موسم نجم البلدة بالمكلا.. ظاهرة طبيعية سنوية فريدة

> تقرير/ خالد بلحاج

>
انطلقت على شواطئ عروس بحر العرب مدينة المكلا بحضرموت، أمس، فعاليات مهرجان موسم نجم البلدة السياحي الذي دأب عليه أبناء حضرموت عموماً والمكلا والشحر خصوصاً على إحيائه كتقليد سنوي، والذي يصادف الخامس عشر من يوليو من كل عام، وهي ظاهرة طبيعية سنوية فريدة يتميز بها الشريط الساحلي الحضرمي وتستمر لعدة أيام.
ودشنت فعالياته بالأهازيج والرقص الشعبي الفلكلوري الذي يحكي عن تراث وتاريخ حضرموت الأصيل، والتي ستستمر طوال نجم البلدة وقد تتعداها طالما بقيت الأجواء والمياه باردة.
تتحول خلاله مياه البحر والأجواء إلى باردة ومنعشة
تتحول خلاله مياه البحر والأجواء إلى باردة ومنعشة

ويتوافد أبناء المكلا قبل شروق شمس صباح كل يوم من أيام نجم البلدة على شواطئ المدينة الباردة التي داعبتها برودة ونسائم نجم البلدة، التي تتحول خلالها مياه المكلا والشحر وغيرها من المناطق الساحلية الواقعة على بحر العرب بالمحافظة إلى مياه باردة منعشة وذات فوائد صحية لكل من يغتسل في ساعاتها الأولى، أبرزها إنعاش الجسم وإكسابه بالحيوية والنشاط.

ويدرك أبناء سواحل حضرموت أن البحر بموسم البلدة يتجلى في وجدانهم بمعان سحرية يعجزون عن وصف أسرارها واستجلاء جمالها، ولطالما أحيت البلدة في نفوسهم عبق الماضي، وذكريات الطفولة التي ارتبطت كثيراً بالبحر.

مهرجانات رسمية
ويوفر نجم البلدة أفضل موسم سياحي لمدينة المكلا وحضرموت عموماً، حيث يسود في فترته جو بارد جميل ومنعش، كما يرتفع الضباب على جبل المدينة وسمائها، بسبب انخفاض برودة البحر.
وتشهد المدينة توافد الآلاف من الزوار من أماكن مختلفة للاغتسال في البحر والسياحة والاستجمام والعلاج، تزحم على إثره المدينة وتمتلئ فنادقها ويشكل ذلك أكبر موسم سياحي اقتصادي فيها.

وتحرص السلطات المحلية والجهات الأمنية وخفر السواحل بتأمين المدينة وتأمين السواحل وشواطئ البحر وتوفير وسائل السلامة لمرتادي البحر وتنصب خيام للإسعاف والإنقاذ.
وتزامناً مع هذا الموسم تقام احتفالات ومهرجانات رسمية وشعبية وخيام للتراث والموروث الشعبي الحضرمي حيث يأتي إليه الزوار من داخل البلاد وخارجها؛ للاستمتاع بهذه الظاهرة الفريدة على مستوى العالم والاستمتاع بالاغتسال طوال أيام البلدة.

عادات وتقاليد
وموسم نجم البلدة ظاهرة طبيعية تختص بها محافظة حضرموت وتحديداً ساحل المكلا ـ الشحر وعدد من القرى الساحلية، وتخفي وراءها تاريخاً قديماً وعادات وتقاليد احتفالية تعوَّد الناس على ممارستها خلال هذا الموسم الذي يبدأ في منتصف شهر يوليو من كل عام ويستمر حتى أواخر الشهر.. ويعيش الناس في أيامه متعة طبيعية وهم يستمتعون بظاهرة برودة مياه البحر إلى درجات منخفضة في عز أيام الصيف، ويمارسون الاغتسال الجماعي في الشواطئ منذ ساعات الصباح الباكر، إيماناً منهم بالخصائص العلاجية لمياه البحر الباردة ودورها في علاج أمراض جلدية كالصدفية وأمراض الروماتيزم وغيرها.

بهجة وسرور
وقال مدير عام مكتب وزارة الثقافة بساحل حضرموت نائب رئيس اللجنة التحضيرية للمهرجان، خالد أحمد القحوم: "نحتفل اليوم بتدشين مهرجان موسم البلدة السياحي بهدف خلق روح البهجة والسرور في نفوس أبناء المحافظة ومشاركتهم احتفال البلدة السنوي الذي يحل علينا كل عام في منتصف شهر يوليو".

وأكد القحوم في تصريحه لـ "الأيام" أن "الأمن السلامي الذي تنعم به مدينة المكلا ومحافظة حضرموت يُعد عاملا رئيسيا لمساعدتها في احتضان المهرجانات بمختلف أشكالها، وأتمنى لكل المقيمين في المكلا والزائرين الاستفادة من المزايا المختلفة لهذا الموسم صحياً وثقافياً وسياحياً واجتماعياً، وطيب الاستمتاع والإقامة في ربوعها، وقضاء أسعد الأوقات مع برنامج فعاليات مهرجان البلدة المختلفة، الثقافية والسياحية والإعلامية والعلمية والرياضية، التي كانت ثمرة للجهود التي بذلتها اللجنة التحضيرية للمهرجان".

بدوره أكد قائد قوات النجدة والدوريات بأمن ساحل حضرموت، العقيد لبيد أحمد الحميري، الجهوزية العالية لكافة الدوريات الأمنية بمختلف مناطق الساحل؛ لتأمين فعاليات موسم البلدة للعام 2019م، مشيراً إلى أن "الدوريات الأمنية تم توزيعها وفق خطة أمنية تم الإعداد لها مسبقاً لتأمين كافة الفعاليات التي تشهدها مدينة المكلا والمدن الساحلية الأخرى ضمن إطار فعاليات موسم البلدة".

وأوضح الحميري في تصريحه لـ "الأيام" أن المهمة الأساسية لهذه الدوريات الأمنية المنتشرة حماية المواطنين والوافدين إلى مدينة المكلا لينعموا بأجواء فرائحية ومنع أي محاولات لتعكير صفوها، وكذا العمل بالتعاون والتنسيق مع إدارة الدفاع المدني وقوات خفر السواحل على توعية كافة المواطنين والوافدين إلى المدينة وإبعادهم عن الأماكن الخطرة، لاسيما مرتادي الاغتسال في البحر نظراً لهيجان الأمواج خلال هذه الفترة ولتفادي حدوث حالات الغرق التي تعرض لها عدد من المواطنين والوافدين خلال الفترات السابقة".

مفهوم ظاهرة البلدة
ويوضح المؤرخ عبدالرحمن الملاحي أن "ظاهرة البلدة في حضرموت لها مفهومان: المفهوم الأول: بأنها منزلة من المنازل القمرية وتبعاً لمتغيرات الأنواع وتتم غالباً في شهر يوليو سنوياً حيث تتحرك الشمس خلال هذه الفترة في مدار السرطان باتجاه الجنوب، والتي تحدث فيها مسألتان هامتان في البحر: الأولى هبوب الرياح الجنوبية الغربية التي نسميها بالعامية "الكوس" ويطلق عليها العرب الشمل والشمال، وهذه الرياح تهب بكثرة ابتداءً من يوليو وبالتحديد في النصف الثاني من شهر يوليو، وتزداد حتي نهاية شهر يوليو، وما يحدث أن هذه الرياح تثير الأمواج "وتقشط" الغطاء الخارجي للبحر وتبرز في الأسفل المياه الكامنة أسفل ذات البرودة ومع تسلل البرودة من المناطق المجاورة للقطب الجنوبي وكل المحيطات الأخرى.. لكن هناك العامل الثاني الذي يحدث "بعد الرياح التي تعتبر العامل الأول" والعامل الثاني: هو وجود التيار الغائص، وهو تيار عنيف ينطلق من جنوب أفريقيا والشواطئ الأفريقية الشرقية امتداداً إلى الشواطئ الهندية وما وراءها، الشواطئ الباكستانية في الخليج العربي، وتسمى التيار الغائص؛ لكونه يدفع مع وجود ظاهرة قشط سطح البحر بالرياح الشديدة وقفز الأمواج أيضاً الغائص يرفع المياه فتظهر البرودة، ونتيجة لهذه الظاهرة تحدث عملية تبخر للمياه مع وجود الشمس وتزيد على أثرها برودة البحر، فإذا ما مرت الرياح تأتي بهذه البرودة، لأن الرياح لم تصادف أمامها مسطحاً صحراوياً وإنما صادفت سطحاً مائياً فيبرد الجو في هذه المنطقة وتسمى الفترة المذكورة فترة موسم "نجم البلدة"، والشيء الآخر في المناطق الشمالية تبدأ نفس الرياح في الهبوب، هي رياح حارة شديدة تسمى "بالسموم" وجاءت هذه الرياح حارة وشديدة مرت على سطح صحراوي فتثير حرارة هذا في مسألة الظاهرة في الجانب الفلكي".

ويضيف في تصريحه لـ "الأيام" بالقول: "في هذه الفترة بالذات تحدث قضايا كثيرة أما بالنسبة للصيادين عموماً فإنهم يتوقفون عن العمل والصيد في البحر إلا البعض الذين يصطادون في المناطق القريبة ثم يعودون سريعاً لكن معظمهم يذهبون إلى المناطق الريفية ليعملوا في جني التمر والاعتناء بالنخيل؛ لأن هذا الوقت بالتحديد يصادف موسم الخريف في المحافظة وهو موسم التمور، ويعملون في المزارع بين النخيل ليكسبوا عملاً جديداً ورزقاً جديداً، ونجم البلدة يأتي بحسب التوقيت المحلي في حضرموت أو ما يعرف في حضرموت بالتاريخ الشبامي أو التقويم الشبامي وهو دائماً اعتماد المنازل القمرية كمحطات أو كدلالات أو يمكن أن نسميها كتقويم للسنة الشمسية كاملة، ويبدو أن هذا التقويم عرف قديماً منذ أيام الحضارة اليمنية وليس حديثاً أقدم من القرن الثالث الهجري، فارتباطات المنازل والنجوم معروفة في كل اليمن مع الاختلاف في التسميات والأنواع وفي هذه الفترة في شهر يوليو بالتحديد من يوم 14 يوليو أو يوم 15 أو 16 يوليو يكون تاريخ ظهور النجم وتترافق عملية ظهور النجم مع حصول ظاهرة البلدة وبرودة الجو نتيجة العاملين الأساسيين اللذين ذكرناهما "الرياح + التيار" في هذا الوقت يشعر الناس بالراحة والاستجمام ويذهبون إلى الشواطئ للاغتسال والاستمتاع ببرودة الهواء والمياه، وهناك من يعتقد بأن الماء البارد يداوي وهذا معتقد شعبي فمثلاً يقولون: "الماء البارد حجامة سنة"، والحقيقة لم أتأكد من وجود هذه الخصائص بشكل علمي وطبي لكن الكثير من الناس يأتون من مناطق بعيدة ليغتسلوا لمدة ثلاثة أيام في مياه البحر الباردة".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى