اتفاق الرياض.. ترتيبات جديدة وتحديات قائمة

> محمود قاسم

> دخلت الأزمة اليمنية مرحلة جديدة في أعقاب نجاح السعودية في التوفيق بين الحكومة الشرعية برئاسة "عبدربه منصور هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة "عيدروس الزبيدي" بعد عدد من المشاورات واللقاءات التي انطلقت في جدة منذ (أغسطس 2019)، وقد أسفرت عن توقيع اتفاق الرياض الذي حمل عدداً من الترتيبات والتفاهمات لما يمكن أن يكون عليه مستقبل الجنوب اليمني بشكل خاص والأزمة اليمنية بصورة عامة.

واتصالا بما سبق يمكننا الوقوف على تفاعلات ما قبل التوصل للاتفاق، مروراً بالترتيبات التي فرضها هذا التوافق بين الطرفين، وكذا الدلالات المتعلقة بالتوصل للصيغة النهائية للاتفاق، مع الإشارة إلى التحديات المحتملة التي تواجه الاتفاق وذلك على النحو التالي:

إرهاصات ما قبل التوقيع
شهد الجنوب اليمني نفوذا متزايداً في الفترات الأخيرة من قِبل عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي والذي تأسس عام 2017، وذلك عبر مكوناته العسكرية، ويأتي في مقدمتها عناصر الحزام الأمني وملحقاته التي تُعتبر الكيان العسكري الأقوى في الجنوب، والتي يتكون من نحو 100 ألف مقاتل، وقد بدا واضحاً دور هذه العناصر في تطهير عدد من محافظات ومدن الجنوب سواء في عدن أو لحج أو أبين سواء من عناصر داعش أو القاعدة أو مقاومة ميليشيا الحوثي.

وقد تُرجم تنامي القوى العسكرية والسيطرة الميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي عبر عدد من التحركات والتي ساهمت في سيطرته على عدد من المؤسسات والمناطق التي كانت تخضع للحكومة الشرعية وذلك في يناير 2018، قبل أن تتمكن الحكومة الشرعية بمساعدة قوات التحالف العربي من استعادة زمام الأمور مرة أخرى، وقد تكررت محاولة مماثلة في أغسطس 2019 بعد صراع بين قوات الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي أفضت إلى سيطرة الانتقالي على قصر معاشيق الرئاسي وعدد من المواقع العسكرية والمرافق الحيوية في محافظة عدن بعد صدامات دامية استمرت لمدة أربعة أيام وأسفرت عن سقوط نحو 40 قتيلا و260 جريحاً.

كما شهدت الساحة الجنوبية في الآونة التي سبقت الاتفاق عدداً من التفاعلات كان في مقدمتها الحديث عن إعادة انتشار القوات الإماراتية في الجنوب، فضلا عن محاولة الحوثيين وكذلك داعش في العودة مرة أخرى للساحة الجنوبية، وذلك عبر قيام كل منهم بتبني عملية إرهابية كانت موجهة آنذاك لعدد من المواقع العسكرية والأمنية، حيث تبنت داعش مسؤوليته عن هجوم استهدف مركز شرطة الشيخ عثمان في محافظة عدن، وقد تزامن هذا الهجوم مع هجوم جماعة الحوثي على معسكر الجلاء (2 أغسطس 2019).

ترتيبات جديدة
فرض اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية السعودية والذي تم توقيعه في (5 نوفمبر 2019) في حضور الأمير "محمد بن سلمان"، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، جملة من الترتيبات والضوابط الحاكمة على مختلف المستويات السياسية، الاقتصادية، العسكرية والأمنية وهو ما يمكن الوقوف عليه فيما يلي:

شراكة سياسية: ضمن اتفاق الرياض ترسيخ مبدأ الشراكة في الحكم بين الشمال والجنوب حيث يتبنى الاتفاق فلسفة قائمة على المناصفة وتقاسم السلطة بين الشمال والجنوب في المناصب الحكومية والوزارات والهيئات، إذ نص الاتفاق على تشكيل حكومة لا تتجاوز 24 وزيرا على أن يمُنح الجنوبيين نحو 50 % من الحقائب الحكومية في مدة لا تتجاوز 30 يوماً من توقيع الاتفاق، كما سيصبح للمجلس الانتقالي دور في ترشيح قيادات السلطات المحلية والأمن بمحافظات الجنوب، ومن أجل ضمان تطبيق الاتفاق تم الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين يشرف عليها التحالف العربي بحيث يصبح الضامن والخط الفاصل بين الطرفين حال تعثر المفاوضات بما يضمن الالتزام بالجدول الزمني وكذا البنود التي تم التوافق عليها.

ترتيبات اقتصادية: فرض الاتفاق عدداً من الترتيبات الاقتصادية من شأنه تفعيل دور المؤسسات المنوط بها إدارة الملف الاقتصادي حيث نص على إيداع جميع الإيرادات الحكومية وعائدات القطاعات النفطية والجمركية والضرائب في بنك عدن المركزي، والعمل على صرف الرواتب والمستحقات المالية لكافة الوحدات العسكرية والمدنية، على أن يتم تفعيل وإدارة الميزانية عبر تقديم المشورة من خلال المختصين الإقليمين والدوليين في هذا الشأن.

ضوابط أمنية وعسكرية: نص الاتفاق على صيغة من شأنها العمل على إعادة انتشار القوات العسكرية والأمنية في منطقة الجنوب، بحيث تصبح احتكار القوة في يد الدولة، وذلك من خلال نقل جميع الأسلحة المتوسط والثقيلة من جميع القوات العسكرية والأمنية إلى معسكرات خارج عدن، بحيث تصبح عدن خالية من أية مظاهر تسليحية، وأن أي استخدام لهذه الأدوات يجب أن يتم تحت إشراف قوات التحالف العربي، فضلا عن توحيد جميع القوات تحت قيادة وزارة الدفاع خلال شهرين من توقيع الاتفاق، الأمر الذي من شأنه أن يمنع أية تصادمات أو احتكاكات مستقبلية بين الطرفين، إذ ستقوم قوات التحالف العربي بدور شرطي المرور الذي سيحول دون وقوع تلك الصدامات.

مكاسب ودلالات
لا شك أن بتوقيع اتفاق الرياض حصدت كافة الأطراف عدداً من المكاسب التي كانت تتطلع إليها، وأن كافة هذه المكاسب تصب في نهاية المطاف في صالح الدولة اليمنية التي لا تزال تعاني من ويلات الصراع، حيث نجحت السعودية بتتويج جهودها التي انطلقت في اليمن بداية من عاصفة الحزم (مارس 2015)، كما تمكنت السعودية عبر وساطتها بين الطرفين من التأكيد على دورها الفاعل وجهودها في حلحلة الأزمة اليمنية وتجنب النزاعات التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الفوضى، من ناحية أخرى تمكنت الحكومة الشرعية عبر الاتفاق من تعزيز سلطتها ونفوذها في الجنوب اليمني واستعادة السيطرة على المؤسسات الحكومية هناك ومن ثم العودة لممارسة نشاطها من جديد، في المقابل نجح المجلس الانتقالي الجنوبي من حصد مزيد من الشرعية السياسية بعدما كان يُنظر إليه على أنه فصيل انقلابي، كما تمكن من أن يحجز لنفسه مقعداً في التسويات المستقبلية المتعلقة بالأزمة اليمنية عبر القنوات الدبلوماسية باعتباره ممثلاً لقضايا الجنوب.

ومع هذه المكاسب العديدة تبقى هناك عدد من الدلالات الهامة التي يحملها هذا الاتفاق والتي يمكن الوقوف عليها فيما يلي:

تعزيز الثقة المُتبادلة، يشير اتفاق الرياض بصيغته المُعلنة على نجاح كافة الأطراف في الوصول إلى مرحلة من الثقة المتبادلة، بعدما كان المشهد المُسيطر والحاكم لطبيعة العلاقة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية في اليمن قائماً على التناحر والصدام والذي بلغ ذروته في أغسطس 2019، حيث جاءت مخرجات الاتفاق لتؤكد ثقة الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في الوساطة السعودية وإمكانية لعبها لدور الطرف الضامن لنجاح الاتفاق، وكذا الثقة في أن تجميد أو إنهاء الصراع يعتبر السبيل الوحيد لمعالجة المشهد السياسي المتأزم في اليمن بشكل عام.

بناء قوة صلبة: يعتبر الاتفاق بمثابة مقدمة لتأسيس قاعدة صلبة من التوافق يمكن أن يتم توجيهها لمقاومة مشروع الحوثي، حيث يستهدف الاتفاق العمل على تصفية وتصفير المشاكل في الجنوب من أجل توحيد الجهود نحو مزيد من التماسك بهدف تطويق نفوذ الفواعل من غير الدول (الحوثيين، داعش، القاعدة)، وقد يكون هذا الأمر ممكناً خاصة وأن الاتفاق أوقف حالة من الصراع كان من الممكن أن تتسبب في تجزئة الدولة اليمنية؛ بل واندلاع حرب أهلية بين الجنوبيين والشماليين.

متانة العلاقات السعودية الإماراتية: يعتبر الاتفاق في شكله النهائي وما تم التوصل إليه تعبيراً عن حدود وطبيعة التنسيق الفاعل والمؤثر بين الدولتين، خاصة مع تزايد النفوذ الإماراتي في الجنوب وقدرته على التحكم في مجريات الأمور، وعليه جاءت جهود الدولتين والتي بدأت من خلال تشكيل لجنة مشتركة بدأت أعمالها في (26 أغسطس 2019) بغرض تثبيت وقف إطلاق النار في عدد من محافظات الجنوب، مروراً برعاية المفاوضات بين الطرفين وصولاً للاتفاق بشكل النهائي، الأمر الذي يدل على حجم التوافق بين الجانبين بعدما أُثير مؤخراً حديث عن الخلاف بينهما بشأن الملف اليمني خاصة بعدما أعلنت الإمارات عن رغبتها في إعادة انتشار قواتها هناك الأمر الذي سوق له البعض على أن الإمارات تسعى للخروج من التحالف العربي في اليمن، وعليه جاء الاتفاق والتوافق السعودي الإماراتي لينهي هذه الادعاءات.

إنهاء الدعوات الانفصالية: يُنظر لاتفاق الرياض على أنه خطوة جادة نحو إدماج قوى الجنوب ممثلة في المجلس الانتقالي في السلطة وإدارة الجنوب، وهو ما يضفي عليهم مزيداً من الشرعية السياسية والقبول المجتمعي، وعليه فمن الممكن أن تساهم هذه التطورات في إنهاء الطريق أمام الدعوات الانفصالية، خاصة وأن الاتفاق لم يجعل المجلس الانتقالي شريكاً في السلطة فحسب؛ بل جعله مكوناً أساسياً في أية تسوية سياسية مُحتملة، الأمر الذي يضمن له إيصال مطالبه والتعبير عن احتياجاته عبر النوافذ الدبلوماسية والمشروعة وتحت رعاية إقليمية ودولية بما يضمن مزيداً من التعبير الفاعل والمؤثر عن قضاياهم.

"المركز المصري للدراسات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى