عدن.. سقاها الله من فيض القمامة

> منصور الصبيحي

> من لا يعرف عدن وطيبة أهل عدن وما يتمتع به أبناء عدن من رقة القول ونعومة الرد، ولمن لم تسعفه الفرصة يوماً بمخالطة أهلها وناسها والسير في حاراتها وشوارعها مستمتعاً بنكتةِ أصحابها وكيف تصدر منهم على السليقة دون تكلّف، فليعلم أن ابن عدن يعيش وهو يحمل جنته بداخله، اختصه الله بها صابراً محتسباً وشغوفاً بالحياة، وعند أحلك الظروف يبتسم ويتبادل بطيبة الكلام اللين، وبأسلوب ساخر لما يصادفه من أمور ليدخل السرور والبهجة على من حوله.

كانت عدن ولازالت هي لم تختلف بجغرافيتها، فالمكان لم يتغير ولم يتبدل، ولكن هناك فرق بين عدن الأمس وعدن اليوم، فبالأمس كان الإنسان يختبئ بداخله إنسان بمعنى الإنسانية، واليوم صار الإنسان شبه إنسان بسلوك آخر غريب اكتساه واكتسبه ابن عدن ليضفي عليه كثيراً من نقاط الاستفهام والتساؤل في زمن المسخ والنسخ والقص والإلصاق، حتى غدا متكيفاً متأقلماً مع المشاكل والمعضلات وقابلا بها، فما نلمسه هو نموذج واحد منها فقط، انتشار القمامة وعدم الاكتراث لذلك من المجتمع والسلطة، وخير دليل للمعرفة الأكيدة والمؤكدة على تكيف وتأقلم عدن وأبنائها مع كثير من السلبيات التي كانوا يمقتونها ويرفضونها رفضاً قاطعاً في عنفوان زمانهم وما أدراك ما زمانهم. وأنت لك أن تتصور كيف لواحدة من تلك كمقياس للأخريات إن تحققت.

فلو كان هذا الزمن سابقاً بسنين من هذا اليوم، حين كان الإنسان العدني لا يساوم في مدينته أحدا، يعيش يحمل كبرياءها مباهياً بها لحسن وجذب مناظرها الخلابة وبهدوئها، وزيادة عليه اتزان مشاعر أهلها والكثير الكثير من الجماليات التي انعكست في استقامة وتطلع النفس العدنية وتطبعها بطابعها المكتسب وغير المكتسب يشع من جنباتها خلق وأدب. ينتقد، يقاوم، يصرخ، ويصيح في وجه كل قبيح، ودائماً يروج لذلك على المحيط من حوله، ليس لأنها سر سعادته ومن ثقافته المتأصلة فحسب، ولكنها أيضاً للمتأمل صناعة للروح الخفية والمشاعر المحمولة تحت جوانحه وفي وجدانه. إن طار يطير بها دون غرور ونشوز وتعالٍ، وإن حط يحط دون خنوع أو تضرّع لطرف إلا للواحد الأحد.

وليكن هذا الإنسان هو نفس ذلك الإنسان، يحمل جيناته الخاملة اليوم والمتوارثة لكنه يقدر الأشياء وتراكمات المراحل والمواقف قديمها وحديثها، يستوعب الظروف الطارئة وغير الطارئة، يفهم أسبابها. وأكيد أنه لم يستنفد مكنون طاقته المدخرة المختبئة بداخله.. يتبين ويتحين الفرص، يحدوه بها الأمل في إعادة الانتشار نحو الأرض كي يعيد رسم ملامح وجه جديد مشرق قادم للمدينة والأجيال، ينتشلها من قيض الحرائق وينتشل معها نفسه من فيض دموع القُمامة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى