اصبر قليلا عزيزي المعلم.. فالفرج قادم

> جمال مسعود علي

> حياة مريرة مليئة بالمعاناة والحرمان والأسى عاشها المعلم في فترة ضياع الحقوق والتفريط بالواجب وإهمال وتقاعس ولي الأمر في التربية والتعليم من الوزراء والوكلاء والمدراء لرعاياهم والعاملين تحت إدارتهم، وتخاذل المعنيين بالأمر في الحكومة عن أداء واجباتهم، وتغاضي الخبراء وراسمو السياسات العامة للدولة عن ترتيب الأولويات في خططهم وبرامجهم التطويرية.. باتجاهات بعيدة انحرفت فيها خارج حدود العقل والمنطق، ووقع المعلمون والتربويون ضحية لتلك السياسات، وانكسرت الإرادة القوية لديهم وانطلقت تبحث عن سبل العيش حاسرة الرأس بلا عباءة ولا هيبة للمعلم ولا للتعليم.

في فترة سابقة ونظام إداري ومالي متوازن شهدته دولة الجنوب قبل الوحدة، كرست الدولة اهتمامها في الرعاية الاجتماعية وتوفير احتياجات الشعب وتلبية مطالبه وتسخير كل مقدرات الدولة البسيطة والمتواضعة في راحة ورفاهية الشعب.

لا تنسى عزيزي المعلم كيف حصلت على الوظيفة والخيارات المتاحة أمامك والحافز التشجيعي المغري كي تخدم في الريف والمناطق النائية، وتوفير السكن والعلاج المجاني والأولوية لأبناء المعلمين في المنح الخارجية والدراسات العليا، وكيف يتعامل معك المجتمع بوقار واحترام.. خدمات دائمة غير منقطعة والتزام تام من قبل دولة الجنوب للمواطن في رعاية مصالحه وتوفير احتياجاته من ساعة ولادته ودور الخدمة الاجتماعية من قبل الدولة يسير متوازياً مع حياة المولود، يبدأ من تدوينه بسجل المواليد وتتكفل الدولة بنفقة الولادة والرضاعة والرعاية الصحية حتى التحاق الطفل بالروضة والمدرسة وعين الدولة ورعايتها تلاحق حياة الطفل الصحية والنفسية والجسدية لينتقل باختياره إلى التعليم الثانوي أو يلتحق بالمعاهد الفنية والتقنية ليحصل على مهنة ووظيفة يعتمد بها على نفسه في تكوين أسرة جديدة أو يلتحق بالجامعة بعد إنهاء الثانوية العامة والخيارات متاحة أمامه، إما الجامعة المحلية أو المنحة الخارجية، أو التعليم العسكري في المعاهد والكليات والأكاديميات العسكرية والأمنية في الداخل والخارج.

عزيزي المعلم الكريم.. نعلم أننا فقدنا كل ذلك في حين غفلة من أمرنا، وذهبت أحلامنا أدراج الرياح، وغرقنا في وحل الأزمات والحرمان والخوف، فلم نعد مطمئنين على مستقبل أولادنا ورعايتهم الصحية، ولم نعد نستطيع مجاراة احتياجاتهم المعيشية والدراسية والترفيهية، لقد أرهقتنا حياة الإهمال والتسويف والعجز والفشل الحكومي، وكل يوم تتأخر فيه الحكومات عن النظر إلى مطالبنا تزداد تكاليف المعيشة وتزداد معها معاناتنا وحرقتنا على أولادنا وهم يترقبون منا ساعة الأمل بتحسين وضعهم المعيشي وتوفير احتياجاتهم دون فائدة.

لا أمل لنا عزيزي المعلم الكريم إلا أن نصبر قليلاً، فلعل الزمن يعود بنا إلى الوراء ونعود كما كنا في دولتنا، دولة الرعاية الاجتماعية وتلمّس احتياجات الشعب في الجنوب، فخيراتنا الوفيرة وثرواتنا الغزيرة لعلها تعود إلينا بعد أن نهبها الناهبون وتقاسمها الأفاكون الكاذبون، لعلها تعود إلى الشعب الذي حرم منها وعاش فقيراً وهو يملك كل تلك الخيرات والثروات، فلنحسن الظن بأبنائنا الذين بذلوا أرواحهم رخيصة وقدموا التضحيات الجسيمة لاستعادة الحق المنهوب والمال المغصوب.

صبراً عزيزي المعلم، فمن بذل روحه في سبيل استعادة دولته لا يبيعها ويخذل شعبه الذي ضحى معه بالدم والمال والولد. إن دولتنا ستعود عزيزي المعلم فلنصبر قليلاً والفرج قادم بمشيئة الله والعدالة لابد أن تتحقق لا محالة، وحياة الشقاء والتعاسة ستزول، والإهمال والتسويف والعجز الحكومي والتفريط بحقوق المعلمين سيغادر الساحة وسيستبدل بالتعجيل والمسارعة في منح الحقوق لأصحابها في موعدها وإكرام كل كريم، فالمال مال الشعب، والخيرات خيراته والثروات هي حقه ومكتسباته. حتما سننعم عزيزي المعلم بخيرات بلادنا ونعيش بكرامة كما كانت دولتنا في السابق، دولة النظام والقانون ومنح الحقوق لأصحابها، في وقت استحقاقها بلا مماطلة ولا تسويف ولا فساد.. معاملة إدارية ومالية آلية وسريعة.. فقط علينا أن نصبر قليلاً ونراقب بحب وإخلاص وتفانٍ للوطن الجنوبي، ونسد الثغرات التي يتسلل منها التخريب والتدمير والتثبيط ممّن يريد استمرار الحروب والمعاناة حماية للفساد والنهب على حساب مصالح الشعب، ولنكن جميعاً مفاتيح للخير نزرع الابتسامة ونعيش لحظة الوفاء للتضحيات الجسام التي قدمها أبناؤنا فلذات أكبادنا، فحقنا كمعلمين يعيه شعبنا الجنوبي العظيم، فهو الكريم الذي يكرم العلم والتعليم ويحترم المعلم ويبجله ويوقره ولا يبخسه قدره وحقه ومكانته كما فعلت دولة التسويف والإهمال والعجز ونهب الحقوق التي حولت المعلم إلى ركام من الأزمات والهموم، وعطلت قدراته الإبداعية وعطاؤه التعليمي وفتحت المجال أمام الاستثمار غير الحقيقي للتعليم والمشوّه للعملية التعليمية، والذي حول التعليم والمعلم إلى سلعة تباع وتشترى بالعروض التجارية

لن تعود عزيزي المعلم حياة التعاسة والشقاء مجدداً، فإن بعد الضيق يأتي الفرج وإن مع العسر يسراً.. إن مع العسر يسرا.
وهاقد زالت دولة الظلم والطغيان والاستبداد ونهب الحقوق وعادت من جديد دفة القيادة إلى أبنائنا، أبناء الجنوب فلذات أكبادنا، فلن يخذلونا ونحن قد أحسنّا تربيتهم وغرسنا فيهم القيم النبيلة وعلمناهم حب الأوطان والدفاع عنها وحماية مصالحها ومقدراتها من النهب والسلب، فقد كفى ما مضى.

فصبراً عزيزي المعلم، "فمن جد وجد ومن زرع حصد"، وما أثمر الصبر غير نضج المحصول وقطف الثمار.
وآن لنا أن نستريح بعد أن نحصل على حقوقنا كاملة مستوفاة بالشكر والتقدير لنا من أبنائنا وبناتنا ثمرة تعليمنا وتربيتنا وتضحياتنا، فهم يعلمون قدرنا ومكانتنا فقد حفظوا منا قول شوقي:

قم للمعلم وفّهِ التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى