قباني.. قصائد لا تستكين إلى المعتاد ومقاطع حذفت لاعتبارات رقابية (2-2)

> نادر رنتيسي

>  بدا الجهد الموسيقي جلياً في الأغنية التي سبقتها مقدمة موسيقية، على غرار الطرب الكلاسيكي، مدتها نحو ثلاث دقائق، ولم يُجر الساهر تعديلات تذكر على القصيدة سوى حذف بيت من منتصفها يقول: "اختاري قدراً بين اثنين وما أعنفها أقداري" فيما كان أشبه برقابة ذاتية.
نجاح الأغنية التي فازت باستفتاء مجلة الوسط اللندنية بلقب أغنية العرب الأولى للعام نفسه، دفع الساهر مقابلة قباني في لندن وسماع إطرائه، وثنائه على أدائه لـ "اختاري"، ويشجعه على طلب قصيدتين، ليتجلى دهاؤه باختيار "قصيدة الحزن" التي ستعرف لاحقاً باسم "في مدرسة الحب" وهو عنوان وضعه قباني نفسه ليبدو ملائماً للأزمة القصيدة "علمني حبك" بعد غنائها.

إلا أن القصيدة تعرّضت لحذف كثير من المقاطع التي بدت غير موسيقية، أو غير مناسبة للغناء، حيث بتر الثلث الأخير كاملاً من القصيدة والذي يحوي نحو عشرين سطراً، كما يتعرض متنها لحذف أسطر متناثرة على غرار متواليات "علمني حبك أن أتصرف كالصبيان.. أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان" لتسقط الإضافة التالية "وعلى أشرعة الصيادين، على الأجراس، وعلى الصلبان".

القصيدة الأخرى التي احتواها ألبوم "مدرسة الحب" كانت "زيديني عشقاً" التي تعثرت ولادتها مرّتين. خاض الساهر مفاوضات شاقة مع قباني لتعديل بعض المفردات أو الجمل، بداية حذف مقطعاً مؤثراً في بداية القصيدة "يا سفر الخنجر في خاصرتي ويا غرغرة السكين"، ثم لرقابته الذاتية، المسبقة، "جسمك خارطتي" بـ "حبك" ليكون التعديل الأبرز حين طلب من قباني تحوير مقطع "أنا أقدم عاصمة للحزن" إلى بغداد، بدلاً من بيروت، إلى جانب تعديل آخر لضرورة فنية استبدل خلالها "بقعة زيت" بـ "سرب حمام".

ولاحقاً بعد وفاة قباني بعشر سنوات، يلجأ الساهر الذي اشترى عدداً كبيراً من قصائد الشاعر الراحل، إلى استبدال (بيروت) بـ (بغداد) في قصيدة كاملة مغناة للعاصمة اللبنانية وهي "مع بيروتية". بعد أن كان لحنها بصورتها الأولى للمطرب جورج وسوف، إلا أنه يسترد "الهدية" ويغنيها.

"على ليلاه"!
الولادة الثانية تعثرت بعد سماع قباني لبروفة "زيديني عشقا" ولم يعجبه لحنها. كان يريدها طربية على نحو مماثل لـ "اختاري" و "مدرسة الحب" احتكم الطرفان على ابن قباني عمر، الشاب، الذي انحاز لرؤية الساهر الموسيقية في القصيدة التي اجترحت فيما بعد قالباً جديداً لغناء القصائد، يكسر هالتها الموسيقية، ويجعلها أكثر سلاسة وتداولاً بين الجمهور.
بدا أن قباني قد اقتنع، إلا أنه رغب أن يضيف "لمسة" جديدة لغناء لم يألفه، فكتب مقطعا صغيراً يفصل بين مقدمة الأغنية ومتنها وهو
"يا أحلى امرأة بين نساء الكون .. أحبيني، يا من أحببتك حتى احترق الحب.. أحبيني، إنْ كنت تريدين السكنى أسكنتك في ضوء عيوني".
ويذعن الساهر ويضطر لإعادة تسجيل الأغنية بعد بروفتها النهائية التي استغرق تسجيلها نحو ثلاثين ساعة عمل متواصلة!

وفي حوار متلفز عقب انتشار الأغنية، يبدو الساهر مزهواً بانتصار، مخبراً قباني كيف أن 15 ألف مستمع رددوا قبله في قرطاج "زيديني عشقا" قبل أن تتم الفرقة عزف مقدمتها الموسيقية.
يدخل الساهر اختباراً صعباً بتصديه لقصيدة "أشهد أن لا امرأة إلا أنت" التي تحمل عنوان ديوان لقباني، فالقصيدة طويلة وتتضمن العديد من الانزياحات اللغوية التي لا تستسيغها الذائقة التقليدية.. غناء.

تلك القصيدة لم يسمعها نزار مكتملة، فحين صدورها في ألبوم "أنا وليلى" كان قباني يدخل مراحل حرجة صحياً قبل وفاته في 30 نيسان العام 1998.
تبدو في المرحلة الثانية، من تعاون لحن الساهر وكلمة نزار، الأمور غامضة جهة قدرة الساهر على الحذف أو التعديل، ولن يظهر هذا في ألبومه الأكثر إتقاناً "حبيبتي والمطر" الذي غنى ولحن فيه خمس قصائد لقباني وفاء له بعد عام على رحيله.

ربما يكون الساهر، المعروف بحرصه على بقاء العمل لديه فترة من الوقت، يعدل ويضيف إليه، قد أنجز تلك القصائد، مغناة إبان حياة قباني، واستفاد من توجيهاته وتعديلاته، سيما في قصيدة "قولي أحبك" الذي حذف منها بيتاً رأى أنه قد يثير حفيظة المسيحيين، ثم يعدل بيتاً أساسياً من القصيدة في خامتها "لا تخجلي مني فهذه فرصتي لأكون بين العاشقين رسولا" حيث يكون في الأصل ما لا يقبل الغناء أبداً!

يواظب الساهر على حضور قصيدة قباني في كل ألبوماته، فضلاً عن تلحينه لقصائد أخرى لمغنين آخرين مثل ماجدة الرومي في "طوق الياسمين" ولطيفة في "تلومني الدنيا" وغادة رجب في "لماذا تخليت عني".
بيد أن الساهر يجد نفسه مجرداً من وصايا نزار قباني، وأذنه الموسيقية فيسود الارتباك في بعض أغنياته حد الخطأ الفاحش في النحو كما في قصيدة "وإني أحبك" التي ارتكب الساهر فيها ستة أخطاء نحوية رددها من ورائه الكورال، وطرحت في ألبوم "انتهى المشوار" العام 2006، ولم يستدركها إلا عندما صورها بنظام الفيديو كليب، وسجلها مرة أخرى!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى