من اليمن إلى أبوتريكة.. كيف ترسم السعودية وجهها الجديد في الشرق الأوسط؟

> «الأيام» عن "ساسة بوست"

> تمضي السعودية في الشهور الأخيرة، وتحديدًا بعد واقعة استهداف هجوم المنشئات النفطية التابعة لها في شركة «أرامكو»، لرسم ما يبدو أنه خطوط سياسة جديدة لها في قضايا إقليمية، متراجعة بعض الخطوات عن رؤيتها السابقة لهذه النزاعات؛ ليبدو الأمر إستراتيجيا أكثر منه تكتيكًا تحاول الرياض باتباعه ربما لتحقيق مكاسب لحظية أو المراوغة.

هذه الإستراتيجية التي بدأت تنكشف مظاهرها في أكثر من ملف يحاول التقرير التالي استعراضها، في ضوء معلومات خاصة حصل عليها «ساسة بوست» من مصادر خاصة، واستنادًا لقرائن أخرى منشورة في وسائل إعلام، والدوافع كذلك وراء هذا التحول الكبير في سياسة المملكة.
المصالحة الخليجية.. معلومات جديدة
يبدو أن السعودية تمضي بخطوات ثابتة وهدوء أكبر نحو المصالحة الخليجية، خلافًا للمرات السابقة، مدفوعة في خطواتها بأسباب داخلية وخارجية، كي يُشكل هذا المُضي الجاد أحد مظاهر هذا التحول في دور الرياض بالشرق الأوسط.

في ضوء الحديث الإعلامي المكثف عن المصالحة الخليجية المرتقبة بين من ينفي ومن يؤكد، كشف مصدر إعلامي يعمل في «قناة العربية» السعودية لـ «ساسة بوست» عن توصيات لموظفي القناة بتجنب نشر تقارير تهاجم الدوحة، أو التعرض لسياستها، على خلاف ما دأبت القناة تجاه أي خبر أو معلومات مسربة سلبية تجاه العاصمة القطرية في الأعوام الماضية، موضحًا أن هذا القرار تم تفسيره من جانب مديري تحريري القناة «بأنه قرار فوقي يتقاطع مع مصلحة البلاد».

وكشف المصدر عن واقعة داخلية مرتبطة بهذا التعميم – الذي يأتي في ظل التسريبات الخاصة في بعملية المصالحة الخليجية – وهي اقتراح أحد محرري موقع القناة تحرير وترجمة خبر حول وثيقة غربية نشرتها قناة «فوكس نيوز» الأمريكية حول علم قطر المسبق بالهجوم التي نفذته إيران تجاه ناقلات النفط الخليجية عند مضيق هرمز في مايو الماضي، قبل أن يرفض مدير تحرير القناة هذا الاقتراح مرجعًا ذلك الأمر إلى تعليمات.

تتطابق هذه المعلومات مع خلفية المحتوى الإعلامي المنشور في وسائل الإعلام المطبوعة والتلفزيونية السعودية، إذ تغيب الدوحة في مضامينه عن الصورة السلبية التي راجت عنها في السنوات الماضية في تلك الوسائل.

في المقابل يبدو أن وسائل الإعلام القطرية تلتزم الهدوء تجاه السعودية بالأخص، فقد أوقفت إلى حد كبير كل الحمَلات الإعلاميّة، سواءً على شاشات التلفزة، أو في مطبوعاتها، أو في وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن عدم التطرق لقضية المصالحة الخليجية في الوسائل الإعلامية المملوكة لها.

مصدر دبلوماسي يعمل في جامعة الدول العربية أكد صحة التسريبات القائمة حول وجود مفاوضات «جدية» فيما يخص المصالحة الخليجية، ورغبة حقيقية من جانب الرياض في إنهاء هذا الملف، والضغط على أبوظبي والقاهرة للمضي قدمًا في إنهاء هذه القضية بتوافق أكثر منه خضوع لشروط قطرية، ورغبة جدية مستقبلية في حضور سعودي بالمنطقة، يضمن دعمًا قطريًا لهذا الحضور، وتحديدًا في الملف الإيراني. هذه الرغبة السعودية تتعارض مع الخيارات المصرية والإماراتية، وهو ما كان سببًا في نشوب «توتر» بين القاهرة والرياض، وزيارة الأولى لأبوظبي لبحث هذه المسألة، بحسب تعبير المصدر.

وكشف المصدر الذي عمل لسنوات في الرياض عن الأسماء الممثلة للدول الثلاث الذين أداروا جلسات مفاوضات مع القطريين وبقية الدول الخليجية من أجل المصالحة الخليجية، وهم خالد الحميدان، رئيس الاستخبارات العامة في المملكة العربية السعودية، وبندر العيبان، مستشار في الديوان الملكي، وصالح آل شيخ، وزير الدولة وعضو مجلسي الوزراء والشؤون السياسية والأمنية.

يُكمل المصدر أن الوفد المُمثل للسعودية ضم كذلك أسماء بينها مساعد العيبان، رئيس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وإبراهيم العساف، وزير الخارجية السابق، وعبد الله العيفان، السفير السعودي السابق لدى قطر، كاشفًا أن هناك تكتمًا بالغًا يسيطر على المفاوضات الدائرة بين الوفود.

ملمح آخر يدفع نحو ترجيح احتمالية صحة المفاوضات هذه المرة، وهو تصريح مصدر حكومي في العاصمة الأمريكية واشنطن لموقع «الحرة» حول المصالحة الخليجية – الخليجية؛ إذ وصفها بأنها «بلغت مرحلة متقدمة».

وقد أكد أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتكيلف السفير الأمريكي في الرياض، الجنرال المتقاعد جون أبي زيد، ودبلوماسيين آخرين في وزارة الخارجية، ومسؤولين في البيت الأبيض بـ «تنسيق الأمور بعيدًا عن الأضواء، وفي شكل سرّي لتحقيق مصالحة خليجية – خليجية».
اليمن.. هدنة واتفاق
باتت اليمن إحدى محطات التوجه السعودي الجديد التي تخطها في الشرق الأوسط مانحًة أولوية في سياستها هذه المرة للاتفاق السياسي، والحوار مع الحوثيين الذي ظل طرفًا ترفض الرياض فتح أي قناة اتصال معه، واتباع الخيارات العسكرية تجاهه طيلة السنوات الماضية.

عدة مؤشرات اجتمعت للدلالة على هذه السياسة الجديدة في اليمن كان أهمها تكثيف السعودية محادثات غير رسمية مع جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران بشأن وقف إطلاق النار في اليمن، واستعداد الرياض لوقف ضرباتها الجوية على اليمن مقابل وقف الحوثيين إطلاق الصواريخ وشن هجمات بطائرات مسيرة عبر الحدود على مدن سعودية.

وبحسب مصدر سعودي بارز تحدث لوكالة «رويترز» للأنباء، فإن المحادثات بشأن استكمال الاتفاق الأمني تتحرك بسرعة كبيرة الآن عبر عدة قنوات، لكن الرياض ما زال لديها مخاوف بشأن حدودها. هذه المحادثات سبقتها مؤشرات عدة أبرزها إتمام اتصال مباشر بين خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي – وهو شقيق محمد بن سلمان – مع رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط. وعرض شقيق ولي العهد على المسؤول الحوثي تشكيل لجنة من الطرفين لخفض التصعيد، وصولًا إلى اتفاق كامل لوقف إطلاق النار بين الأطراف على الحدود السعودية اليمنية.

وقد أكد مصدر رفيع في جماعة الحوثي لـ «الجزيرة. نت» أن «المبادرة السعودية إيجابية، ولكنها بحاجة إلى مفاوضات واتفاق ومتطلبات أخرى»، مشيرًا إلى أن العملية العسكرية التي كشف الحوثيون عن تنفيذها على الحدود في الأشهر أو الأسابيع الأخيرة كانت هي الضاغط الفاعل في تهيئة الموقف السعودي.

ولا تغيب عن مظاهر سياسة الرياض الجديدة تجاه اليمن إعادة التواصل مع عُمان، الوسيط المُفضل للحوثيين، بعد سنوات من التوتر المكتوم في العلاقات بين البلدين، لتُشكل زيارة خالد بن سلمان لعُمان ولقائه بالسلطان قابوس نهاية للتململ السعودي إزاء مسقط بعد التباين في كثير من القضايا المُشتركة بين البلدين، خصوصًا أنها جاءت «لتدعيم مجالات التعاون العسكري القائم بين البلدين، والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية»، كما ورد في البيان الرسمي الصادر عن السعودية.

مصدر آخر لأهمية هذه الزيارة هو لقاء السلطان قابوس شخصيًا بشقيق ولي العهد السعودي، خصوصًا أن حاكم عمان «تنحصر لقاءاته غالبًا على رؤساء الدول، وبعض الرسميين من ذوي المراتب الأدنى من الدول الكبرى، فضلًا عن اقتصار الحضور من الجانب العماني على وزيري الديوان والمكتب السلطاني، والأخير هو رئيس المؤسسة الأمنية»، بحسب تصريح لعبد الله الغيلاني، الأكاديمي العماني، الباحث في الشؤون الاستراتيجية، لموقع «عربي21».

ملامح هذا التململ ظهرت في أكثر من موقف على مدار الثلاث سنوات الماضية كان أبرزها تجاهل ملك السعودية سلطنة عمان خلال جولته الخليجية في نهاية عام 2016، والمحاولات المتكررة من جانب الرياض وأبوظبي لإقصاء مسقط وتهميش دورها في القضايا الكُبرى، وقد سبق زيارة خالد بن سلمان زيارة مماثلة لوفد عسكري سعودي إلى كلية الدفاع الوطني في مسقط.

غير أن هذه الزيارة لها معنى آخر في هذا التحول، وهو الاعتراف السعودي بالدور العُماني في المنطقة، خلافًا لما كان متبعًا من جانب الرياض وأبوظبي في تهميش مسقط خلال الأعوام الأخيرة، وقد كشف مسؤولون هذا المعنى لوكالة «الأسوشيتد برس» الأمريكية؛ بتأكيدهم على اهتداء السعودية إلى أن تكون عُمان هي الوسيط للتفاوض بين الحوثيين والرياض لإنهاء النزاع المُسلح بينهما على مدار الخمسة أعوام الماضية.

وبدأ الدور العُماني في الوساطة الرسمية بين الرياض والحوثيين منذ سبتمبر الفائت؛ إذ نجحت في إتمام لقاءات عبر «الفيديو كونفرانس» بين الجانبين المتنازعين لتطور المفاوضات، وتقترب من صيغ نهائية بشروط محددة مثل تبادل الأسرى بين الجانبين.

ولا يُعد هذا التحول الوحيد فقط في سياسة المملكة تجاه اليمن، إذ سبقه تمسك سعودي بسياستها أمام الحليف الإماراتي أبوظبي، وخروج هذا الخلاف للعلن، ودفعها لاحقًا نحو اتفاق ترعاه هي بشكل أساسي، ويجتمع الفرقاء فيه على أراضٍ سعودية؛ ساعية من وراء ذلك إلى تصحيح الصورة التي انطبعت عنها باعتبارها مؤيدة للحلول التصعيدية دومًا، والعنف كخيار أول لها، بينما تحاول أبوظبي «خلخلة التحالف تعزيزًا لصورتها كصانع للسلام».

ولهذا التحول اللافت تحديدًا تجاه أبوظبي شخص كاهل يقف وراءه هو الملك سلمان، البالغ من العمر 83 عامًا، والذي أبدى «انزعاجه الشديد» من الإمارات أقرب الشركاء العرب للمملكة، في نهاية أغسطس الفائت، وذلك في محادثة هاتفية جمعته مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، دارت وقائعها يوم 11 أغسطس الذي يحظى بدعم المملكة، بحسب معلومات حصرية حصلت عليها وكالة «رويترز» للأنباء.

ولم يمض وقت طويل على هذه المكالمة حتى وقع تحول أكبر في رعاية السعودية لإتمام مصالحة بين الحكومة اليمنية المدعومة سعوديًا مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا، والمعروف باتفاق الرياض، كرغبة في تصحيح صورتها التي تضررت كثيرًا في الغرب جراء انخراطها في حرب اليمن، الذي أودى بحياة آلاف المدنيين في اليمن، وقبلها مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

ويكشف رد الفعل السعودي أمام أحدث اختبار لتقييم متانة إستراتيجية الرياض، وهو احتجاز سفينة سعودية مع سفينتين كورييتين من جانب الحوثيين قبل يومين، أن هذا التحول ليس تكتيكًا، بقدر ما أنها سياسة طويلة الأمد ستتبعها المملكة، وقد التزمت الرياض الصمت، ولم يخرج تصريح من مسؤول رسمي يتعهد بالتصعيد حيال الواقعة، بينما كشف مصدر معني بمتابعة الشؤون السعودية بصحيفة سعودية محلية أن المملكة تحاول الالتزام بضبط النفس، واختبار الوسيط العُماني للإفراج عن السفن كافة.
تركي آل الشيخ وأبوتريكة
تعكس تحركات آل الشيخ دومًا التوجهات العامة لبلاده، وليس سلوكًا فرديًا أو جانبًا ترفيهيًا، خلافًا للصورة التي راجت عنه إعلاميًا، فبخلاف وصفه مستشارًا للديوان الملكي ومسئولًا عن الترفيه، يُغدق الأموال من أجل متعة الجماهير، وتحسين ذائقة المواطن السعودي الفنية، عبر تنظيم عشرات الحفلات لكبار مطربي العالم، كما يُقدمه إعلام المملكة الرسمي، يعبر الرجل النافذ بشكل كبير عن توجهات الرياض، وربما يمكن قياسها من خلال تصرفاته.

ولهذه المهام في مصر، وموقع الشاب الثلاثيني في صناعة سياسة الرياض دلائل ومؤشرات أبرزها الصلاحيات الممنوحة له للتفاوض مع جهاز المخابرات العامة المصرية، لتمويل قناة إخبارية تعبر عن السياستين المصرية والسعودية؛ تبث من القاهرة بكوادر مصرية وأموال سعودية لمواجهة المد الإعلامي القطري، وهي المفاوضات التي توقفت بعد واقعة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

للأسباب السابقة وأكثر، فالتعامل مع التحول في مواقف تركي تجاه القضايا الداخلية في مصر في الملف الرياضي، وتحديدًا ملف اللاعب ذي الشعبية العريضة محمد أبو تريكة، الذي اتهم طوال السنوات الماضية في الإعلام المصري بالانتماء لجماعة «الإخوان المسلمين» وتمويل الإرهاب، ليس منفصلًا عن الخط السياسي لبلاد تركي آل الشيخ، فهو بدأ نهجًا تصعيديًا منذ فترة ضد اللاعب صاحب الشعبية الكبرى، قائلًا: «أنا حزين، هذا الشخص ليس له خير في بلده، ولن أستغرب ألا يكون له خير في النادي الأهلي، إذا كان يريد الخير للأهلي ولبلده لم يكن ليصرح بهذا الكلام، واضح أن عليه ضغوط».

وأضاف تركي آل الشيخ في المداخلة الهاتفية على فضائية «دريم» المصرية حينها، مع الإعلامي وائل الإبراشي: «أريد أن أكشف عن سر، للأسف، إن أنت أكرمت الكريم ملكته… محمد أبو تريكة حاول في فترة ما بعلم من مجلس إدارة الأهلي، ومن بعض الشخصيات في الأهلي والدولة، التوسط عن طريقي، وأنا حاولت الوساطة لعودته إلى مصر، أو على الأقل العمل داخل المملكة العربية السعودية، وألا يدلي بأي تصريحات سياسية، وفجأة اختفى، يبدو أنه تم التأثير عليه، أو جرت السيطرة عليه بسهولة، أنا لا ألومه، هو فاقد للإرادة في مساره».

تزامن هذا الهجوم مع حملات التهديد والوعيد لجمهور الأهلى المنتقد لتركي آل الشيخ بالسجن. ونجح عبر إجراءات تقاضي في سجن عشرات من جمهور الأهلى والزمالك معًا، بعد سبه. بعد شهور من هجوم لتركي تجاه أبوتريكة، وهذه الحملات، عاد تركي لمصر، وتحديدًا للنادي الأهلى المصري بوجه متسامح، وداعم ومُحب من جديد، ومتصالح مع رئيس النادي الأهلى محمود الخطيب، الذي زاره في منزله، ونشر صورة معه وهو يقبله. كما قدم نفسه وسيطًا لدى السلطات المصرية للسماح بعودة أبوتريكة.

بعد انتشار هذه الأخبار المُسربة جاء الإعلان الرسمي من تركي شخصيًا حين قال صراحة: «إنه يتمنى التوسط لحل الأزمة بين لاعب الأهلي السابق ونجم منتخب مصر محمد أبو تريكة مع الحكومة»، معلقًا: «يا رب الموضوع يكمل.. الواحد.. بيحب يسعى للخير».

سرب إعلاميون مصريون مُقربون من تركي آل الشيخ معلومات عن هذا الأمر، وكان أبرزهم الصحافي الرياضي أبو المعاطي زكي، الذي ذكر – نقلًا عن مصادر مُقربة من تركي آل الشيخ – أن الأخير نجح بالفعل في عودة أبو تريكة، والذي سيصل مصر «خلال أيام أو أسابيع بالكتير»، وربط زكي ذلك باقتراب المصالحة الخليجية من محطتها الأخيرة: «إجراءات سياسية بين الدول الأربع؛ والمصالحة تقترب بقوة، وانفراجة غير عادية».

وامتدت خطوات تركي للإفراج عن نحو 320 فردًا من جمهور الأهلى، ومحاولات مماثلة مع جمهور الزمالك الذي انتهى به الأمر للسجن في قضايا مماثلة، وقد تأكدت الأخبار الخاصة بأبو تريكة من أبو تريكة نفسه، بحسب ما نقله عنه لاعب كرة القدم السابق والمدرب الحالي عماد النحاس، الذي ذكر بعد اتصال هاتفي معه: «منذ فترة طويلة لم يحدث تواصل بيني وبين أبو تريكة، ولكننا نسمع أخبارًا جيدة بشأنه في الفترة الأخيرة، بعدما تواصلت معه هو ووائل جمعة».
ما وراء التحولات المرجحة؟
شكلت أسباب داخلية وخارجية دوافع لتحريك الرياض لبدايات تحول في سياستها في القضايا السابقة، واتباع نهج جديد يشمل إعادة النظر في تحالفاتها ذات البعد الأحادي، خصوصًا في ظل فشل هذه السياسة السابقة التي كانت محورها الرئيس التصعيد الكلامي، والتماهي الكامل مع أبوظبي والقاهرة.

كانت واقعة استهداف الحوثيين لمعمل بقيق السعودي، التابع لشركة «أرامكو»، ومنشأة نفطية أخرى في خريص الواقعة على الطريق بين الأحساء والرياض، باستخدام «طائرات مسيّرة (درون)»، ربما هي الدافع الأهم بين عوامل أخرى وراء هذا التحول.

ويمكن الاستدلال على ذلك من توقيت بدء المحادثات مع الحوثيين عن طريق عُمان في سبتمبر، أي بعد وقوع هجوم «أرامكو» بأسبوع أو أكثر، وأثار هذا الهجوم غضب أفراد الأسرة الحاكمة ونخبة رجال الأعمال في السعودية تجاه قيادة ولي العهد السعودي.

وبحسب رواية دبلوماسي أجنبي هام وخمسة مصادر تربطها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال، تحدثوا لـ«رويترز»، فإن هذا الهجوم أثار قلقًا وسط عدد من الفروع البارزة لعائلة آل سعود ذات النفوذ القوي، والتي يبلغ عدد أفرادها حوالي 10 آلاف، بشأن قدرة ولي العهد على الدفاع عن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وقيادتها، ونقل واحد منهم أن الهجوم أثار انتقادات بين أولئك الذين يعتقدون أنه اتخذ موقفًا عدوانيًا مبالغًا فيه تجاه إيران.

السبب الآخر هو تدهور صورة المملكة في الخارج، وتحديدًا غربيًا، والإشارة لها دومًا في المحافل الغربية بأنها وراء الأزمة الإنسانية الكُبرى في اليمن، وكذلك مقتل مئات الآلاف من المدنيين بسبب سياساتها التصعيدية، كما أنها فقدت كثيرًا من نفوذها في الشرق الأوسط لصالح منافسين آخرين لها، وتحديدًا تركيا وإيران، كما تشير دراسات بحثية.

ويتأكد المعنى ذاته في ضوء تصريح للسفير السعودي السابق في واشنطن، تركي بن فيصل، الذي اعترف في بداية نوفمبر في مقابلة مع موقع «المونيتور» الأمريكي، أن الدوافع الرئيسة وراء رغبة بلاده في المفاوضات اليمنية هو تصحيح صورتها، إذ أقر بتضرر سمعة بلاده، وقال «يبدو أن أحداثًا، مثل هجمات الـ11 من سبتمبر 2001، واغتيال جمال خاشقجي، تترك بصماتها الكالحة على المملكة، ونحن أول الناس الذين يعانون من ذلك».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى