وادي شعب بالصبيحة.. عنوان للحرمان الرسمي والحياة البدائية

> تقرير/ حافظ الشجيفي

> تجاهل وتهميش رسميان يحرمان مناطق وادي شعب بمديرية طورالباحة في محافظة لحج، من كل المشاريع الخدمة الأساسية، وفي مقدمتها المياه والكهرباء، فيما أجبر النقص الكبير في المدارس الكثير من الطلاب لتلقي تعليمهم تحت الأشجار والخيام.
أوضاع سيئة مجتمعة اضطرت الكثير من الأهالي إلى الانتقال أو النزوح إلى المناطق أخرى أو إلى المدن للعيش والبحث عن العمل.
- مواطنون: نجلب المياه على ظهور الحمير من مسافة 3 كم
- مواطنون: نجلب المياه على ظهور الحمير من مسافة 3 كم

ويقع وادي شعب تحديداً في الجهة الشرقية شمال مركز مديرية طورالباحة (حاضرة منطقة الصبيحة) وضمن سلطتها الإدارية ونطاقها الجغرافي، يمتد من الشرق إلى الغرب بمسافة لا تقل عن 15 كيلومتراً، وبعرض لا يزيد عن كيلومتر واحد.
وتتوسط هذا الوادي سلسلتان جبليتيان تحاذيانه وتمتدان معه بالتوازي من جهتيه الشمالية والجنوبية، من أقصى حد يبدأ منه شرقاً، حيث تتصلان وتلتقيان عند نجدٍ صغير يربطهما مع بعضهما هناك يسمى (نجد شعب)، الذي يفصله عن النطاق الإداري والجغرافي لمديرية القبيطة التي تجاوره إلى أدنى حد ينتهي فيه أو إليه باتجاه الغرب، حيث يلتحم ويتقاطع مع وادي مُعادِن الذي ينحدر من جبال المفاليس والأحكوم والعذير شمالاً، ليحوّل مجراه جنوباً نحو مركز مديرية طورالباحة القريب منه قبل أن يصل إلى منطقة الرُّجاع.
- يتلقى الكثير من الطلاب فيها تعليمهم تحت الأشجار
- يتلقى الكثير من الطلاب فيها تعليمهم تحت الأشجار

وتنقسم منطقة شعب إلى ثلاث مناطق سكنية وزراعية؛ هي: منطقة شعب الأعلى، التي يبدأ منها الوادي، وتشتمل على قرى (القويضة، الصناع، وضوكة) إضافة إلى قرية "شاغث" التي سميت بهذا الاسم نسبة لولي من أولياء الله الصالحين سكنها أو عاش فيها قبل مئات السنين وأقام فيها مسجداً يحمل الاسم نفسه وبجواره عدد من المباني والمقاصير التعليمية والقبور والأضرحة الدينية التي ظلت حتى عهد قريب مزاراً دينياً سنوياً لكثير من الناس الذين كانوا يقصدونها من مختلف المناطق والمديريات القريبة والبعيدة، بما فيها الحوطة عاصمة محافظة لحج، وعدد من قرى ومديريات محافظة تعز غير البعيدة عنه، في مناسبة كانت تسمى"الجَمْع" وتستمر أكثر من ثلاثة أيام، تذبح خلالها الذبائح من الأبقار والمواشي الصغيرة، وتقام على غِرارها موالد الذكر والتهليل مصحوبة ببعض الطقوس الصوفية المعتادة، كما كانت سوقاً شعبية تعرض فيها مختلف البضائع القادمة من تلك المناطق.

وتربض قرى شعب الأعلى عند أقدام قمة جبلية شاهقة الارتفاع في رأس الوادي، وربما هي القمة العليا في المديرية والمديريات الأخرى بالمنطقة ككل وتسمى (الرَكِيزَة) ويوجد عليها سد زراعي أثري قديم ما زال حاضراً بكل معالمه التاريخية حتى الآن، إلا أنه لم يعد صالحاً للري.. وهو بحاجة إلى إعادة تأهيل.
ثم تأتي منطقة "شعب الأوسط" التي تشتمل على قرى: (القُبْع والقُرينة، والهويدة، وهيجة العشر، والطيق)، تليها المنطقة الثالثة وهي منطقة "شعب الأسفل" التي ينتهي بها الوادي في أدناه وتشتمل على قرى: (الكيمة، العطِر، والحنيشة) وبعض القرى الصغيرة المتفرقة في الوادي.
إصلاح بعض الأضرار التي تسببت بها السيول بالأراضي الزراعية
إصلاح بعض الأضرار التي تسببت بها السيول بالأراضي الزراعية

نزوح إجباري
وتُشكل هذه المناطق الثلاث بكل قراها المذكورة وغير المذكورة القوام الزراعي للوادي، ومجموع سكانها الذين لا يقل تعدادهم التقديري عن عشرة آلاف نسمة، لم يتبقَ منهم فيها سوى الثلث، بعد أن شد غالبيتهم، ممّن تيسرت لهم الظروف، الرحال وانتقلوا أو نزحوا مع عوائلهم للعيش والإقامة في المدن بعد أن تعذرت عليهم سبل العيش والحياة فيها وتوعرت أمامهم طرق وأسباب الرزق والخير على ذمة ما أبدته لهم الطبيعة من القسوة وما حل بهم من القحط والسنين مخلفين وراءهم قرى شبه خالية وبيوتاً كانت عامرة بأهلها ومواشيها، وأراضي ومدرجات زراعية أقفرت وطالها الخراب ولم يتمكنوا من مواجهة تكاليف حرثها وفلاحتها وإصلاح إضرار السيول التي ظلت تجتاحها في فترات متقطعة خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن غياب أي مشروع حيوي أو خدمي للدولة في أعقاب الوحدة مباشرة بين الدولتين (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية)، وحتى اليوم مع تعطل وتوقف المشروع الوحيد الذي شيدته الدولة قبل الوحدة لتزويد الأهالي بالمياه الصالحة للشرب بعد سنوات قليلة من الوحدة، بالإضافة إلى توقف مشروع الكهرباء الذي كان يُجرى العمل فيه حينما تحققت الوحدة أيضاً ولم يتم إنجازه حتى اللحظة.
جانب من الوادي
جانب من الوادي

فرق كبير بين الماضي والحاضر
يؤكد الأهالي والمزارعون في أحاديث لـ«الأيام» أنهم ما زالوا يتذكرون دور الدولة في الجنوب ويترحمون على الشهيد (علي عنتر) الذي كان يمدهم بالجرارات والحراثات حينما يتعرض الوادي للخراب، بالإضافة إلى الشبوك والمصدات المائية وأدوات الحماية اللازمة التي يحتاجون إليها في مثل هذه الظروف.
يقول المزارع منير أمين نعمان، وهو أحد أبناء الوادي: "انظر للوادي كيف أصبح قفراً على قفر وخراباً في خراب، وكيف أمست البيوت خاوية من سكانها، وما زلتُ أتذكر دور الدولة في الجنوب قبل الوحدة التي كانت تقدم لنا ما نحتاج إليه من وسائل وأدوات زراعية وجرارات لرفع أضرار السيول وإصلاح الأراضي المخربة مجاناً ودون مقابل، بل كانت لا تغادر المنطقة قبل أن يأذن لها آخر مواطن انتهت من إصلاح أرضه.. أما اليوم وبعد مرور أكثر من ثمانية وعشرين عاماً على هذه الوحدة فقد فقدنا كل شيء حتى الثيران (الضِمد) التي كنا نستعين بها على فلاحة وحراثة الأراضي، لم نعد نعثر عليها بعد أن كان لا يخلو منها بيت أو قرية، أما الآن فقد انقرضت من الوادي تماماً، بل لقد عزّ علينا الحصول على "روث المواشي" الذي كنا نستخدمه لتسميد الأرض وتوزيع الفائض منه على المناطق المجاورة، ولم نعد نرى مواشي في الوادي إلا بالكاد".
جانب من مشروع المياه المتعطل
جانب من مشروع المياه المتعطل

ويستطرد في حديثه لـ«الأيام» بالقول: "لقد كنا نمتلك مزرعة تكاد تكون الوحيدة هنا في هذا الوادي كله، منذ خمسين عاماً خلت حتى الآن، لم تتوقف خلالها عن العطاء الذي استمرت تقدمه لأهالي الوادي وتمونهم بما يحتاجون إليه من المحاصيل والثمار والخضروات والفواكه والأعلاف والحبوب الزراعية، وتزودهم بمياه الشرب قبل أن تنضب البئر الخاصة بها وعدم مقدرتنا على حفرها وتعميقها، مع تتعطل آلة ضخ المياه فيه، والتي حصلنا عليها من الدولة قبل خمسين عاماً مجاناً كتشجيع لنا على الزراعة، ولم نتمكن من شراء أخرى بديلة عنها حتى اليوم".

أما المواطن محمد حسن السّفِت فأضاف قائلاً: "لم يشهد وادينا مثل هذا الجفاف من قبل، ولم أرَ خلال سنوات حياتي، التي ناهزت الستين عاماً حتى الآن، الوادي على هذه الهيئة المخيفة من القحط والجفاف التي أجبرت الناس على ترك قراهم وبيوتهم التي عاشوا فيها أباً عن جد، وانتقلوا للعيش في المدن التي تتوفر فيها أسباب الرزق والخدمات الضرورية الحيوية للحياة، كمياه الشرب بدرجة رئيسية، بعد أن جفت الآبار هنا واختفت الينابيع والجداول المائية التي كانت تتدفق من الشعوب طوال العام، فضلاً عن توقف مشروع المياه الوحيد الذي شُيّد في المنطقة قبل الوحدة وظل يمد الناس بمياه الشرب لسنوات قبل أن يتوقف تماماً قبل خمسة أعوام".

وضع صعب
الشخصية الاجتماعية، حافظ ردمان علي (45 عاماً)، أحد أبناء قرية "القُبع" التي تبعد عن مركز مديرية طورالباحة 11 كم تقريباً، يعمل في الزراعة منذ نعومة أظافره، أضطر نتيجة للجفاف الذي ضرب المنطقة للعمل في مجالات أخرى طلباً للرزق، غير أنه فشل في ذلك لعدم امتلاكه أي خبرة غير فلاحة الأرض التي تربى عليها، ليقرر في الأخير العودة إلى القرية لمواجهة قسوة الطبيعة.
جلب المياه من مسافات بعيدة بواسطة الحمير
جلب المياه من مسافات بعيدة بواسطة الحمير

وفي تعليقه عن معاناته، قال: "أصبح الوضع سيئاً وصعباً جداً في الوادي، والحياة فيه لم تعد تطاق وتزداد سوءاً يوماً بعد آخر، وفضلاً عن افتقاره للمشاريع والخدمات الحيوية المهمة وغير المهمة، فقد أصابنا القحط وضربنا الجفاف، ونستبشر من الدولة والمنظمات الدولية كل الخير، ونعقد عليها آمالاً عريضة في أن تعيد للوادي الحيوية والحضور الزراعي والسكاني، من خلال إقامة السدود والحواجز المائية وتعميق آبار مياه الشرب القديمة وحفر أخرى جديدة، وإعادة تأهيل مشروع المياه الذي ظل قائماً لأكثر من 25 عاماً في المنطقة، قبل أن يتعطل منذ عدة سنوات".

ووجه حافظ علي مناشدة عبر «الأيام» للمنظمات العربية والدولية، وعلى رأسها الهلال الأحمر الإماراتي، بضرورة زيارة الوادي للاطلاع عن أحوال السكان فيه عن كثب، وما حل بهم جراء الجفاف والقحط اللذين أصابا المنطقة بالجدب في ظل غياب وإهمال كامل من قِبل الدولة وسلطاتها في المحافظة والمديرية.
حراثة الارض بالثيران
حراثة الارض بالثيران

حرمان متعمد
من جهته، قال رئيس جمعية وادي شعب الخيرية، محمد حميد سعيد: "بات هذا الوادي الذي أنجب خيرة رجال وقادة ومناضلي الجنوب، يفتقر لأبسط مقومات الحياة نتيجة للحرمان المتعمد الذي يُعاني منه منذ سنوات طويلة في كل المجالات، وعلى رأسها الخدمات الحيوية الضرورية كالمياه والصحة والكهرباء وغيرها، حتى مشروع المياه الوحيد الذي استبشر به أبناء الوادي، والذي شيد أثناء دولة الجنوب، لم يستمر إلا بضع سنوات في تقديم خدمة ضخ مياه الشرب للأهالي، لتأتي الوحدة المشؤومة لتضعه في قائمة المشاريع المنسية التي تم تدميرها من خلال السياسات الممنهجة التي اتبعها نظام صنعاء للقضاء عل كل المؤسسات والمصانع والمشاريع التي كانت قائمة في الجنوب".

وأوضح سعيد في حديثه لـ«الأيام» أن السكان المحليين يضطرون بسبب أزمة المياه الخانقة لقطع مسافات تزيد عن ثلاثة كيلو مترات لجلب المياه بواسطة الحمير أو نقلاً على ظهورهم، في الوقت الذي ما تزال فيه أصول مشروع المياه موجودة وبحاجة إلى صيانة فقط وتبديل بعض أنابيب الشبكة، مشيراً إلى أن "الأهالي لم يستطيعوا بسبب ظروفهم المادية من إعادة تأهيله رغم المحاولات التي بذلوها فيما مضى".

ولفت رئيس جمعية وادي شعب الخيرية إلى أن "هناك العديد من المناشدات توجه بها المواطنون إلى الحكومة والمنظمات الدولية ورجال الخير لدعم أبناء المنطقة بما يلزم لإعادة تأهيل المشروع، وليتمكنوا من إعادة ضخ المياه لكل قرى الوادي، ولكن دون جدوى"، موجّهاً مناشدة أخرى عبر «الأيام» لهذه الجهات المعنية بسرعة الاستجابة لمناشدات الأهالي.

التعليم تحت الأشجار
واقع التربية والتعليم في منطقة وادي شعب لم يتخلف عمّا هو سائد في المناطق الأخرى، حيث تشهد المدرستان الوحيدتان فيه اكتظاظاً كبيراً من التلاميذ، والذين يصل عددهم إلى 70 تلميذاً للفصل الواحد، فضلاً عن النقص في المستلزمات الأساسية في المدرستين، فيما لا يزال بعض الطلاب يتلقون تحصيلهم التعليمي تحت الأشجار، وملحقيات صغيرة يفترش تلامذتها الأرض وبدون كتب وسبورات، علاوةً على النقص الواضح في الكادر التدريسي لأغلب المناهج والمواد والفصول.
التعليم تحت الأشجار
التعليم تحت الأشجار
محمد الشعبي
محمد الشعبي
هاتان المدرستان الوحيدتان المتوفرتان في الوادي للتعليم الأساسي والثانوي، إحداهما للبنين، والأخرى للبنات، وقد أُقيمتا في مكان واحد بين منطقة شعب الأعلى وشعب الأوسط لتقريب المسافة أمام طلاب المنطقتين، ولعدم تمكن هاتين المدرستين من استيعاب العدد المتزايد سنوياً من الطلاب، وخصوصاً طلاب المرحلة الأساسية، حدا ببعض المدرسين قبل سبع سنوات لافتتاح ملحقية إضافية في منطقة شعب الأوسط التي يديرها نبيل صالح حسن الشعبي، الذي تولى المهمة منذ البداية لاحتواء الإقبال الطلابي الشديد على تلك المدرستين وتخفيف الضغط عليهما من خلال استقطاب العدد الفائض من طلاب المرحلة ألأساسية من الصف ألأول وحتى الصف السادس، مبتدئين التعليم في ذلك تحت الأشجار والطرابيل لمدة عامين قبل أن تثمر جهود مدير الملحقية بموافقة الجهات المعنية على بناء فصلين دراسيين بعد أن تبرع الأهالي بمساحة من أراضيهم لهذا الغرض، ونتيجة لجهوده المتواصلة تحصل على الموافقة بإضافة أربعة فصول أخرى في نفس المكان غير أن ذلك لم يكن كافياً لحل مشكلة الازدحام الطلابي بعد أن أُجبِرت الملحقية على قبول الطلاب من الصف الأول وحتى التاسع من التعليم الأساسي، وما زال نصف هؤلاء الطلاب يتلقون دروسهم تحت الأشجار والطرابيل التي تطوّع بها رجال الخير، كما أُقيمت ملحقية أُخرى من أربعة فصول في رأس الوادي عند قرية "القويضة" غير أن الأوضاع التعليمية فيها لا يقل سوءاً عن أوضاع الملحقية الأخرى.

يقول مدير ملحقية شعب الأوسط نبيل صالح: "إن عدد الفصول الجاهزة للدراسة في الملحقية خمسة فقط، وهناك فصلان آخران لم نتمكن من تجهيزهما في الوقت الذي تحتاج فيه الملحقية إلى أربعة فصول إضافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة للطلاب، كما تحتاج الملحقية إلى مستودع لحفظ المستلزمات والكتب المدرسية ومختبر علمي لتدريب الطلاب".

وطالب صالح كافة الجهات الحكومية والتربوية والمنظمات الدولية بضرورة التجاوب معه لتوفير الاحتياجات والمطالب الأساسية، مع ضرورة تكليف فرق لزيارة مدارس وادي شعب.
ويضيف خالد محمد الشوعة، وهو أحد أبناء الوادي ممن بذلوا جهوداً في متابعة بعض احتياجات الوادي من خلال موقعه كموظف في مجلس النواب: "جميع المشاريع معدومة تماماً في الوادي؛ بل ما زال المواطن يُعاني من نقص حاد للمشاريع الصحية والحيوية التي ترتبط بحياته، ومن خلال «الأيام» ندعو الحكومة وكل الجهات المعنية فيها للاهتمام بمطالب أبناء هذا الوادي الذي أنجب كوكبة عظيمة من خيرة الرجال والمناضلين والقادة الذين خدموا الوطن ولم يبخلوا عليه بشيء أمثال: الرئيس السابق قحطان الشعبي، ورئيس مجلس الوزراء في عهد قحطان المناضل الشهيد فيصل عبد اللطيف الشعبي، والشهيد عبده حسن غالب الشعبي، بالإضافة إلى د. ياسين سعيد نعمان.. وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم هنا".​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى