الأم المجهر التربوي لسلوك الأبناء

> نُهى البدوي

> اصطدم الشارع في عدن بوحشية الأداة المستخدمة ودوافع وتخطيط ثلاثة أشخاص بينهم شابان لا تتجاوز أعمارهما 15 عاما لارتكاب جريمة قتل الشاب جلال خالد الكور في المعلا الأسبوع الماضي في صورة أكثر وحشية وبشاعة لم يعهدها سكان عدن، بالإضافة إلى أن المجني عليه خال أحد الجناة، اندفع الكثيرون في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بتوجيه اللوم الجارح لأسرتي الشابين، بالذات دور الأم في الأسرة وتحميلها مسؤولية التقصير، والإهمال في تربية الأبناء، دون البحث في أبعاد الخلل التربوي في الأسرة، الذي كانت هذه الجريمة إحدى نتائجه لتقودنا للوقوف على معاناة أغلب الأمهات في المنازل، ومعرفة ما إذا كان الإهمال متعمدا من قبل الأم في ظل التطور التكنولوجي، أم أنها بحاجة للتنوير والتوعية لتقوم بدورها التربوي للأبناء، ووضعهم تحت المجهر لصناعة مستقبلهم، كما وصف دورها (نابليون بونابرت) بمقولته الشهيرة "مستقبل الطفل من صنع الأم".

يخطئ من يحكم على أي تهاون وتقصير للأسرة في تربية الأبناء، على أنه متعمد من قبل الأبوين أو برضا ومعرفة سابقة لهما بالتغير السلوكي الذي أدى إلى الخلل التربوي أو الإهمال لوقوعهم ضحايا العنف بشتى أشكاله، والانحراف والمخدرات والتأثر بسلوك الإجرام أو بالفكر المتطرف، ففي معظم الحالات يتبيّن عدم إهمال الأم الصالحة التي تقوم بتربية أبنائها والاهتمام بهم على طريقتها المعتادة، لكنها تفتقر للتوعية والتعريف بالوسائل الطرق الحديثة، التي تسهل مع التقدم التكنولوجي عملية إيقاع الشباب والشابات والأطفال ضحايا للظواهر السلبية المنتشرة في بلادنا، بدءًا بالانحراف السلوكي والتربوي لينتهي بإيقاعهم ضحايا لتعاطي الحبوب المخدرة، والسقوط في مستنقع الإجرام والعنف والتطرف.

لا يعني التشديد هنا على دور الأم أن تكون أما مستبدة أو انتقاصا لدور الأب في تربية الأبناء على حسن الخلق والقيم الدينية والأخلاقية التربوية والرجولية وتحصينهم فكريا وسلوكيا من خطر الظواهر السلبية، التي بات شبابنا اليمنيون ضحية ضربها للمبادئ والقيم الدينية التي تربوا عليها وتشربوا منها في البيئة الأسرية السليمة، بل إن التشديد على دور الأم يعد تكميلا لدورهما المحوري في هذا الشأن، مع التأكيد على أن المسؤولية التربوية للأبناء هي تشاركية في الأسرة.

الأم هي الأكثر قربا عاطفيا ونفسيا للأبناء وهم أكثر اعتمادا عليها ماديا، حيث وصفها وليم شكسبير: "ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم"، فالأم الصالحة هي أكثر قدرة على تمييز ملامح أي تغيير في سلوكهم، وهي من يلاحظ مدى انضباطهم التربوي والسلوكي، وميولهم ورغباتهم، وهي من تستطيع تقييم علاقاتهم بأصدقائهم وزملائهم في المدرسة في الحارة ومعرفة فوائدها وأضرارها عليهم، الأم الصالحة المجهر التربوي لسلوك الأبناء والبنات وكل أفراد الأسرة.

لا تزال معظم أمهاتنا في اليمن يجهلنَ الكثير عن الوسائل المتطورة والظواهر السلبية، وكيف لعبت التكنولوجيا الحديثة في إيجاد طرق وأساليب لنشرها واستهداف الشباب لتدميرهم، يصعب على بعض الأمهات اكتشافها كأقراص المخدرات، والفيديوهات، والألعاب المشجعة على العنف، والجلوس لساعات طويلة أمام شاشات الإنترنت لتصفح كل ما هو ضار ويشجعهم على ارتكاب الجرم، الأم بحاجة إلى التوعية وإكسابهن المعارف لتربية أبنائهنَ وحمايتهم من الانجراف في تيار الجريمة والعنف، وعلى الجهات والمنظمات المعنية إدراك هذا الخلل والمسؤولية وحاجتها للتوعية بأضرار الوسائل والتكنولوجيا الحديثة، وأختتم ببيت من الشعر لجميل الزهاوي:

لَيْـسَ يَرْقَـى الأَبْنَـاءُ فِـي أُمَّـةٍ مَـا

لَـمْ تَكُـنْ قَـدْ تَـرَقَّـتْ الأُمَّـهَاتُ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى