سوق القطن.. قبلة النحالين من معظم المحافظات ومنطقة شرورة بالسعودية

> تقرير/ خالد بلحاج

> ينفرد العسل اليمني بمواصفات نوعية تميزه عن العسل الخارجي نتيجة تكفل النحل ببناء وصنع خلايا العسل السداسية الشمعية بنفسها دون تدخل الإنسان كما هو الحال في بعض الدول، وتعد جميع أنواع العسل اليمني ذات جودة وقيمة غذائية وعلاجية جيدة ومن فوائده أنه مقوي عام ويدخل ضمن تراكيب كثير من الأدوية والمستحضرات والوصفات الطبية والعلاجية فضلاً عن استخدامه كمطهر ومعقم ومفيد لكثير من الأمراض.

ووصل عدد خلايا النحل إلى مليون وثلاثمائة وثمانية آلاف خلية خلال العام الماضي، فيما تجاوز عدد النحالين المائة ألف نحال ولا تتوافر أرقام دقيقة حول كميات الإنتاج الكاملة أو قيمتها السوقية إلا أرقام عشوائية لا تسهم في تطوير هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد المحلي.


تشكل حضرموت ما نسبته 88 % من طوائف العسل أو الخلايا المنتجة في البلاد قاطبة، في حين أن ما تصدره للخارج تصل قيمته إلى عشرات ملايين الدولارات، وهذا يفسر الإقبال على حضرموت من قِبل النحالين اليمنيين الذين يأتون إلى المحافظة بغية رعي نحلهم، حيث تتوفر مراعي منتجة للعسل الأجود كالسدر أو السمر، وهذه هي المراعي الأفضل والأنسب في العالم لإنتاج العسل، بحسب ما أكدته دراسات أوروبية وأمريكية.

وأشار تقرير صادر عن إدارة التسويق والتجارة في وزارة الزراعة والري إلى أن السوق الخليجي هو المستقبل الأكبر من العسل اليمني الفاخر وبكميات تصل ما يقارب 500 طن سنوياً بقيمة إجمالية تصل الى 13 مليون دولار في حين تصدر كميات ذات جودة عالية إلى الأسواق الأوروبية. وأكدت إحصائيات وزارة الزراعة بأن محافظة حضرموت تصدرت قائمة المحافظات الأكثر إنتاجاً للعسل وتربية النحل بـ (864) طناً ساعد ذلك اشتهارها بإنتاج أفضل وأجود أنواع العسل في العالم (عسل السدر) والعسل الدوعني وعسل الظباء.

مائة دولار للكيلو جرام
وتشتهر حضرموت بإنتاج أجود وأفضل العسل اليمني ذات الشهرة العالمية الذي بلغ سعر الكيلو جرام منه إلى حوالي مائة دولار وهو سعر لم يبلغه أي نوع من العسل في العالم، وبرزت شهرة العسل الدوعني كعلامة تجارية رائجة على المستوى العالمي وتعود تسميته إلى وادي دوعن، والذي يمتاز بكثافة أشجار السدر وكذا يمتاز ببعض النباتات العطرية التي تنبت في مواسم مختلفة.


وتشير المصادر إلى أن شهرة العسل الدوعني ضاربة في القدم حيث كان العسل يحتل المرتبة الثالثة في اقتصاديات مملكة حضرموت خلال القرن العاشر قبل الميلاد، ويشير باحثون إلى أن للعسل الدوعني وعسل السدر عموماً خصائص طبية حيث يستخدم في علاج القرحة والربو والالتهابات والشرطان وغيرها، كما أن هناك عسل السمر والذي يستخرج من أشجار شوكية ويستخدم في علاج أمراض الكبد والبرد وفقر الدم والملاريا والتيفوئيد والسكر، قال الله عز وجل: "وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس"، سورة النحل الآيتين (68 و69).

أساليب غش
يوضح تاجر العسل دويل محمد بن مرتع، عضو اتحاد النحالين العرب ورئيس جمعية النحالين بمديرية القطن، أن أسعار العسل ارتفعت هذا الموسم مقارنة بالموسم السابق إذ بلغ سعر العسل العالي الجودة (البغية) الدبة عبوة بلاستيك سعة خمسة لتر حوالي 330 ألف ريال يمني، وعلبة القصدير 70 ألفاً وأدناها 30 ألفاً بما يعادل ويباع الكيلو البغية الصنف الممتاز بخمسين ألف ريال.


وأضاف: "سوق العسل في مدينة القطن الذي يعد أكبر أسواق حضرموت للعسل يتوافد إليه النحالون والمهتمون بتجارة العسل وتربية النحل ويستقبل سنوياً نحالون من مختلف مناطق ووديان وهضاب وصحراء حضرموت ومن محافظات شبوة وأبين وصعدة وإب يعتمدون على تربية النحل في مناطق مختلفة من حضرموت.. ويستقبل السوق أيضاً تجار من صنعاء وتعز ومنطقة شرورة بالمملكة العربية السعودية".

وحذّر التاجر بن مرتع من ممارسات، بعض ضعفاء النفوس، الذين يمارسون الغش حيث إن ما يقوم به بعدد من المشتغلين بهذه المهنة من شأنه تهديد سمعة العسل اليمني وشهرته العالمية.

وتابع بالقول: "طالبنا مراراً وتكراراً بضرورة الإسراع في إصدار تشريعات وضوابط لحماية العسل ومنع استيراد طوائف النحل من الخارج للحفاظ على سلالة النحل اليمني ومراقبة وضبط مروجي العسل المغشوش ومحاسبتهم للحفاظ على جودة العسل الحضرمي واليمني وشهرته العالمية، حيث إن أساليب الغش يكون ضحيتها النحال والبائع والمشتري، والكثير يشتكون من تكرار الغش وخاصة الزبون مما يجعلنا نعتمد على خبرتنا في الشراء أو الثقة ومعرفة سابقة بالنحالين والأفضل القيام بالفحص في مختبر العسل بسيئون.


وكشف مهتمون ومختصون في تجارة العسل، أن أخطر أساليب الغش التي تهدد سمعة العسل اليمني هو قيام بعض التجار باستيراد عسل من الخارج خصوصاً من أثيوبيا والصين واستراليا وباكستان وإعادة بيعه وتصديره على أنه عسل يمني.

وكان مجلس الوزراء قد أصدر في العام 2003م قراراً اعتبر فيه العسل ضمن المحاصيل الإستراتيجية الخمسة وحث على الاهتمام بتنميته وتطويره.

ولا تزال خلايا النحل القديمة هي المستخدمة في تربية النحل بنسبة 75 %، وهي تتنوع بين الخلايا الطينية والخيزرانية والخلايا المصنوعة من جذوع الأشجار والخلايا الخشبية والكينية وغيرها.

بحاجة إلى دعم
واعتبر باحثون ومختصون أن إنتاجية العسل في بلادنا ما تزال بحاجة إلى مزيد من الدعم والاهتمام سواء من خلال دعم مربيي النحل أو تشجيعهم وكذا تأهيلهم وتزويدهم بالمعلومات والإرشادات التوعوية حول كيفية تنمية النحل لتشكيل محصول نقدي وإستراتيجي له دور في تحسين مستوى دخل النحالين والتخفيف من الفقر في المناطق الريفية وتوفير احتياجاتها المعيشية.

سوق شعبي
وسط مدينة القطن بمحافظة حضرموت الوادي والصحراء يقع مقهى أحمد ناصر بن علي الحاج، وهو مقهى شعبي قديم يقصده الناس لاحتساء كوباً من الشاي أو تناول الفول والعيش كونه يمتاز بإعداد وطهي هذه الوجبة منذ القدم، لكن البعض يقصده أيضاً للتسوق وعرض الأشياء القديمة من الأسلحة الأثرية والسلاح الأبيض القديم والساعات وكثير من الأشياء التي اعتاد الناس من رواد المقهى على بيعها وشرائها.


ومنذ ما يقارب ثلاثين عاماً ازدادت رقعة التجارة في هذا المقهى وأصبح ملتقى وسوقاً شعبياً كبيراً لبيع وشراء منتجات النحل من العسل، حيث يرتاده تجار العسل ومربو النحل من كل حدب وصوب من كافة مناطق الجمهورية لبيع منتجاتهم من العسل بعد الجني والقطاف، والذي يسمى باللهجة المحلية بـ "الدباسة"، وهي عادة في شهري أكتوبر ونوفمبر من كل عام.

عرض المنتج
فبعد انقضاء عام من العناء والمشقة والتنقل من مكان لآخر للبحث عن مراعٍ لنحلهم يحين القطاف ويحصلون على ثمار ذلك العناء.. فتجدهم في هذا السوق الكل يعرض منتجاته، فمنهم من يفترش الأرض وأمامه دبب وعلب العسل، ومنهم على متن سيارته والبعض الآخر داخل محلاتهم التجارية التي تقع بجانب المقهى.


تجولت "الأيام" داخل السوق وسط زحام كبير من الباعة والسيارات والمتسوقين، فوجدت الجميع مشغولين بتسويق عسلهم على شكل علب قصدير أو عبوات بلاستيكية حجم 5 لترات يعرفون الشخص من بداية حديثه هل نيته الشراء أم الفضول مثلي، أما الزبائن فيتجولون بينهم تارة يقومون بالاكتفاء بالنظر إلى العسل وشم رائحته في حال رغبتهم بالشراء ويقومون بإدخال سبابة أصابعهم في أعلى العبوة لإخراج "قطلاة" يتذوقونها.

ضعف الإنتاج
النحال سالم علي من محافظة أبين، قال لـ "الأيام": "ارتاد هذا السوق في كل موسم ولي ما يقارب عشرين عاماً وأنا أعمل في النحالة حيث أسوق منتجاتي من العسل في سوق القطن، وكذلك في سوق عتق، وبالنسبة للسوق هذا العام لا بأس به، ونجدها هنا فرصة لمطالب الحكومة بتوفير العلاجات للنحل وحمايتها من الآفات والاهتمام بالعلب".

أحمد سالم، أحد النحالين من منطقة وادي عمد بحضرموت يقول إنه يعمل في تربية النحل منذ عشرين عاماً ويقوم بتسويق منتجاته هو الآخر إلى هذا السوق أو إلى صنعاء أو السعودية، لافتاً إلى أن سوق هذا العام ضعيف والإنتاج لا بأس به والقيمة النقدية للعسل مرتفعة.


مبارك أحمد، نحال من مديرية رخية بحضرموت، يؤكد ما قاله سالم ويعيد ضعف الإنتاج في هذا العام إلى شحة تساقط الأمطار في الموسم الماضي.

ويضيف قائلاً: "قمت بشراء خلايا نحل قبل الدباسة بسعر 20 ألف ريال يمني للخلية الواحدة إلا أن إنتاجها من العسل لم يكفِ حتى التكاليف".

كما تحدث لـ "الأيام" الدلال صالح سليمان الجهوري المتواجد في السوق طوال العام حيث يأخذ أجرته من عمل الدلالة (أي الوساطة بين البائع والمشتري) بالقول: "أعمل في السوق منذ عشرين عاماً والحمد لله على كل حال مرة تصيب وأخرى تخيب، وإذا كان السوق قوياً حصلنا على بركة الله، وإذا كان ضعيفاً نحصل أتعابنا حيث نتقاضى مقابل الدلالة ما بين 100 و300 ريال عن كل علبة ودبة".

فيما قال غازي سالمين، وهو بائع عسل: "هذا العام الطلب كثير لكن الإنتاج قليل والسبب قلة الأمطار في الموسم الماضي، وكذلك تدهور الأوضاع في البلاد؛ حيث شهد السوق غياب عدد من النحالة من محافظات أبين وشبوة وصعدة".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى