أردوغان "الجريح" يتعجل الانتقام من عمدة إسطنبول الجديد

>

باشر أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، الفائز في انتخابات الإعادة برئاسة بلدية إسطنبول، مهام منصبه، رسميًا، بمضايقات مبكرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ورغم أن هذه المضايقات كانت متوقعة، غير أنها جاءت سريعة، وكأن أردوغان يتعجل الانتقام من خصمه الذي لقنه درسًا قاسيًا، لا سيما بعد جولة الإعادة التي تحولت إلى نوع من ”التحدي“ مُني خلالها مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، بن علي يلدرم، بخسارة عمّقت جراح الخسارة الأولى، إذ قفز الفارق بينهما من نحو 13 ألف صوت إلى أكثر من 800 ألف صوت.

وتجمع حشد ضخم أمام مبنى بلدية اسطنبول، الخميس، لحضور حفل تسلم مهام رئيسها الجديد إمام أوغلو، الذي أدى فوزه إلى تعزيز صفوف المعارضة للمرة الأولى منذ سنوات، وحول أردوغان إلى ”أسد جريح“ يخشى غضبه، بحسب متابعين.


وقال إمام أوغلو أمام ساحة البلدية، التي غطتها الأعلام التركية في المركز التاريخي للمدينة: ”اليوم هو احتفال بالديمقراطية، احتفال بإسطنبول“، مشيرًا إلى أن ”سكان إسطنبول أعطوا درسًا لحفنة من الناس الذين أرادوا إلحاق الأذى بالديمقراطية“.

لكن هذا الحشد الضخم، وهذه المناسبة الباذخة التي تنطوي على دلالات ذات بعد وطني بالنسبة لتركيا، لم تحظَ باهتمام وسائل الإعلام التركية التي باتت مسخّرة لحركات أردوغان وسكناته وتنقلاته وخطاباته الحماسية، وهو ما يمثل انقلابًا لدور الإعلام الذي يفترض أن يقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء، وفقًا لخبراء.

ولاحظت وكالة الصحافة الفرنسية، أن قنوات التلفزيون التركية الرئيسية لم تنقل خطاب إمام أوغلو، وكأن، هذا الأخير، الذي سيرأس أهم بلدية في البلاد، على الإطلاق، قد هبط من كوكب آخر، حسب بعض الخبراء.

ورأى الخبراء، أن تجاهل الإعلام النسبي لتغطية حدث تسلم أوغلو مهامه، يؤشر إلى أن مهمته شاقة، وقد يصطدم بالكثير من العقبات الإعلامية والسياسية والبيروقراطية، خاصة وأن أردوغان قد استحوذ على مختلف السلطات عندما حول النظام البرلماني التنفيذي في البلاد إلى النظام الرئاسي، الواسع الصلاحيات، وهو ما يتيح له التضييق على منافسيه في مختلف المواقع، ومن بينها البلديات.

وتتناقض هذه التغطية الإعلامية الخجولة للحدث مع ما قاله أردوغان نفسه، الأربعاء الماضي، عندما خاطب أعضاء حزبه بأنه ”ليس لدينا ترف أن ندير أذنًا صماء للرسالة التي بعث بها شعبنا“، في إشارة إلى أن أهل إسطنبول اختاروا مرشح المعارضة، بيد أن وقائع اليوم الأول لاستلام بلدية المدنية كشفت أن أردوغان وإعلامه أدارا أذنًا صماء للفائز، وأبعدا العدسات عن حدث يستحق الاحتفاء.

وكان أردوغان اتبع تكتيكات إعلامية للتقليل من قيمة خصمه وتشويه سمعة المعارضة، مستغلًا هيمنة المقربين منه على شبكات التلفزيون والصحف، موجهًا لها أوامر بالاكتفاء باستخدام صفة ”مرشح حزب الشعب الجمهوري“ وضرورة إغفال الاسم الصريح لأكرم إمام أوغلو، كي لا يحفر في أذهان الناس، بحسب مراقبين.

وكشف هذا الأمر الشفوي عن قلق أردوغان من أن يتحول إمام أوغلو إلى شخصية كارزمية منافسة قد تكون ندًا للرئيس التركي الذي يستحوذ على المشهد السياسي والإعلامي منذ أكثر من عقدين، ولم يعد يطيق إزاحته عن صدارة المشهد، لاسيما إذا كان ذلك على يد سياسي مغمور، صعد نجمه في الأشهر القليلة الأخيرة فقط.


وفي موازة هذا التضييق الإعلامي، الذي يرجح أنه سيتواصل، مستبقلًا، تسعى حكومة العدالة والتنمية إلى تقليص صلاحيات رؤساء بلديات المدن، خاصة بعدما خسرت بلديات المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة.

ونقلت الوكالة الفرنسية عن أونال شفيقوز، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري قوله إن ”إسطنبول مدينة كبيرة وميزانيتها ضخمة، ومن المحتمل أن يحاول أردوغان عرقلة مصادر تمويلها، لكن لديها العديد من الفرص للحصول على تمويلها الخاص“.

ولئن ركزت تقارير الوكالات العالمية على خسارة أردوغان السياسية في إسطنبول، وهي مهمة بالطبع، غير أن ثمة جانبًا اقتصاديًا لا يمكن التغاضي عنه، وهو أن إسطنبول هي العاصمة الاقتصادية للبلاد، وكانت تمثل، بمواردها وحيويتها، الوقود المشغّل لماكينة حزب العدالة والتنمية، فهذه البلدية تمنح عقودًا بالمليارات من الدولارات عبر المناقصات العامة والخدمات.

وأشارت تقارير إلى أن وزارة التجارة التركية أصدرت، الأربعاء، قرارًا يقضي بسحب صلاحية تعيين مدراء الشركات المرتبطة ببلدية إسطنبول من رئيسها.

وأفادت وسائل إعلام تركية، أن صلاحية تعيين مدراء هذه الشركات الكبيرة، وعددها نحو 30، أسندت إلى المجلس البلدي، الذي يستحوذ عليه حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وأثار هذا القرار جدلًا واسعًا في أوساط حزب الشعب الجمهوري، الذي اتهم الحزب الحاكم بإعاقة عمل الفائز برئاسة بلدية إسطنبول، معتبرة القرار ”أول عصا حكومية في دواليب عربة“ إمام أوغلو.

ويرجح متابعون أن تكون هذه المضايقات غيضًا من فيض مما سيتعرض له إمام أوغلو في منصبه الرفيع الجديد، خاصة وأن تقارير أشارت إلى أن إمام أوغلو سيكون منافسًا شرسًا في انتخابات الرئاسة التركية عام 2023، الأمر الذي سيحفز أردوغان والإعلام الخاضع له على شيطنته.

وجرت يوم 23 حزيران /يونيو انتخابات معادة لرئاسة بلدية إسطنبول، فاز فيها مرشح المعارضة، مرة ثانية، بعد إلغاء لجنة الانتخابات نتائج التصويت السابق الذي جرى أواخر آذار مارس الماضي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى