طريق هيجة العبد بالمقاطرة.. الهروب من معاناة إلى أخرى

> تقرير/ سليم المعمري

> خلّفت الحرب التي تشهدها البلاد منذ خمس سنوات، وما زالت، الكثير من التداعيات على سكان محافظة تعز، وفي مقدمتها الحصار الجائر الذي تفرضه جماعة الحوثي الانقلابية على المدينة، والذي تسبب بصعوبة وصول المواد والغذاء والمواد الضرورية الأخرى مع ارتفاع قيمتها.
ونتيجة لسيطرة الانقلابين على جميع الطرق والمنافذ التي تربط تعز بغيرها من المحافظات، اضطر المواطنون والتجار والمسافرون إلى سلوك واستخدام طريق "هيجة العبد" على الرغم من أنها طريق ضيق، وذات منعطفات خطيرة تقدر بحوالي 55 منعطفاً شديد الانحدار، وبطول يبلغ 9 كيلو مترات.

طريق وحيد وإجباري
وباتت هذه الطريق التي تقع في جبال عزلة الأكاحلة في مديرية المقاطرة بمحافظة لحج تُشكل في الوقت الحالي الشريان الحيوي والوحيد الذي يمد المحافظة بالغذاء بعد أن تم قطع كل المنافذ الأخرى عنها.
ويعود البدء في شقها إلى بداية ثمانينات القرن الماضي واستمر حتى تم الانتهاء منها في منتصف العقد ذاته، بجهود ذاتية وأهلية بهدف ربط قراهم بمركز المديرية في التربة.
تمر عبرها أكثر من 400 شاحنة في اليوم الواحد
تمر عبرها أكثر من 400 شاحنة في اليوم الواحد

ونتيجة للطبيعة الجغرافية الجبلية للمقاطرة كان يعيش سكانها بسبب غياب الطرق في مكان أشبه بالسجن، مع انعدام للخدمات الأساسية، لاسيما الصحية، ولتجاوز هذه المشكلة بذل مشايخ وعقال المنطقة جهوداً حتى تمكنوا من إحضار مهندسين في البدء للتخطيط للطريق غير أن المهندسين أكدوا حينها بعدم وجود ممر في الجبال المحيطة يمكن الشق عبره، مما حدا بالمواطنين أنفسهم للتخطيط لمرور الطريق في المكان المعروف الآن، وكان ذلك بعد منتصف سبعينيات القرن الماضي كما يقول بعض الأهالي، والذين أشاروا إلى أنه في هذه الفترة قدمت سلطات الرئيس إبراهيم الحمدي للأهالي حراثة شق كبيرة، لكن سرعان ما تم عرقلتها بعد رحيله.

وأوضح العديد من كبار السن في المنقطة في أحاديث لـ «الأيام» أن الرئيس الهالك علي عبدالله صالح رفض بعد ذلك مواصلة شق الطريق تحت ذرائع عدة منها: أن هذا الطريق ستمثل ممراً للاشتراكيين في عدن، فضلاً عن نظرته المناطقية لأبناء تعز وخاصة الحجرية التي ستمر الطريق وسطها، وذلك لِما تُشكله من تكتل سكاني ضخم وبؤرة واسعة للثورة.
مواطنون: توقف استمرار صيانة الطريق يعود لإهمال الجهات المسئولة
مواطنون: توقف استمرار صيانة الطريق يعود لإهمال الجهات المسئولة

بدء الشق بجهود ذاتيه
وبسبب تزايد المعاناة بدأ رئيس المجلس المحلي العميد علي عبد ناجي والشيخ أحمد حسين الأكحلي عملية شق الطريق بدعم أهلي من أبناء الأكاحلة والمدجرة وبعض المناطق المجاورة، واستطاع الشيخ ناجي إخراج حراثتي شق أخريين و(كمبريشنات)، ووفق هذه الجهود تم بناء الجدران الساندة، كما تبرعوا بقيمة الديزل والاحتياجات الأخرى بالإضافة إلى دعم رجال الخير.

ونتيجة لاستفادة الرئيس الهالك من الطريق في عام 1994م أثناء حربه على الجنوب، تم إدراج التوسعة لها وسفلتتها ضمن مشاريع البنك الدولي، ولكن بنفس المخطط السابق، بحسب المواطنين، حيث رفض المهندسون من قِبل الدولة تغيير التخطيط للحد من الارتفاعات فيها.

أهميتها للحجرية
أصبحت هذه الطريق مؤخراً الشريان الحيوي الوحيد الذي انقذ منطقة الحجرية وتعز من الحصار الخانق للدواء والغذاء من قِبل المليشيات الحوثية، وهي منطقة ذات ثقل سكاني يزيد عن 4 ملايين نسمة بعد عودة المواطنين إليها بسبب الحرب.

وكانت طريق "هيجة العبد" مخصصة للسيارات الصغيرة فقط لرفض المشرفين عليها من تعديلها وحفظ مستوى الميلان، للسماح للشاحنات الكبرى بالمرور بذريعة وجود لديهم توجيهات من القيادة بخصوص ذلك الرفض، غير أن الأزمة الأخيرة التي تمر بها البلاد جعلت من الطريق الشريان الوحيد لأحياء تعز مما أجبر الجميع على المرور فيها، بما في ذلك الشاحنات الكبيرة المحملة بعشرات الأطنان، رغم خطورة الطريق وصعوبتها.

ويزيد عدد الشاحنات التي تمر فيها بشكل يومي عن أربعمائة شاحنة ذهاباً وإياباً بين محافظة تعز ومنطقة طور الباحة في لحج وصولاً للعاصمة عدن.
وتحملت الطريق، خلال الأربع السنوات الماضية وحتى الآن، الكثير من الحملات الزائدة والتي عرضتها لأضرار كبيرة، الأمر الذي تسبب بإعطاب العديد من المركبات بشكل يومي نتيجة لتزايد الحُفر فيها.

كما أن وقوع معظم الطريق في مناطق شبه خالية من سكان جعل منها بالإضافة إلى جغرافيتها مكاناً مناسباً للتقطع والنهب.
ولتأمين المسافرين فيها قام العقيد الركن عبد الخالق هائل المقطري بترتيب حراسات دائمة من العسكريين ليلاً ونهاراً لحماية المارين فيها وحماية ممتلكاتهم من المتقطعين منذ بداية الحرب.

صيانة غير مكتملة
مؤخراً استجابت الحكومة ممثلة برئيس الوزراء د. معين عبدالملك، والذي وجّه باعتماد 260 مليون ريال لصيانة وإعادة تأهيل هذه الطريق، وقد باشرت مؤسسة الطرق والجسور المكلفة بالصيانة العمل بتنفيذ 9 أروان (منعطفات) في الخط المتجه نحو تعز، ولكن ما زالت الطريق مفتوحة جزئياً أمام المسافرين والمركبات الصغيرة.
وأكد عدد من التجار في مدينة التربة، مركز مديرية الشمايتين، أن استخدام الطريق البديل لهيجة العبد تزيد من تكاليف النقل مما تسبب في ارتفاع الأسعار، وأن تأخر عملية صيانة الطريق سيزيد من معاناة المواطن خصوصاً مع اقتراب العيد وتزايد احتياجات المواطنين وازدحام الطرق، مناشدين الجهات المتخصصة بسرعة صيانة "هيجة العبد".

تقصير وإهمال رسمي
وأعاد الإعلامي جمال القرشي سبب تأخر إنجاز صيانة هذه الطريق إلى تقصير المسؤولين، وتحديداً وزارة الأشغال.

وأضاف في حديثه لـ«الأيام»: "يفترض أن تقدم الحكومة الشرعية ومسؤوليها نموذجاً أفضل مما هو عليه الحال تحت سلطة انقلاب المليشيات الحوثية. وكان من اللازم أيضاً منها بعد اعتماد ميزانية الصيانة عمل خطة متكاملة ومزمنة والاتفاق بشأنها مع الجهة المنفذة المتمثلة بمؤسسة الطرق والجسور، لكن تفاجأنا بتوقف أعمال الصيانة لأسبوع، والحجة لدى الجهة المنفذة، وهي مؤسسة الطرق والجسور، أن المخصصات لم تدفع لها من قِبل صندوق الطرق، والجهتان حكوميتان ولم نلحظ أي ردة فعل سريعة من رئيس الوزراء والسلطة المحلية بحجم الأهمية للطريق والأضرار الناتجة عن استخدام الطريق البديل (طريق وادي الصحى كربة)، بل على العكس قوبل الأمر بكل برود. ولهذا على المسؤولين وصندوق الطرق ومؤسسة الطرق والجسور أن يكونوا عند المسؤولية ويضاعفوا فرق العمل ويكثفوا العمل في الصيانة وإنهائها في أقصر وقت ممكن، ووفقاً لمؤسسة الطرق والجسور، فإن أعمال الصيانة فقط لجسد الطريق ولا تشمل عمل حواجز على المنعطفات الأمر الذي يتطلب اعتماد ميزانية إضافية لعمل هذه الحواجز".

الحاجة لصيانة كاملة
وقال المواطن يعقوب أحمد عبد الواسع، وهو مواطن ساكن بالقرب من هيجة العبد: "هذه الطريق تحتاج إلى صيانة كاملة ودقيقة، ولم تعد تصلح لمرور الشاحنات بسبب الخراب الذي حلّ فيها نتيجة الحمولات الزائدة للقاطرات والشاحنات الكبيرة".

وأضاف لـ«الأيام»: "يتوجب على الجهات المتخصصة العمل على متابعة عملية صيانة وإعادة ترميم وإصلاح هذه الطريق الحيوي باعتبارها تمثل منجز تاريخي واقتصادي لجميع المواطنين في هذه المديرية والمحافظة بشكل عام، حيث ستوفر لهم كافة موادهم وخدمات أساسية وضرورية، وفي حال تم إهمالها وصرف النظر والتقاعس عنها سوف يلمسون معاناة شديدة في كافة المجالات وتوفير كافة الاحتياجات".

ولفت مشرف أعمال الصيانة لطريق هيجة العبد من قِبل السلطة المحلية بالمديرية، سلطان الدهبلي، إلى أنه "تم عمل صبيات خرسانية مسلحة، وتم تقسيم الرون إلى 8 مربعات (جالات) في الخط الطالع بعد أن تم تجهيز الرون بالتسوية والدك والرش والتقسيم والتسليح بالحديد (أبو عشرة) بالتزامن مع أعمال فنية وهندسية أخرى، كما كان استخدام المواد وفق المعمول به، أي واحد كيس أسمنت وعربيتين (كري) وعربيتين نيس مخلوط بالكري وأربعة سطول ونصف ماء، وقد تم أخذ عينات من الخلطة الإسمنتية لعمل مكعبات مختبرية".

صيانة ومعوقات
من جهته، قال نائب رئيس مجلس إدارة صندوق صيانة الطرق والجسور، سامي سالم باهرمز: "تم عقد مشروع صيانة هيجة العبد بـ 103 ملايين، بالإضافة إلى 14 مليوناً لأعمال تهيئة طريق بديل"، لافتاً إلى أن أبرز الصعوبات التي تواجه إدارته هي التأخير بسبب صعوبة الموقع وعدم الالتزام باستخدام الطريق البديل إضافة إلى الأحمال الكبيرة والتي تزيد من سرعة تدهور الطريق".

رئة محافظة تعز
بدوره، أوضح مدير عام مديرية المقاطرة، جمال أحمد شمسان، أن "طريق هيجة العبد أصبحت تشكل الرئة التي تتنفس بها محافظة تعز".

وأضاف، في تصريحه لـ«الأيام»: "هذه الطريق ذات الشكل الحلزوني بمنعطفاتها التي تقارب 55 منعطفاً، مصممة كطريق ريفية، ومع هذا تحولت لعبور مختلف المركبات بأحجامها المختلفة والسيارات الصغيرة لنقل المسافرين القادمين من كل المحافظات خلال الخمس السنوات الماضية، ونتيجة لمرور الشاحنات الكبيرة بدأت تتشقق طبقتها الإسفلتية وتتكسر معظم أروانها (منعطفاتها) المسفلتة، وأيضاً بفعل الأمطار الغزيرة التي تهطل على الطريق وتتسبب بسقوط الصخور الكبيرة عليها".

وأشار شمسان إلى أنه "تم تخصيص مبلغ 260 مليون ريال من صندوق صيانة الطرق والجسور لإعادة تأهيل هذه الطريق، لتستمر في ممارسة دورها الحيوي بعد تأخر صيانة الطريق لأكثر من خمسة أشهر بسبب الإصرار في المرور فيها من قِبل أصحاب الغاز والتجار ورفضهم المرور في الطريق البديل، طريق (سوق الربوع - كربة - الصحى)، والذي يتطلب المرور فيه تخفيف الحمولة لتمر الشاحنات بسهولة، ولكن للأسف الإصرار على الحمولات الكبيرة يصعب عملية المرور فيها، لكون الترميم والتأهيل مستمراً خاصة بعد أن تم صرف مبلغ للجهة المنفذة، وكان من ضمن أسباب التأخر أيضاً عدم وجود السيولة المالية لديهم، وهم مؤسسة حكومية وليس مقاولاً ينفذ بشروط المقاولات. ومن خلال «الأيام» أحب أن أشير إلى أن استكمال المرحلة الثانية من هذا الطريق والذي أعلنت مناقصته في منتصف مايو من هذا العام لم يتبقَ منه إلا بعض الإجراءات الإدارية لإعلان المقاولين الذين رست عليهم هذه المناقصة لاستكمال سفلتة السائلة وربطها بمديرية طور الباحة، وهذا سيزيد من أهمية هذه الطريق ويسهل حركة المسافرين فيها بأريحية، ومن شأن ذلك أن يزيد من حركة العبور فيها وكذا من السياحة الداخلية لزيارة الأماكن السياحية في مديريتي المقاطرة والشمايتين".

فيما عبّر العديد من المواطنين وأصحاب وسائل النقل، في أحاديث متفرقة لـ«الأيام»، عن استيائهم من توقف عملية الصيانة في هذه الطريق التي تعد المنفذ الرئيسي والوحيد لأبناء تعز لما يزيد عن خمسة أعوام بسبب الحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي الانقلابية على المحافظة، مناشدين في السياق ذاته الجهات ذات العلاقة ورئاسة الوزراء بضرورة الإسراع باستئناف العمل والصيانة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى