وينظم رجال القنيص في صفوف متراصة لا يزيد الصف الواحد عن 15 عشر شخصاً ولا يقل عن 10 أشخاص، ويتصدرهم منصب القنيص ومن حولهم أعضاء لجنة القنيص أيضاً، فيدخلون المنطقة في مدخل بهيج، وعلى جوانب الطرقات يقف الرجال والأطفال والنساء اللاتي يطلقن الزغاريد فيدخل القنيص بالزوامل ويتوجهون إلى منزل مقدم القنيص، حيث يتم وضع الزواد وما تبقى منه في بيته.
حيوان الوعل (التيس الجبلي)
حيوان الوعل (التيس الجبلي)

وتعيش المنطقة في هذه الليلة أجواء من مظاهر الفرحة التي تغمر نفوس الجميع، ويبدأ الجميع بالتحضير لاحتفالات الزف التقليدي الذي يقام مساء اليوم ذاته، فبعد صلاة العشاء يجتمع رجال القنيص والأهالي أمام ساحة المقدم وينطلقون في صفوف بالعدة الشبواني، وتبدأ فقرات السمر بإلقاء القصائد والتي غالباً ما تكون القصائد فيها الكثير من المدح لمقدم القنيص ورجاله ومن صاد الوعول ومن أظهر براعته في التصويب للوعول، كما يعرج الشعراء على بعض المواضيع السياسية والهامة التي تدور في تلك اللحظة ثم تقام رقصة بني مغراة، ثم يدخل إلى الساحة بعض الرجال وهم يحملون رؤوس الوعول مغطاة وخلفهم المباخر تفوح منها رائحة اللبان والعود، في منظر أشبه بزفة للعريس، ويزف الموكب إلى وسط الساحة ويتم التلويح برؤوس الوعول كدلالة على المهارة في الصيد والشجاعة على إيقاعات الطبول وسط زغاريد النساء وبعض الطلقات النارية من مختلف الأسلحة النارية الشخصية القديمة والحديثة الطراز، ويتم الكشف عن رؤوس الوعول المصطادة أمام أعين الناس وسط الساحة.

ثم تتواصل فقرات الحفل وتقوم مجموعة من الشبان بأداء أدوار تمثيلية قصيرة من فصل واحد، ويدور الحوار في المشهد عن القنيص وأخباره ويرتدي الممثلون لباساً خاصة ذات الطابع العربي البدوي غالباً.
تم تبدأ مراسم الطقوس التقليدية لليوم الثاني ويخرج المقدم ومعه مجموعة من الرجال وهم يحملون رأس الوعل، أو عدد من رؤوس الوعول، إلى الساحة الخاصة بالاحتفال، ويقوم بعض الفتيان بوضع الحناء على رأس الوعل ويتم حمل الرأس إلى الساحة العامة ويتبارى الشعراء في مساجلاتهم بمدح القنيص والقناصة، وتقام الرقصات الشعبية والشرح.

كما تقام وسط الساحة مشاهد أخرى تمثيلية، تقوم مجموعة من الرجال بأداء أدوار عن كيفية قنص الوعل، ويقوم شخص بحمل رأس الوعل ويقلد الوعل في حركته، كما يقوم القناصة بأداء مشهد القنص والجري خلف الوعل حتى يتم الإمساك به وذلك أمام أعين الناس في مشهد تمثيلي، يوضحون للناس كيف تم الإمساك بالصيد.

شعر القناصة
اشتهرت حضرموت بالقناصة، وخاصة قناصة الوعول (التيس الجبلي)، حيث إن لها مكانة خاصة في المحافظة، ويعتبرون الوعل رمزاً للشموخ والكبرياء والشجاعة ورمزاً في سكنه في الجبال النايفات والشعاب البعيدة، حتى أصبح مثالاً يضرب به للرجل الشجاع، عكس الثعل الذي يطلق على الجبناء.
وفيما يلي نورد مقتطفات من بعض أشعار القناصة ووصف الصيد للشاعر عمر باحفي:
 وكم عدَت علي من شجون أيام وليال.. رعى الله ما مضى يا حلى ذيك الليالي
زمان الصفو واللهو نطلع رؤوس الجبال.. سعوف أجواد دحقوا شناطيب الجبالي
على وثر الخنب* كلهم رامي ونهَال.. وثوق البعد كلن يقول إلا نهالي
وفي دقم الظفر يدخل إلى كل قتَال.. يصل منه خبر إذا اشتبك سهم القتالي
 قتال الصيد له عندنا تعظيم واجلال.. متى ما صاح ياعزة الله والجلالي.

*الخنب: هو قطيع الوعول.
ويتساءل شاعر آخر عن أسباب قلة أعداده بالقول:
يا مسكن الأوعال لي يرعين ع روس الشجر.. واليوم اصبحت خالية ما تقص لهن حتى الأثر
قلت (للغصيني) فين رحتوا؟ فين حملتوا الديَر؟.. جوّب عَليّه قال: كل الظلم منكم يا لبشر
الأرض سيارات والطّيار خلا احنا طيَر.. كل من حمل بندق يضرّب في رجب و الا صفَر
ولعاد شيء تمييز ما بين الأناثي والذكر.. إلخ
.

الفقرة الأخيرة ومشهد تسلق الجبال
يتحرك الحفل في مرزحة إلى بيت المنصب للسلام عليه، وتقام أمام ساحة بيته رقصة بني مغراه، ثم يعود الموكب إلى الساحة المعدة للاحتفال، وتقام المساجلات الشعرية وتقام أيضاً مشاهد تمثيلية عن كيفية تسلق الجبال للوصول إلى الوعول، وغالباً ما يكون المشهد أن يقوم شخص يتسلق جدار أحدى البيوت القريبة من ساحة العرض ومشاهد أخرى عن مطاردات الوعل وكيفية صيده، بعد الانتهاء من المشاهد التمثيلية، يقوم موكب الزف بالدوران على بيت الشيخ متجهاً إلى بيت المقدم قبل غروب شمس يوم الجمعة، ويقوم مقدم القنيص بتسلم الرأس (القشعة) لمن كان له نصيب الحمالة في صيد الوعل أما إذا كان تم الإمساك بالوعل عن طريق الشباك فيتم تسليم رأس الوعل إلى مقدم القبيلة أو الشخص العاقل فيهم فيتصرف فيه كما يشاء.

وبهذا تنتهي طقوس القنيص والزف التقليدي بهذا الشكل في مناطق حضرموت، وحالياً يذهب أهالي المحافظة الوادي إلى القناصة عادة بعد سقوط الأمطار التي تهطل على وديان وشعاب حضرموت، حيث تكون المراعي خصبة وتكثر الوعول في الجبال عقب هطول الأمطار.
ومما يجدر ذكره هنا أن حفلة الزف لا تقام لأولئك الذين لا يظفرون بأي صيد من الوعول ويعودون خائبين، بل يصل الأمر بهم أن يتواروا عن أنظار الناس خجلاً لفترة من الزمن حتى يتجنبوا الشماتة منهم والتقليل من شأنهم ومن قدراتهم ومهاراتهم في القنيص، غير أن خذلان القناص يعود بفائدة للبيئة ولحياة البرية ونجاة وعل ما من الهلاك.

وعلى الرغم من مرور مئات السنين على هذه العادة إلا أنها ما تزال حاضرة بقوة في كثير من المناطق، ويتشوق الأحفاد كثيراً للتعرف على تفاصيلها ويمنون النفس بخوضها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى