جسر عقان حلم طال انتظاره ولم يدم طويلا

> جسر عقان، الواقع بالقرب من ملتقى وديان عديدة، أبرزها وادي تبن، المتسلسل والمتدفق من عمق محافظة إب، ووادي ورزان المتدفق من عمق محافظة تعز. يعتبر هذا الجسر ذا مكانة عالية، لدى سكان المناطق المجاورة، وخصوصاً التي تقع في الجهة الجنوبية، والغربية، منه وللمسافرين، على الخط العام الرابط بين عدن وتعز.

ولما يتمتع به هذا الجسر، من أهمية، ولما يمثله من بُعد إستراتيجي وحيوي للسكان وللمسافرين، وللتنمية، على حد سواء. لذلك شرع في بنائه على أنقاض مشروع فاشل قام به الاحتلال البريطاني، وذلك في العقد الخمسيني من القرن الماضي، من عمر الاحتلال نفسه إلا أنه لم يرَ النور إلى حيث لم يستطع الصمود كثيراً، في وجه السيول العاتية والشلالات المتدفقة، من الشعاب والوديان القريبة والبعيدة.

وهكذا ومن بعد الاستقلال والاستقرار الذي شهدته البلاد، أسندت مهمة التصميم والتنفيذ من قِبل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ممثلة بوزارة الإنشاءات والأشغال العامة آنذاك، لشركات عالمية محترفة في هذا المجال، بغية تلافي الأخطاء السابقة؛ لإخراج العمل إلى حيز الوجود، وكان ذلك تحديداً في أوائل عام 1980م وبإشراف مباشر من الرئيس الأسبق علي ناصر محمد.

وبالتالي تكلل ذلك الجهد بالنجاح الباهر، بعد عمل دؤوب ومتواصل ليل نهار في مسابقة مع الزمن، تحاشياً للأمطار القوية والغزيرة والتي ستنبعث وتتدفق على إثرها السيول الجارفة من هي بالتأكيد ستعمل على التأخير من إتمام المهمة، ليتم افتتاحه في أواخر عام 1982م من قِبل الرئيس علي ناصر محمد نفسه، وبمعية عدد من الوزراء، وممثلي السلك الدبلوماسي المعتمدين، وحشود غفيرة من الجماهير الذين قدموا، من مختلف المحافات الجنوبية، لحضور حفل الافتتاح، وجرى هذا وسط تغطية إعلامية واسعة.

من يومها عمّ الفرح الجميع وتنفس السكان والمسافرون الصعداء وهم يشاهدون ذلك الطود العالي والشامخ يفترش ويعانق السماء وبارتفاع ما يزيد عن السبعين متراً، وبطول ما يقارب المائة وخمسين متراً أيضا لما يسمح عبور الناقلات المحملة بمختلف البضائع ذهاباً وإياباً، وبتصميم عالي الجودة، وعلى أحدث المواصفات العالمية، بما يمنحه القدرة على التكيف مع الأحمال الزائدة عن حدود الممكن، وكذا الوقوف في وجه الزلازل والمتغيرات المناخية من أعاصير وفيضانات وغيرها.

ووفقاً لهذا، فقد انزاح حمل ثقيل عن كاهل المواطن البسيط، حمل ظل طويلاً يراود كل من ينوي السفر، ومن له مصلحة في ذلك، وكان حتماً عليه أن يسلك درب هؤلاء الوديان العميقة، وخصوصاً أيام مواسم الأمطار، بل ولزوماً أن يبادر بالسؤال قبل كل شيء للقادمين، متحرياً عن كمية الماء المتدفق في تلك الوديان، وكما عليه أيضاً أن يتوقع مسافة زمنية لانحسارها، وذلك قبل أن يشد الرحال.

وكاستشهاد على هذا؛ توجد حكايات جمة دونها كثير من الرواة غالبهم من السياسيين المسافرين عن هذا الخط وعن هذا المكان بالذات، وقد نقلت من مذكرات أولئك تحكي عن مبيتهم بجانب الوادي في العراء من ليلة كاملة، وأيضا عن الشروط الاستغلال التي كانوا يتعرضون لها من قِبل مجموعة أشخاص مدربين باحترافية تامة على عبور الشلالات القوية.. يتعمدون رجال الأعمال والسياسيين لمساعدتهم على العبور بحملهم على الأكتاف ومن ثم المجازفة بهم وسط الماء، وما أن يبلغ أولئك مكان ألا عودة ليبدؤوا بفرض شروطهم الجائرة. ولهذا كان عليهم، إما البقاء محتملين ذلك العناء أو العودة من حيث أتوا.

من هنا، تكمن الأهمية الكبيرة لجسر عقان الذي تعرض للإخلال من جديد على خلفية الاشتباكات في صيف 2015م بين قوات الحوثي والمقاومة الجنوبية المسنودة بطيران التحالف العربي ليلقى مصرعه، وهو الذي لطالما شهد عصر تحول في واقع الإنسان على الوطن، وكان شاهداً على زمن عم فيه الخير والرخاء والسلام بين الجميع بحكمة أولئك القادة العظام، والذين أرادوا لذلك المنجز أن يستقيم ويرى النور، ومن أجل أن يعتق نفوساً كثيرة لما له من من مآسٍ بحكايات تقشعر لها الأبدان، وتدمع لها المقل، لمسافرين من رجال وأطفال ونساء وشيوخ، تواعدوا مع القدر في نفس الزمان والمكان ليقضوا نهايتهم المؤلمة، برفقة أصدقائهم، أو بمفردهم، أو إلى جانب ذويهم في رحلة من رحلات العذاب، لهم ولكل من له ارتباط بجسر عقان، والذي ما انفك الجميع عن مصائبه، حتى عادوا لنفس المصائب من جديد، محملين بنفس الهموم والمشاكل من عصر ولى ذاهباً لعصر تجلى قادماً، وإن اختلف الميعاد والزمان يبقى المكان واحد، والمآسي هي نفس المآسي، والدرب هو نفس الدرب، والضحايا هم من نفس الضحايا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى