التعليم في لحج بالعراء والخيام

> تقرير/ هشام عطيري

>
التعليم في لحج مازال في عهده القديم وأشعة الشمس هي ميقات انتهاء الدوام

كراسيهم من الأحجار، وسبوراتهم بقايا خردوات لأجهزة كهربائية، أما فصولهم فتتكون من مسجد وخيمة مهترئة ومساحة في العراء وغرفة بالإيجار، ووصول أشعة الشمس إلى أجسادهم هو توقيت انتهاء الدوام المدرسي فيها.

إنّها إحدى المدارس الأساسية بمنطقة العند في مديرية تُبن محافظة لحج، وتقع في تبة مرتفعة تُسمى بتبة الفقيد الشيخ عبد القوي شاهر، شيخ مشايخ الصبيحة السابق.


تبعد هذه المدرسة عن مدرسة دار السلام للتعليم الأساسي والثانوي، عدة كيلومترات وتفصل بينهما طريق رئيسي سريع تمر فيه آلاف السيارات يومياً، وهو ما جعل الكثيرين من الآباء يفضلون تدريس أبنائهم فيها، حفاظاً على صحتهم وسلامتهم من حوادث السير، لتكون بذلك ملحقية لمدرسة دار السلام.

وعلى الرغم من الوضع المأساوي الذي يُعاني منه الطلاب والطالبات فيها نتيجة لعدم توفر الإمكانات والتجهيزات والمبنى المدرسي ونقص في المعلمين إلا أن أولياء الأمور ما زالوا يدفعون بأبنائهم للدارسة إليها.

تعليم في العراء
يقول المعلم محمد محسن فضل صالح تُعد هذه المدرسة كملحقية لمدرسة دار السلام، وتتكون من ستة فصول مقسمة مناصفة بين البنات والأولاد، اضطروا للتعليم فيها بسبب خطورة الطريق المؤدية إلى المدرسة الأم (دار السلام).

طلاب يفترشون الأرض وبعض الفصول من الخيام
طلاب يفترشون الأرض وبعض الفصول من الخيام

وأوضح في حديثه لـ«الأيام» أن الفصول التعليمية للبنات تقع في مسجد المنطقة، فيما يدرس الطلاب بغرفة للإيجار يدفع الأهالي قيمتها، وفصل دراسي في خيمة قديمة، إضافة إلى فصلين دراسيين يتلقى طلابهما التعليم في العراء.

يبلغ عدد الدارسين في الملحقية 340 طالبا وطالبة وهي كثافة تتزايد يوما بعد يوم، حيث أصبحت مدينة العند منطقة جاذبة للسكان، لتوفر كافة الخدمات فيها، إضافة إلى تدفق النازحين وهو ما يستدعي بناء العديد من المدارس في المنطقة من قِبل الجهات المختصة، لاسيما أنه لا يوجد فيها سوى مدرستين للتعليم الأساسي والثانوي (بنين وبنات) تعانيان كثافة طلابية كبيرة قد تتسبب باتخاذ إدارتيهما قراراً بعدم قبول طلاب جدد فيها مستقبلاً.


ودفعت الأوضاع التي تُعاني منها المدرسة بالعديد من المواطنين للتبرع بأرضية ومنهم الشيخ عبد الرحمن جلال شيخ مشايخ الصبيحة، بهدف بناء مدرسة للطلاب، ولكن حتى الآن لم تقم الجهات ذات العلاقة بتنفيذ عملية البناء التي ينتظرها أولياء أمور الأطفال بفارغ الصبر.

سبورات من بقايا الثلاجات
المعلم المتقاعد هاشم محمد أحمد تطوع لتعليم الأطفال إلى جانب اثنين من المعلمين فقط ممّن يؤدون الرسالة التعليمية فيها. يُعلم أحمد منذ أربعة أعوام في المدرسة بخيمة قديمة، كراسي الأطفال فيها من الحجارة، والسبورة الخاصة بها عبارة عن ثلاجة قديمة. يقول: "إن هذه المدرسة (الملحقية) تُعاني كثيراً من عدم توفر ميسرات التعليم لتسيير العملية التعليمية".


المعلم مقبل سعدان، أحد المعلمين، هو الآخر لم يجد بداً من الاستفادة من غطاء لثلاجة خردة كسبورة لطلابه الذي يعلمهم في العراء. وتوقيت انتهاء الدراسة لدى هؤلاء الطلاب هو وصول أشعة الشمس إلى أجسادهم.

وطالب المواطن محمد محسن قبع، وهو أحد ساكني المنطقة، مكتب التربية بضرورة البحث عن ممول من المنظمات الداعمة لبناء مدرسة في الأرضية التي تم التبرع بها من الأهالي.


وأشار الشيخ ناصر علي فرطش لـ«الأيام» إلى أن غياب المبنى المدرسي دفع ببعض أولياء الأمور بنقل أبنائهم إلى مدارس تبعد عن مناطقهم مسافات بعيدة.

وقال: "هناك أيضاً معاناة في مناطق أخرى مثل منطقة قهل، حيث تزايدت عملية تسرب الطلاب عن التعليم وعدم تعلم البعض".

كثافة طلابية
فيما شدّد رئيس مجلس الآباء في مدرسة "دار السلام" نبيل صالح قبع، على ضرورة إيجاد حلول لهذه المدرسة الملحقية وفي مقدمتها بناء فصل فيها للتخفيف من الكثافة الطلابية، مشيراً إلى أن منطقة العند تحتاج إلى مبانٍ مدرسية جديدة وفصول دراسية إضافية، لاسيما بعد أن وصل عدد الدارسين في المستوى الواحد فيها إلى 120 طلاباً وطالبة.


ويشير قبع في حديثه لـ«الأيام» إلى أن مناطق مثل "قهل، والتبة"، أصبح الطلاب فيهما يتلقون تعليمهم في العراء أو يتركون العملية التعلمية كاملة، الأمر الذي بات بحاجة إلى إيجاد حلول من قبل المعنيين لإنهاء معاناة الطلاب والطالبات في هاتين المنطقتين وعموم مناطق ومدارس العند وملحقياتها، مطالباً أيضاً من الجهات المسئولة بضرورة البحث عن منظمات دولية داعمة، مع رفد المدارس بالمعلمين وبكافة الاحتياجات الأساسية لتسيير العملية التعليمية بالطريقة بشكل أفضل.

وضع مرزٍ
بدوره أوضح مدير مجمع دار السلام التعليمي (الأساسي والثانوي) حامد محمد أحمد الهمداني أن المجمع والملحقية الخاصة يعانيان من كثافة طلابية ووضع مزرٍ.


وقال في حديثه لـ "الأيام": "طالبنا بعض الجهات ذات العلاقة بضرورة إيلاء ملحقية الشيخ عبد القوي شاهر، رحمة الله، اهتماماً حيث يفترش فلذات أكبادنا فيها الأرض، فضلاً عن عدم وجود فصول دراسية ونقص كبير في المعلمين"، لافتاً إلى أن منطقة "قهل" هي الأخرى توقف جميع الطلاب فيها عن الدراسة لسنتين سوى من بعض الطلاب والذين قام أولياء أمورهم بنقلهم إلى مدارس أخرى لمواصلة العملية التعليمية.

ودعا مدير المجمع التعليمي كل جهات الاختصاص في المحافظة إلى إيجاد حلول لجميع المعوقات التي تواجهها إدارته والمتمثلة بالكثافة الطلابية والطلاب النازحين والوافدين وقلة المدارس والمباني والفصول الدراسية".

صعوبات كثيرة
من جهته قال مدير عام مكتب التربية والتعليم بالمحافظة د. محمد سعيد الزعوري: "رغم الصعوبات والمعوقات التي تعترض الإدارات المدرسية ومكاتب التربية في المديريات، إلا أن الوضع التربوي في لحج يسير على قدم وساق بجهود التربويين والمعلمين الذين يبذلون جهوداً جبارة وتضحيات جسيمة في الجانب التربوي"، مضيفاً "مشاكل التربية والتعليم بدأت منذ العام 2015م، ولكننا نوضح هنا بعض الهموم المُلحة والعاجلة التي يتطلب من القيادات العليا في الدولة تلبيتها حتى تستطيع سفينة التربية والتعليم من التقدم ومواجهة الأمواج العاتية التي تعترضها".


وبحسب د. الزعوري، فإن مكتب التربية والتعليم بات في الوقت الحاضر يحتاج إلى كادر تربوي تعليمي لتغطية النقص الحاد الناتج عن خروج الآلاف منهم إلى سلم التقاعد أو الوفاة أو الاستشهاد والجرح خلال فترة الحرب، بالإضافة إلى وصول العديد منهم إلى عمر لا يساعدهم على تأدية العمل التربوي والتعليمي، الأمر الذي اضطرت إدارته، وفقاً لقوله، إلى تكديس عدد كبير من الطلاب في قاعات الدراسة، بهدف الاستفادة من الطاقم التعليمي في المدارس.

حلول بديلة
وأوضح مدير عام مكتب التربية في المحافظة لـ«الأيام» أن آخر إحصائيات صادرة من قِبل الموارد البشرية للمكتب تشير إلى أن هناك ما يقارب 2860 معلما قد خرجوا إلى سلم التقاعد ابتداء من عام 2016 - 2019م، فيما بلغ الاحتياج الحتمي للكادر التربوي 3525 معلما لمختلف التخصصات وخاصة التخصصات النادرة، لافتاً إلى أن هذا الوضع خلق أمام إدارته الكثير من الإرباكات ووضعها في موقف لا تحسد عليه.

وتابع بالقول: "ولتخفيف هذه الإشكالية وجهنا مدراء إدارات التربية في المديريات بالاستفادة القصوى من المجتمع المحلي ومجالس الآباء الذين فعلا استشعروا مسؤولياتهم وخاصة مديريات يافع، حيث قاموا بتوفير عدد كبير من المعلمين لتغطية النواقص في هذه المديريات، كما أننا نشكو أيضاً من قلة الكتاب المدرسي الذي لم يصلنا حتى اليوم بالعدد الكافي، وما وصلتنا منه هي عناوين محددة للصفوف الأول والثاني والثالث والرابع وبعض العناوين للصف الخامس، لم تصلنا بقية العناوين من الصف السادس حتى ثالث ثانوي، عدا كتابي اللغة العربية والجغرافيا للصف التاسع فقط، هو ما وضعنا في إحراج كبير أمام الإدارات المدرسية والمعلمين والطلاب، لكنه في المقابل أمر فوق طاقتنا باعتبار مهمة توفيره حصرية على وزارة التربية والتعليم ومؤسسة الكتاب المدرسي".

طلاب يفترشون الأرض وبعض الفصول من الخيام
طلاب يفترشون الأرض وبعض الفصول من الخيام

وأضاف د. الزعوري في تصريحه لـ«الأيام»: "في مديرية تُبن -وهي من أهم المديريات وتمثل واجهة المحافظة- توجد مدارس من يزورها يشعر بمدى المعاناة التي يواجهها المعلمون والإدارات المدرسية والقطاع التربوي بشكل عام، فمثلا مدرسة (مجمع السعيد للبنات) تضم ما يزيد عن 3000 طالبة، والطاقم التدريسي فيها غير كافٍ لأداء المهمة التعليمية الموكلة على عاتقه، وللتخفيف من الكثافة الطلابية فيها زودنا المدرسة بستة فصول (كرفانات) مقدمة من الهيئة الكويتية ولكنها أيضاً لم تؤثر على العدد الكبير الموجود فيها، الأمر الذي أجبرنا في الأخير على تقسيم الطالبات وتوزيعهن على الفصول وما زالت المشكلة قائمة حتى الآن، وما زال الفصل الواحد يستوعب ما يزيد عن مائة طالبة".

وتابع: "مدرسة السلام بنين وبنات في منطقة العند هي الأخرى وضعها متعب والمعاناة مضاعفة في الملحقية التابعة لها حيث يفترش طلابها الأرض والأحجار والأرض، تغطيهم فيها بعض الخيام وإحدى غرف المسجد والمنازل، ولتجاوز هذا الوضع المعقد توجهنا إلى المنظمات لتساعدنا على التغلب على هذه الصعوبات ونجحنا في أكثر من مكان، منها ما الحصول على 35 فصل "كرفانات" كفصول مؤقتة وزعناها على بعض المدارس المزدحمة ومنها مدرسة السلام بنين وبنات في العند، لامتصاص الكثافة الطلابية التي تشهدها نتيجة لزيادة السكان والهجرة الداخلية والنزوح الكبير الذي وصل إلى لحج من الحديدة وتعز وبقية المحافظات التي تشهد مواجهات عسكرية".

الدولة لم تقدم شيئاً
وبحسب د. الزعوري، فهناك العديد من المنظمات لها إسهامات ومساعدات في الجانب التربوي، أبرزها منظمة اليونيسف، وبنك الإعمار الألماني، والتعليم المنتظم من الشراكة العالمية، والمجلس النرويجي، والهلال الأحمر الإماراتي، ومنظمة الهجرة الدولية والتي ساعدت في إعادة بناء مدارس مهدمة.

وأضاف: "المنظمات ساعدتنا فيما وقفت الدولة عاجزة عن تقديم شيء، والمحافظة تشهد نوعاً من التراخي في جانب التربية والتعليم، لا يساعدنا فيها أحد في تسيير الأنشطة التربوية والتعليمة أو أي أعمال من شأنها أن تمكنا من الوقوف على أقدمنا، لنواجه التحديات التي تعترض طريق المؤسسة التربوية".


وفيما يتعلق بالحلول الخاصة بالملحقية التابعة لمدرسة "دار السلام"، قال مدير عام مكتب التربية والتعليم في المحافظة د. محمد سعيد الزعوري: "بحثنا عن حلول لبعض المدارس لدى المنظمات وكان من ضمن المدرس مدرسة السلام بنين، ولاسيما الملحقية التابعة لها والتي تبعد عنها 3 كم، وقد تمكنا من خلال التواصل من النجاح مع منظمة (قلوبال إد هاند) السودانية التي زارت بدورها المدرسة وأخذت تصوراً كاملاً حول الوضع التعليمي والتربوي فيها وخاصة الملحقية الواقعة في منطقة (التبة) بالعند، وتمت الموافقة على أن تكون هذه الملحقية من ضمن اهتماماتها إضافة إلى مدرسة في بير فضل"، لافتاً في السياق إلى أن لدى المنظمة الكثير من البرامج التي ستنفذها في المدرسة، منها ترميم وبناء فصول مؤقتة، بالإضافة إلى الدعم النفسي وبناء القدرات للمعلمين والتعليم النشط وتعليم المجتمع المحلي على كيفية التعامل مع الظروف الطارئة وكذا حلقات تدريبية للتلاميذ.

وأوضح أن هذه المنظمة لديها مبلغ 500 ألف دولار ستنفق على مدرستي دار السلام وبير فضل، مشيراً إلى أن من ضمن الأنشطة لتي ستنفذ تتمثل بعقد لقاءات ودعم نفسي للمجتمع المحلي الحاضن للملحقية، إضافة إلى حلول مؤقتة قدمها مكتب التربية ومنها تزويد مدرسة دار السلام بخمس "كرفانات" سعة كل منها 40 طالباً؛ لامتصاص الكثافة الطلابية الموجودة فيها وبما من شأنه أن يساعد إدارتها المدرسية على أن تستمر وتقدم خدماتها التعليمة للمجتمع الذي يشهد زيادة سكانية غير طبيعية وموجة نزوح كبيرة من عدة مناطق في المحافظات الشمالية وفي مقدمتها الحديدة وتعز.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى