«القات» الشجرة التي ينفق معظم الشعب في سبيل تعاطيها ثلثي الراتب

> تقرير/ سليم المعمري

> يعاني المجتمع اليمني، منذ الألفية الأخيرة، كثيراً بسبب شحة المياه التي ضربت عدة مناطق مختلفة في البلاد، نتيجة لاستهلاك كميات كبيرة منها لزراعة شجرة القات.
وباتت هذه الآفة (نبتة القات) تتوسع كثيراً في الأراضي الخصبة على حساب شجرة البُن والفواكه والخضروات والحبوب، وغيرها من المحاصيل الزراعية التي كانت تعود بالنفع والفائدة على المزارع والمجتمع ككل، فضلاً عمّا تسببه من علل وأمراض على متعاطيه، وإهدار المال، ومشاكل أسرية تصل لحد الطلاق، في كثير من الأحيان.
توسعت رقعة زراعتها على حساب المحاصيل الزراعية الأخرى واستنزفت المياه
توسعت رقعة زراعتها على حساب المحاصيل الزراعية الأخرى واستنزفت المياه

وينفق الكثير من أرباب الأسر ما يزيد عن نصف مرتباتهم في سبيل الحصول على هذه الشجرة، وقضاء معظم ساعات نهارهم وليلهم في تعاطيها، فيما يسمى بمجالس الوهم، في الوقت الذي يعاني فيه أفراد عائلاتهم من الجوع والفاقة والأمراض.
واستغرب ناشطون ومهتمون من أن تسمح الجهات المسؤولة في الدولة بإدخال السموم المستخدمة في زراعته عبر الموانئ، والمتسببة بالإصابة بكثير من الأمراض الخطيرة، كالسرطان والفسل الكلوي.

نقمة
بدر الأميري
بدر الأميري
وأوضح بدر فضل الأميري، وهو مستشار قانوني، أن "القات سبب رئيسي للفشل الكلوي والعديد من الأمراض، وذلك لاحتوائه على السموم التي يتم استيرادها من الخارج، ومن ثم رشها على نبته القات التي بات الكثير من المواطنين يتعاطونها بشكل يومي، والمؤسف أن الدولة ووزارة الصحة ليس لديها أي اهتمام بخصوص الأضرار التي تنتج عن القات، وهذا يُعد دوراً سلبياً من قِبلهم، لاسيما أن هذا السموم تدخل عبر ميناء عدن وعبر النقل الجوي والبحري".

وتابع بالقول: "من ناحية أخرى، فالقات سبب رئيسي في خراب الأسر من حيث ضياع النقود وعدم الاهتمام بأفراد الأسرة، فضلاً عن كونه مضراً بجسم وصحة متعاطيه".
محمد السقاف
محمد السقاف
وأيد قوله الناشط محمد سعيد السقاف حيث قال لـ«الأيام»: "القات من أهم الأسباب المؤدية لخراب وتفكك الأسر في المجتمع العدني بشكل خاص واليمني بشكل عام".

جمال مسعود
جمال مسعود
واعتبر جمال مسعود علي، وهو أحد الناشطين السابقين في جمعية مكافحة القات بأن "هذه الشجرة هي آفة اليمن والنقمة التي حلت بأولاد سبأ في العصر الحاضر"، مستغرباً بأن دولة فقيرة مثل اليمن تعيش على المساعدات وتطحنها الحروب وتنتشر فيها الأوبئة تنفق مئات الملايين على القات، ويجلس أهلها الساعات الطويلة لمضغه في جلسات الوهم وأفراد أسرهم يعانون العوز والفاقة والحاجة.

وأكد علي أن شعب ينفق معظم أبنائه ثلاثة أرباع راتبهم على القات واستبدل الحركة بالقعود، لن يبنوا دولة تنعم بالتعليم والصحة والبنية التحتية والأنشطة الرياضية.

تدمير للأسر
أياد الحميدي
أياد الحميدي
وقال الصحفي أياد سعد محمد الحميدي، سكرتير تحرير صحيفة "تحديث تايم" الإلكترونية: "لم يثبت في أي دراسة أن للقات فوائد؛ بل هو نبتة مضرة على متعاطيه صحياً كنقص سكر الدم، وارتفاع الضغط، والإرهاق المستمر، وعدم استقرار النوم بشكل منتظم، وكذا مادياً، كما أنه سبب رئيس في تدمير الأسر والابتعاد والانعزال عنها بشكل متكرر، وهو ما يفقد الأهل مشاركتهم لحظات حياتهم".

وتضيف الإعلامية ريام المرفدي بالقول: "للأسف المجتمع اليمني استبدل شجرة البُن بشجرة القات المتسببة بدمار هذا الشعب الذي لا يفكر بأضرار هذه (الآفة) عليه، بل إن هناك من الآباء من باتوا يفكرون ويهتمون بالقات ولا يفكرون بقوت يومهم، وهذا يعد كارثة".

اضطرابات نفسية
من جهتها، أشارت وفاء سعد طلحة، اختصاصية نفسية، إلى أن هناك دراسة أجريت في جامعة نيروبي الكينية لمعرفة تأثير القات على الفئران، ونشرت في المجلة الطبية لشرق أفريقيا في الجزء رقم (84) والعدد رقم 5 بتاريخ مايو 2007م، أكدت بأن هذه الشجرة أحدثت تأثيراً على السلوك الحركي لدى فئران التجارب.
وأضافت لـ «الأيام»: "كما خلصت هذا الدراسة إلى أن القات يتسبب في نوبات صرع لدى العديد من هذه الفئران، أما بالنسبة إلى الإنسان فلم يثبت يقيناً بأنه قد يتسبب له بحالات صرع ولكنه يظل وارداً ما دام قد حدث على فئران التجارب، ولكن بدون شك أن مرضى الصرع يتأثرون سلبياً به، لكون القات منبه قوي للمخ والجهاز العصبي، والصرع يحدث عندما تزيد الشحنات الكهربائية للدماغ، ونحن دائماً ننصح مرضى الصرع بتجنب تناول القات لأنهم سيكونون أكثر عرضة لحدوث نوبات الصرع حال تناولهم له، ومن خلال تجربتي العملية وجدت أن تعاطي القات لدى المصابين باضطرابات نفسية يزيد من حالتهم سواءً، ونلاحظ أن تأثيره يعمل على تباطؤ عمل المضادات للقلق والاكتئاب، وكذلك المصابين بالفصام نجد أن حالتهم تتدهور مع تناولهم للقات، حيث تزيد الهلاوس لديهم أكانت سمعية أم بصرية، وحينما يتوقف المريض عن تناول القات ويتناول الدواء المقرر من الطبيب المختص تستقر حالته".

مشكلات اجتماعية
فؤاد مرشد
فؤاد مرشد
ووصف فؤاد عبد القوي، وهو مرشد اختصاصي اجتماعي، القات بـ "الظاهرة الاجتماعية السلبية" المنتشرة بين شرائح مختلفة من المجتمع اليمني، والمتسببة بتوسع المشكلات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والصحية.
وتابع قائلاً: "في مجالس القات يهدر الوقت الذي ينبغي أن يستفاد منه في جوانب إيجابية مثل تحسين الدخل، وبسببه يعرض المرء نفسه للإصابة بالعديد من الأمراض نتيجة للمواد الكيماوية التي تدخل في زراعته، كما أن من التداعيات السلبية لهذه النبتة، والتي باتت لا تخفى على أحد، المشاكل الأسرية وتفككها، وكذا الاستهلاك الكبير للمياه في عملية الري، إضافة إلى أن زراعته جاءت على حساب محاصيل غذائية أخرى".

ويضيف لـ «الأيام»: "في الآونة الأخيرة انتشرت هذه الظاهرة بين أوساط النساء أيضاً، رغم كل الدعوات التي نسمعها، وهذه مشكلة اجتماعية والقضاء عليها لن يكون بالأمر السهل، طالما وجدت المسببات وانتشر الفقر وانخفض مستوى الوعي الاجتماعي وانعدمت فرص العمل وانتشرت البطالة وانعدمت البدائل المناسبة، ولا شك بأن لظاهرة تعاطي القات مدافعين كثير، وذلك للنتائج الخادعة التي تبدو أنها تعطي جزءاً من الراحة والنشاط والاجتماع بالآخرين، وتزيد من الروابط الاجتماعية بين الناس".

توتر في العلاقات
د. فضل الربيعي
د. فضل الربيعي
قال أستاذ علم الاجتماع ورئيس مركز "مدار" للدراسات والبحوث الاجتماعية، البروفسور فضل عبدالله الربيعي: "اليمن مثل الحبشة والصومال اُبتليت بشجرة القات، والمتتبع لجذور مشكلاتنا وتخلفنا في الجانب الاقتصادي والسياسي والعلمي والثقافي والتنموي والصحيين سيجد أن سببه الرئيسي هو تعاطي القات".
ولفت في تصريحه لـ«الأيام» إلى أن "الكثير من الوقت يهدر في سبيله، بدءاً من التفكير به والذهاب إلى السوق الخاص به ثم تعاطيه، والذي يستغرق وقتاً كبيراً، ثم تأتي الفترة الثالثة؛ ما بعد تناوله، وهي مرحلة الهلوسة والتفكير، وهذا يعني أن ثلثي الوقت الذي كان مخصصاً للراحة والاسترخاء مع العائلة يذهب للقات وهذه تُعد كارثة جداً"، مضيفاً: "لو نقارن أنفسنا مع المجتمعات الأخرى فسنجد بأن هذا الوقت هو وقت الإنتاج".

وتابع: "لهذه النبتة العديد من الأضرار، منها استهلاك كمية الماء على حساب زراعة المحاصيل المفيدة وغيرها، ولكن الأخطر هو تناوله من قِبل الكثير من الشباب والأطفال، وهناك العديد من الناس أصبحوا لا يهتمون بمظهرهم ولا بالجلوس مع أهلهم بقدر اهتمامهم بهذه الشجرة، وهذا يؤثر على العلاقة بين الآباء والأمهات والأبناء، فضلاً عن كونه يتسبب بتبديد وإنفاق الكثير من الميزانية الخاصة بالأسرة، وهو ما ينتج عنه بالتالي أضرار اجتماعية تتركز سلباً في العلاقات الأسرية وفقدان أوقات الترفيه والراحة. ومن ناحية أخرى يلجأ البعض لاستلام الرشاوى في أعمالهم لتغطية نفقات القات".

أضرار صحية ونفسية
بدوره، قال الأستاذ بكلية الطب بجامعة عدن أ. د جمال حسين زين لـ «الأيام»: "عُرفت نبتة القات حديثًا بأضرارها الصحية والنفسية والجسديِة على الإنسان نظراً لاحتوائها على المواد الكيميائية الضارة التي يعتبرها الباحثون بمثابة سموم تؤثر بالجسم وعلى جميع أعضاء الإنسان، بداية من الفم حتى الأمعاء مروراً بالمري والكلى والكبد، بالإضافة إلى أنه يتسبب في أمراض السرطان، حيث إن القات من المواد الضارة بالجسم، ويقبِل عليه الكثير من الناس، وخاصةً في البلاد، ومما يجعله من أخطر المواد المؤثرة على المجتمع هو ارتكازه على التأثير النفسي للشخص، فهو ليس كالمخدرات التي تسبب الإدمان النفسي والجسدي".

وأضاف: "قد يصل بعض متعاطي القات إلى الإدمان الوهمي، فهو يؤثر بشكلٍ أساسي في الجهاز العصبي، حيث يشعر المتعاطي أثناء تناول القات برغبةٍ في الحديث وشعورٍ بالفرح والنشاط الجسماني، وشعور بالراحة والقدرة العالية على التركيز، كما يشعر البعض ببعض المشاعر الفكاهية مثل داء العظمة وكأنه ملك العالم أجمع، وبأنه سيمتلك المال الكثير وسيصبح غنياً، ولكن بعد انتهاء فترة التعاطي فإن الشخص يبدأ يشعر بالقلق وفقدان التركيز والشرود والكآبة، والميل للانزواء والابتعاد عن الناس مع فقدان الرغبة في الحديث، كما إن النوم لديه يصبح متقطعاً ويميل إلى الإصابة بالأرق، بالإضافة إلى فقدان الشهية لتناول الطعام والإصابة بالخمول، كما إن متعاطيه قد يصاب بالالتهابات وقرحة المعدة بسبب تأثيره على مادة التأنين الموجودة بجدار المعدة، كما يتسبب في حموضة المعدة ويؤثر على الاثني عشر، كما يسبب لمتعاطيه الإمساك لوجود المواد السمبتاوية مثل مادة الكاثينون التي تقلل من حركة الأمعاء وأمراض البواسير التي تأتي في الأغلب نتيجة للإمساك المزمن. وتعاطي القات دون غسله يزيد من احتمال الإصابة بالديدان والأميبا، فالقات الملوث يحتوي على الكثير من البكتيريا والديدان، وأيضاً نتيجة تداوله بين أيدي المزارعين والبائعين".

ويضيف د. زين: "متعاطو القات يشعرون بالشبع مما يفقدهم شهيتهم في تناول الطعام وهذا نتيجة احتوائه على مواد شبيهة بالإمفيتامين كالكاثينون، وبالتالي فقدان الوزن بشكل كبير ومزعج، والإصابة بسوء التغذية وضعف مناعة الجسم والتعرض للعديد من الأمراض، كما أن مضغ نبات القات يؤثر بشكل مباشر على الكبد، لأن الكبد مستودع السموم بالجسم، وتلك النبات تحتوي على مواد كيميائية سامة تؤثر على الكبد، كالتأنين، فضلاً عن السموم والمبيدات التي يرش بها القات. أيضاً متعاطو القات أكثر عرضة للإصابة بالتهاب الكبد الفيروسية من نوع "بي" وتتأثر الكلى بالسموم التي تدخل الجسم بالتالي قد تتكون الحصوات نتيجة كثرة الترسبات، كما يؤثر القات مباشرة على الغدد الصماء وهرمون التسترون الذي يشير إلى نقص القدرة الجنسية لمتناولي النبات بالإضافة إلى تأثيره على الغدد النخامية والجهاز التناسلي مثل تشوهات الحيوانات المنوية وتأثيره على الجنين وتشوهه".

د. جمال زين
د. جمال زين
واختتم أ.د جمال زين تصريحه لـ«الأيام» بالقول: "الذين يتناولون القات معرضون أكثر للإصابة بأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، نتيجة وجود مادة الكاثين التي تضيق الأوعية الدموية في الجسم، وكذا الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الالتهابات والربو والسل نتيجة افتقار مجالس تعاطي القات للتهوية، وتلبد الدخان المتصاعِد أثناء جلسات المقيل".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى