حسّن المرقد وشبعها ماء

> منصور الصبيحي

> وراء ذلك القول من الحكمة لظاهرها تكمن أهمية المرقد بالنسبة للحيوانات الأليفة ولسائر المخلوقات على ما يبدو التي تخلد طلبا للراحة بعد طول يوم من العناء بحثاََ عن الرزق من مرعى وكلاء حتى يأتي عليها تعبها لتعود طلبا لها نزولا عند رغبة سلوكها وطبيعتها المكتسبة كي تستعيد نشاطها من جديد استعداداََ لليوم التالي.

لهذا يمثل المكان المعد لراحة الحيوان بقدر عال من الأهمية عند رعاتها وأصحابها لمعرفتهم الأكيدة بمدى تأثيره على صحتها بما لو فسد حتما ستتكاثر فيه الطفيليات ثم يعود سلبا على إنتاجها من اللحوم والألبان. لهذا كان لابد من العمل على المحافظة عليه من عوامل الطقس والمناخ وتهيئته تهيئة كاملة وما يتناسب مع معيشتها، لذلك فهو ذو أهمية يتوازى مع ما تأكل من أعلاف وحشائش حتى قيل (حسًن المرقد وشبعها ماء) أي أنك إن لم تعمل للهدف ذاته فمهما كان عطاؤك لحيوانتك لن يجدي نفعا بما سيكلفك كثيرا من الخسائر المادية.

وانعكاسا لصورة المرقد بالنسبة للإنسان على واقعنا بالذات في المناطق الساحلية فقد غدا هذا المرقد جحيما لا يطاق لأسباب ليس لها حصر أبرزها انعدام الكهرباء وخصوصا أثناء فترة حلول الصيف الذي ترتفع فيه الحرارة إلى ما دون الستين درجة مئوية تجعل من موضع الوطن الصغير المرقد (المنزل والسرير) مكانا لترديد الزفرات كفرا بهذا الواقع والزمن المر، فيومك يا أيها الإنسان متطلبات والتزامات كثيرة لا تراعي ما تعانيه من تنغيص في مرقدك ومن تململ وسهاد وتعب وما في ليلك من جحيم لا يطاق لا يعرفه إلا أنت على حسب ما يتردد شعراََ (ما تحرق النار إلا رجل واطيها)، فبقدر الانقطاع المتكرر لباعث وساحر الراحة والهدوء والطمأنينة (الكهرباء) وفي ندرتها ما يترتب عليه من سلبيات تقع عليك وأسرتك وأفراد المجتمع أقلها حين تأتي إلى العمل مجهدا متعبا مهموما شارد العقل فاقد الوعي والتركيز.

وعلى هذا الحال تمضي بك الأيام والسنين ومرقدك الكبير والصغير على قبحه لا يلوح في الأفق أمل يحسّن من وضعه سوى وعود ووعود المسؤولين المتكررة والتي هي كثيرة وكثيرة جدا إلى جانب الخطابات المعسولة، ولكنها كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحينا.

ويمضي المرقد على حاله ليلا ونهارا.. وطن كبير ملوث يقتاتنا فيه الحر، نعيش بداخله محطمين نشعر بالمآسي حولنا فيرحل بنا خيالنا عند كل ليلة ومنذ زهاء خمسين عاما أو يزيد كي نصنع ولو بأعيننا فلكا يشبه فلك النبي نوح (عليه السلام) ثم نغادر الطوفان إلى غير رجعة، ولكن لا فائدة، لا أمل من النجاة، فالطوفان مستمر حولنا وبيننا، بل صرنا من طول إقامته معنا متعايشين ومتكيفين معه، قد سبك في أجسادنا.

ومع ذلك وبينما نحن نغرق في الطوفان ونواصل التلذذ والاستمتاع برحلة العذاب والغرق لم تزل في أعيننا مساحة لضوء وفي نفوسنا رجاء من أن نتمكن في ساعة فارقة ولحظة خاطفة من إرساء دعائم النصر لسفينة الحياة إكمالا للمهمة ثم نغادر الطوفان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى