فساد الشرعية مقابل الطائفية وصناعة المناطقية في اليمن

> د. باسم المذحجي

> بداية ينبغي التأكيد على أن المستقبل بأيدينا نحن اليمنيون، نؤثر فيه ونتأثر به، سواء أدركنا أم لم ندرك، ومن ثم فإن العناصر المشكلة للمستقبل اليمني هي أهم الظواهر التي نتفاعل معها، ويمكن إدراك النطاق المأزوم للدولة اليمنية في الشمال اليمني والجنوب العربي ليتضمن أبعادًا ثلاثة بثلاث حقائق رئيسية لاسيما مع تعاقب الأزمات، وبعد ارتباط وتداخل الأزمات الداخلية بالخارجية وبعد التطور التعقيدي للأزمات، بقول آخر، إن الحالة اليمنية انتقلت من كونها تعبيرًا عن دولة بها أزمات إلى حالة أن النظام الحاكم مأزوم بذاته والشرعية تحولت إلى محنة وأجهزة فاسدة بدون أي نظرية لدولة.

ثلاث حقائق رئيسية عن اليمن:
1 - المسألة الطائفية وصناعة المناطقية
إذا كانت الإستراتيجية الدولية من بوابة الأجندات الإقليمية قائمة، في توجهاتها الكبرى على (تقسيم اليمن إلى دويلات ثلاث أو أكثر)، وهي التي مهدت بالأمس لذلك من خلال غياب مناطق التنمية، وتمهد له اليوم عبر تجذير الطائفية والمناطقية والعنصرية لدرجة أنها تتخذ من الخاصية الطائفية الغاية والوسيلة وتدفع بجهة إنمائها وتطعيمها لتصبح، بمرور الزمن، أمراً مستساغاً مقبولاً ومبرراً فضل عن كل هذا وذاك. فهي تعلن الإستراتيجية إياها ذات الغاية تماماً كالمتشبعين بالطائفية والسلالية والمناطقية من أبناء اليمن؛ بل تدفع بقوة الأمر الواقع حالة طبيعية يقبل بها اليمنيون في ظل الكونفيدرالية بديلاً عن الفيدرالية التي تم إقرارها في مخرجات الحوار الوطني الشامل مع نهاية 2014 غالباً كما لو أنها المخرج من حالة الاحتقان الطائفي والمناطقي التي لزمت اليمن لعقود طويلة، أو هكذا يقال. ليس من الموضوعية في شيء أن ينكر المرء التركيبة الطائفية والمناطقية والمذهبية والقبلية التي (تميز المجتمع اليمني فهي لأزمة) تاريخية قائمة، لكنها كانت ولعهود طويلة مضت أيضا، مصدر تنوع وعنصر. تمازج وأداة تواصل بين أبناء اليمن.

"الحوثيون من القبيلة الطائفية إلى الدولة"
أ - هل تمتلك جماعة الحوثي فهم بأن شعار ها أصبح عدائي، وفي مواجهة فلسطينيو الداخل أي العرب الإسرائيليين، والتي حصدت القائمة المشتركة فيها على 12 مقعدًا، وأن 80 في المائة من المصوتين العرب منحوا أصواتهم لقضايا التي تشغل المصوتين العرب وهي، حسب ترتيب الأهمية: الجريمة والعنف؛ الأوضاع الاقتصادية؛ العلاقات العربية - اليهودية؛ تعديل أو إلغاء قانون القومية، والقضية الفلسطينية.

ب - هل تدرك جماعة الحوثي بأن حفل إيقاد شعلة الذكرى الخامسة لثورة 21 سبتمبر بميدان التحرير بالعاصمة صنعاء ما كان له أن يتم لولا تأمين كامل المباني بالقناصة من على سطح المنازل المجاورة؟ وتم مسح كامل الموقع بأجهزة كشف المتفجرات مع الكلاب البوليسية، ناهيك عن استخدام أجهزة اتصالات أمنية لاسلكية حديثة، وفوق هذا كله فقد تقاطرت القيادات الحوثية في فترات زمنية متباعدة، وانتشرت قوات الأمن في كل الشوارع، ومداخل الأحياء في العاصمة صنعاء، وهذا كله يعني بأنها فاقدة للأمن الاجتماعي، وهي أبرز سمات بناء وتطوير البلدان.

ج - هل تدرك جماعة الحوثي بأنها بتبنيها لهجوم أرامكو بالوكالة عن الهجوم القادم من الشمال الإيراني تضع كل الشمال اليمني في مواجهة حرب مدمرة، ناهيك عن أضرار مادية ومعنوية بالعمالة اليمنية المقيمة في المملكة عندما تروج بأنها متعاونة، وتتبعها داخل المملكة، بحيث تنقل الإحداثيات وتوثق الأحداث استخبارياً؟ وتكون نهاية الحديث بما هكذا تبنى الأوطان، ومحال لجماعة الحوثية بناء دولة يمنية حديثة، ديمقراطية مستقرة وموحدة ذات مؤسسات قوية تقوم على تحقيق العدالة والتنمية والعيش الكريم للمواطنين وتحمي الوطن واستقلاله وتنشد السلام والتعاون المتكافئ مع دول العالم.

2 - تداعيات الربيع العربي بُنى مدمرة واقتصاديات هشة
اليمن غارقة في المربع صفر مع بداية إشهار "الدين السياسي"، وتنامي للإعلام الذي لخّص فوضى الربيع العربي بالمقولة الشهيرة: "هل نجح بإراقة الدماء وتشريد الملايين"، بحيث مظاهرات الربيع العربي قد حركت هذه الحالة شهوات الثوريين الذين لا تقاليد لهم، والذين لا يفكرون في سوى الساعة الحاضرة، ولا يرون لهم مصادر عيش في غير نهب الثروات التي اكتسبها الآخرون بكد وعناء، أو العمالة للأجندات الإقليمية الدولية بهدف استمرار تدفق أموال الدعم، فسرعان ما يصبح التعصب للشر قويٍّا عندما لا يقاومه التعصب للخير، وعلى رغم ظواهر الأمور لا تكون منازعات المستقبل عبارة عن منازعات اقتصادية فقط، بل ستكون منازعات بنية المبادئ الأخلاقية، فالسنة في مواجهة الشيعة، واليمن الأعلى في مواجه اليمن الأسفل، والشمال اليمني في مواجهة الجنوب العربي، والرابحون خاسرون، والشعب ضحية.

3 - تكرار الظواهر التاريخية في النظام العالمي
ليست الحروب في اليمن ضريبة للحفاظ على النظام العالمي فقط؛ بل بسبب مركزية المنطقة العربية، فحروب الوكالة تحولت بالأصالة، وذلك يكشفه رصد النوايا للأطراف المتنازعة في اليمن.

من سيدير العالم؟ بهكذا مقولة تكون مفتاح الخطوات الإستراتيجية لمستقبل اليمن، لو عرفنا من سيدير العالم فهنا يتوجب علينا اتخاذ خطوات وإستراتيجية اليمن المستقبلية، وفك طلاسم النظام داخل اليمن والنظام الإقليمي المحيط باليمن والنظام العالمي المحيط باليمن والإقليم، وتكون المحصلة موقع اليمن من الواقع الأنسب، وبداية حلحلة مشاكل اليمن من منظور العبارة التالية "الأزمة في اليمن بعقل من تفكر لتحصل على سياسة صفر مشاكل في اليمن".

بعقل من لابد ونفكر نحن اليمنيون
التوافق الأساسي السلمي في هذه المرحلة التاريخية. الدولة دوماً تعرف بأنها أدوات عقلنة المجتمع، والطريقة التي يمكن بموجبها الخلاص من الهوية الخصوصية والانخراط في الهوية الوطنية؛ بحيث لا تتحول الأشكال القبلية، والمناطقية، والدينية إلى تعددية سياسية، وهذا ما نسميه بالتضليل الأيديولوجي، ومن هذا المنطلق لابد ونشق طريقنا نحن اليمنيون في خضم هذه الظروف الصعبة ونتوافق مبدئياً على جعل الشريط الساحلي مناطق تنمية واستثمار بعيداً عن الحروب والاقتتال ونشر الفوضى، وعلى سبيل المثال نتخذ من مناطق سواحل ذوباب والوازعية وريف الحجرية المجاور مناطق للعيش المشترك والإرادة المشتركة على حل الصراعات والنزاعات كخطوة أولية، وهذا ما سنسميه بـ "التوافق الأساسي السلمي في هذه المرحلة التاريخية"، لتكون حاملاً اجتماعياً لليمنيين بوصفهم مواطنين بصرف النظر عن هويتهم الخصوصية في الشمال اليمني والجنوب العربي، فاليمن مهددة بالتعطيل التنموي والاقتصادي والبشري والإستراتيجي لعقود طالما استمرت الحرب الأهلية خصوصًا واليمن تفتقر منذ عقود لدولة حديثة تحدث فيها تنمية واستقرار على الشريط الساحلي في سواحل ذوباب وخليج باب المندب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى