الأمير أحمد فضل القمندان.. العسكري والمؤرخ والشاعر والملحن والمزارع

> «الأيام» عن موقع «ويكيبيديا»

> أول من أدخل بعض المزروعات لشبه الجزيرة العربية
يُعد السلطان أحمد فضل العبدلي "القمندان" علماً من أعلام الجنوب خاصة والبلاد عامة، فضلاً عن شخصيته التي جمعت ما بين الرجل العسكري والأديب والشاعر والمؤرخ والملحن، والمزارع الشغوف جداً بالمجال الزراعي، بل أول من أدخل بعض المزروعات، ولأول مرة، إلى جنوب الجزيرة العربية، وربما لجزيرة العرب كلها، من خلال إحضاره للغرسات وبذور الفواكه التي لم تكن معروفة سوى في الهند ومصر وشرق أفريقيا.

في هذه المادة التي اُعتمِد فيها على موقع "ويكيبيديا" سنحاول الإشارة بشيء من الاختصار إلى بعض الميادين التي برز فيها "القمندان".
وينتسب القمندان 1881 - 1943م إلى أسرة "العبدلي" التي حكمت سلطنة لحج زمن الاحتلال البريطاني لمستعمرة عدن، وهو أيضاً مؤرخ وباني نهضة زراعية في لحج، وهناك من يطلق عليه صفة الفقيه. شارك في تأسيس نادي الأدب العربي في عدن في 1925م، وكان مضطلعاً بنشاطاته، وتولى رئاسته في فترة من الفترات.

أبزر شعراء العامية
أحد مؤلفاته
أحد مؤلفاته
يعد القمندان من أشهر شعراء العامية في اليمن أجمع، ولأشعاره شعبية هائلة في لحج والمناطق المحيطة بها. يُعد مؤسس الغناء اللحجي الحديث، أحد الأساليب والأنواع الغنائية الرئيسية في البلاد إلى جانب الغناء الصنعاني والحضرمي.

ومن أسباب شهرة الشاعر دخول "الفونوجراف" إلى عدن، والذي مهد له الطريق إلى قلوب العاشقين للموسيقى والأغاني، غير أنَّ فنّه لقي الكثير من المنافسة من الأغاني الهندية والمصرية التي انتشرت في تلك الفترة، ولم يكن هذا العائق الوحيد أمام انتشار أغانيه، فقد أصدر عدد من فقهاء عدن ولحج فتاوى يحرمون فيها الغناء والموسيقى ويذمون أصحابه، ومن هؤلاء من خصَّ أغاني القمندان بالتحريم، وإن لم يكن لتلك الفتاوى ضرر كبير على انتشار أغانيه.

ويُنظر حالياً إلى القمندان كجزء من النهضة الثقافية والأدبية التي شهدتها عدن مع بدايات القرن العشرين، وساهم فيها كثيراً، فقد أخذ على عاتقه بناء العديد من المدارس والمنتديات الأدبية، وكان صديقاً للأديب العدني محمد علي لقمان المحامي.
مؤلف آخر للقمندان
مؤلف آخر للقمندان
وأحياناً يوصف القمندان بأنه مغنٍ، إلا أن هذا الرأي غير منتشر ويلقى معارضة شديدة.

القمندان مؤلفاً
مؤلف هدية الزمن
مؤلف هدية الزمن
وللقمندان ديوان واحد فقط، وهو "المصدر المفيد في غناء لحج الجديد"، ويضمّ تقريباً جميع القصائد التي قام بتأليفها، حيث يحتوي على 90 قصيدة من أصل 95 منسوبة إليه.

ويشتهر القمندان كشاعر شعبي، إلّا أن لديه بعض من الأعمال والقطع النثرية، ولعلّ أهم ما كتبه في النثر هو كتابه الذي يؤرخ فيه لعدن ولحج تحت الاستعمار البريطاني "هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن"، وكتب في النثر أيضاً كُتَيّباً صغيراً أسماه "فصل الخطاب في إباحة العود والرباب"، وفيه يدافع عن الغناء بحجج وبراهين فقهية ويقتبس من فقهاء مشهورين دافعوا عن الموسيقى باعتبارها مباحة في الشرع الإسلامي، وإلى جانب هذا فله عدد من المقالات نشرت في مقدمة ديوانه المطبوع في 1938، ومقالات أخرى نشرها في صحيفة "فتاة الجزيرة" التي كانت تصدر في عدن.
القصر الذي ترعرع فيه القمندان
القصر الذي ترعرع فيه القمندان

انتشرت أغانيه التي قام بتأليفها، لا غنائها، انتشاراً واسعاً في لحج وعدن والمناطق المحيطة في فترة الثلاثينات والأربعينات. وأولى الأغاني التي سُجلت كانت "البدرية"، و "تاج شمسان"، و "همهم على الماطر حبيب نشوان" قامت بتسجيلها شركتا تسجيل ألمانيتان "أوديون" وشركة "بيدافون"، إضافة إلى شركة التسجيل "التاج العدني"، وقام بأداء الأغاني الفنانان من فرقة القمندان الموسيقية "فضل محمد جبيلي" و "مسعد بن أحمد حسين".

واليوم يعدّ الشاعر جزءاً من التراث اللحجي، ويعدّ رمزاً من الرموز الثقافية والفكرية لمحافظة لحج ومدينة الحوطة، ومن أبرز شعرائها وأعلامها.
جانب من دار العرائس
جانب من دار العرائس

قائداً للجيش
وبعد وفاة والد القمندان تولى الحكم ابن عمّه، أحمد بن فضل محسن العبدلي، الذي امتدت فترة حكمه ما بين (1898 - 1914م)، وكان ابن عم والد القمندان هو الذي كفله وتولى رعايته بعد أن توفّي والده، وفي فترة من الفترات زوّجه إحدى ابنتيه، وبعد أن توفّيت زوّجه الأخرى، وفي مذكراته يسمّيه القمندان عمّاً له، وعندما بلغ القمندان التاسعة عشرة نصبه عمه، السلطان أحمد فضل محسن، قائداً للجيش النظامي للسلطنة، ويقول عنه القمندان: «لقد كان عمي السلطان أحمد فضل عالماً متبحراً جياشاً، وهذا ما فكر فيه واختارني لهذا المنصب الكبير"، وأخوه هو السلطان عبد الكريم فضل بن علي محسن، الذي حكم من 1915 وحتى عام 1947. وفي عهده تولى القمندان قيادة الجيش للمرة الثانية، وكان للشاعر أخاً شقيقاً آخر وهو "محسن"، الذي اضطلع أيضاً في سلطة أخيه وتولى بعض المهام السياسية ومسؤولية الترقية.
جانب من دار العرائس
جانب من دار العرائس

التلحين والموسيقى
تدرب القمندان على الآلات الموسيقية وتلقى مبادئ وأصول الموسيقى على يد أربعة من المدرسين نزحوا من مدينة تعز واستقروا في الحوطة، وتعود أصولهم إلى الشام، وهم الأخوان عبد الحميد ورافع رضا رياض من مدينة حلب، وإلى جانبهما سعيد تقي الدين الأجاصي، وضدام الفياض.
ويقول القمندان إن لهؤلاء الفضل عليه في إرساء قواعد وأصول الموسيقى اللحجية على الطريقة الحديثة. وأجاد القمندان العزف على الساكسفون والبجل والفنيون والأينو، ورغم أنه وجد صعوبة في إتقان العزف على القانون إلا أنه تمكن منه بعد ذلك، وفي وقت لاحق أجاد العزف على آلة القنبوس.

ولم يدون القمندان ألحانه بالطريقة المعتادة باستخدام النوتات الموسيقية، ولكن كانت له طريقة أخرى في تدوين الألحان بأن يضعها في صيغ لفظية على كلمة "دان" من دندنة، مثل "دانة على الدانة يا دان يا دانة".

وفي فترة من شبابه، بدأت الآلات الوترية بالظهور في المنطقة، وبالتحديد العود الصنعاني، قبل أن يظهر العود المصري، فأقبل معظم الموسيقين في المنطقة على تعلم العزف على العود الصنعاني ومنهم القمندان، فاستطاع أن يعزف الألحان الصنعانية إضافة إلى المحلية والتراثية. وعندما حاول أن يصنع الألحان على تلك الأنماط مجموعة ظهر ما عُرف بالغناء اللحجي، واعتبر الشاعر القمندان مؤسسه الأول من قِبل الكثير من مؤرخيه، حيث تميزت ألحانه بأنها تجمع ما بين القديم والحديث. وعندما تولى قيادة الجيش، الذي قام بتكوينه، كان بحاجة إلى فرقة موسيقية، فنشط في جلب آلات نحاسية موسيقية ومعلمين موسيقيين ضمن محاولاته لإنشاء فرقة خاصة بالجيش، فكان له أن تشكّلت في صيف 1927، حيث بدأت الفرقة بالتدرّب على عزف مقطوعات إنجليزية، وعلى ألحان تلك المقطوعات قام بتأليف وتلحين قصيدته المشهورة "أي بلبل غنّ لي واشجني".

استمر القمندان في الإشراف على تلك الفرقة حتى بعد تخليه عن قيادة الجيش، وحاول في إحدى المرات أن يضم الفنان اللحجي "هادي سبيت النوبي" إلى فرقته ولكنه لم يقبل دعوة القمندان، واستمر في البحث عن مواهب ليضمها إليه إلى أن وقع اختياره على موهبتين شابتين استطاع الشاعر أن يضمهما إلى فرقته، أحدهما أصبح المغني الرئيسي وهو فضل محمد جبيلي، والآخر تولى العزف على العود والكمان وهو مسعد بن أحمد حسين.

قامت الفرقة بتسجيل النشيد الوطني للسلطنة العبدلية "نشيد محبة الوطن"، وكذلك السلام السلطاني "الدعاء السلطاني العبدلي"، وكلاهما من كلمات وألحان القمندان.

الإصلاح الزراعي
كانت عائلة القمندان تمتلك أراضي زراعية واسعة منها ما ملكته بالإرث وأخرى عن طريق شرائها من مالكيها، وباعتبارها الأسرة الحاكمة في السلطنة فقد كان لها نفوذ واسع لا ينازعه أحد من الأسر الأخرى استخدمته في الاستيلاء على أراضٍ زراعية بوسائل غير قانونية من ضمنها التهديد.
منذ صغره كان القمندان مولعاً بالزراعة وكل ما يتعلق بشؤون البستنة، وفي شبابه كان مسؤولاً عن بستان عائلته، ودائماً ما كان يقضي أوقاته بين الحقول والبساتين. واستطاع بعد ذلك أن يملك بستاناً خاصاً به يعرف ببستان "الحسيني" كثيراً ما كان يتغنى به في أشعاره.

وبعد أن ترك القمندان العسكرة وهجر الإمارة نشط في تطوير الزراعة في منطقة لحج والبحث عن السبل والوسائل التي تمكنّه من مضاعفة الإنتاج الزراعي، فكان يقرأ كل ما يقع بين يديه من كتب ومجلات ونشرات عربية أو إنجليزية متعلقة بالزراعة وخاصة ما يتعلّق منها بتحديد التربة الملائمة للزارعة وبمكافحة الآفات التي تُصيب المحاصيل الزراعية بالمبيدات السائلة تدريجياً وأحياناً نهائياً، وحاول كذلك أن يتعمق في القراءة حول تأثير الطقس والمناخ في نمو المزروعات.

وفي محاربة الآفات التي تصيب المحاصيل، خصص المزارع "القمندان" جزءاً من بستانه "الحسيني" من أجل التحقق من مفعولية المبيدات في القضاء على الآفات الزراعية، وذلك قبل نقلها إلى البساتين المجاورة وعرضها على المزارعين المحليين، وكان يدوّن في سجلّ خاص نتائج التجارب التي يختبر فيها المبيدات.

إدخال فواكه جديدة
ولم يقتصر عمله على هذا فحسب؛ بل قام كذلك بإدخال أنواع جديدة من الفواكه والخضروات ونباتات الزينة، استجلب معظمها من الهند ومصر إضافة إلى دول أخرى، حيث انطلق إلى الهند وزار أربع مناطق هناك: مدراس، كرجاتا، سمرا، ونيودلهي. ومن هناك جلب أغلب الفواكه التي أدخلها إلى بستانه الحسيني، وانتشرت منه الثمار والمحاصيل التي نجح في زراعتها إلى بقية بساتين الحوطة. وكانت المحاصيل الجديدة التي استجلبها متوفرة في أسواق الفواكه في كلٍ من: الحوطة، عدن، الشيخ عثمان، المعلا، والتواهي. وجميعها مناطق في محيط الشاعر، حيث لم تصل النهضة الزراعية التي ابتدأها إلى خارج تلك المناطق، على الأقل في فترة حياته.

ومن الفواكه الجديدة التي استوردها كان أبرزها: يوسف أفندي، قصب السكر، الموز السكري، العاط الهندي، العمبا الحافوص، الرمان، الفنص، الجامبو، البوبية، جوز الهند، والعنب الرازقي.
وكذلك فقد جلب عدداً من الأزهار العطرة؛ مثل: الياسمين، الفل، عباد الشمس، الكاذي، النرجس، والقرنفل.

وفي الحرب العالمية الثانية، توقف استيراد أوراق "التمبل" من الهند الذي كانت تستخدمه الجاليات الهندية في عدن، فقام القمندان بإضافة التمبل إلى قائمة مزروعاته لتلبية الطلب عليه في الأسواق.

ويعتقد البعض أن بفضل "القمندان" بلغت الزراعة أوج ازدهارها في الثلاثينيات وحتى منتصف الأربعينيات في منطقة لحج، التي أصبحت تعرف بلحج الخضيرة. وكذلك فقد كان الأمير أحمد فضل هو الذي جلب الفل على الأرجح من الهند إلى بستانه الحسيني في الحوطة، وجعلها أشهر مناطق زراعة الفل وتجارته في الجنوب، ومنها انتقلت وانتشرت إلى بقية مناطق البلاد.
قبر القمندان
قبر القمندان

تقويم زراعي
نجح القمندان في وضع تقويم زراعي يبين المواسم الصحيحة لزراعة كل محصول نباتي على حدة، ووضع فيه كذلك طرقاً مبتكرة في الري، حيث كان التقويم الذي وضعه بمثابة المرشد للمزارعين المحليين في منطقته في تلك الفترة. ونسخت المعلومات والإرشادات التي وضعها القمندان في أوراق دوّن عليها التقويم كتابة باليد ولم يطبع أبداً، وبسبب ذلك فقد ضاع ما كتبه إلى الأبد، والمخطوطة الرئيسية التي كانت توجد في منزله فُقدت أيضاً عندما نُقلت ممتلكاته من منزله إلى قصر عائلته بعد وفاته أو ربما في سنوات مرضه الأخيرة.

بستان الحسيني
أنشأ أحمد فضل القمندان بستانه الحسيني في عام 1914م قبل انطلاق الحرب العالمية الأولى، ويرجح البعض أن والده السلطان هو الذي أنشأه. وهو يبعد عن مدينة الحوطة مسافة ما بين أربعة إلى ستة كيلومترات، ويحده من الجنوب قرية الكدام، ومن الشمال قرية الخداد، ويقع في منطقة خصبة بين واديين، وتبلغ مساحته 300 فدان، بينما تذكر مصادر أخرى أن مساحته لا تتجاوز 75 فداناً، ويصل عدد عماله إلى 120 عاملاً. وبعد وفاة القمندان الذي كان يشرف على البستان ورثه ابن شقيقه "فضل بن عبد الكريم"، واستمر ضمن ملكية هذه العائلة حتى بداية عام 1968 عندما قامت حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بنظامها الشمولي بتأميم البستان وذلك حتى عام 1990م حيث عاد إلى ملكية أبناء القمندان.
بستان الحسيني
بستان الحسيني

زار بستان الحسيني عدد من الشخصيات العربية البارزة منهم الأديب اللبناني أمين الريحاني، ومحمد الغنيمي التفتازاني من مصر، إضافة إلى الأديب التونسي عبد العزيز الثعالبي، وصالح جلبيت، وعلي رضا، وزارته كذلك بعثة من مجلة العربي الكويتية في نوفمبر من العام 1965 في استطلاعها حول لحج في العدد رقم 48 من المجلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى