ما بعد اتفاق الرياض.. الشرعية والانتقالي ما لهما وما عليهما

> د. سلوى مبارك*

> نناقش في هذا المقال مستجدات وتبعات هذا الاتفاق في إطار التشخيص والتحليل للاتفاق من منطلق كافة الأطراف الرئيسية كل على حده.

بفضل من الله ثم من العقلاء في جميع الأطراف المعنية في اتفاق الرياض: الشرعية والانتقالي والتحالف

تم الاتفاق الإيجابي لمحاولة إنهاء الحرب ووضع حد لإراقة الدماء اليمنية خلال الأزمة الأخيرة، ومنذ 2014 (بين الشرعية وأنصار الله)، وأيضا منذ 2017 بين الشرعية والانتقالي وإلى الآن.
ماذا سيحل باليمن بعد هذا الاتفاق؟
لقد نص اتفاق الرياض على حل المواضيع الآتية:

- إنهاء الحرب اليمنية.

- رأب الصدع والمشاركة في القرارات والمفاوضات الإستراتيجية في الداخل والخارج بين الشرعية والمجلس الانتقالي - المكون الرئيسي في الجنوب.

- ترتيب الأوضاع الأمنية وخاصة في الجنوب.

- إنشاء حكومة تكنوقراط باتفاق جميع الأطراف الشمالية والجنوبية مع تثبيت دعائم لوجستية للقطاعات والمؤسسات.

- الاستمرار بالحرب على الانقلابيين في المحافظات الشمالية (الحوثيين).

- أمور أخرى.

وذلك بالتشاور مع الأطراف الإيجابية الأخرى.

إزاء هذه الاتفاقية المشتركة لقيادة الشرعية وقيادة الانتقالي دعونا نناقش بشفافية ماذا سيحصل بعد هذا الاتفاق والذي نأمل أن تظهر إيجابياته على السطح سريعاً.
أولاً: من منطلق الحوثيين الانقلابيين
هناك صفات محددة لدى الحوثيين في إطارهم السياسي وسلوكهم المذهبي وعقليتهم الطائفية، وبإيجاز شديد كل ذلك يتمثل فيما يلي:

1 - يتوفر لدى الانقلابيين الحوثيين الدعم اللا محدود من دولة إيران الإسلامية في المال والسلاح والخبرات البشرية السياسية والفنية والعسكرية.

2 - إصرارهم على حكم اليمن في إطارهم السلالي يجعل منهم عناصر مستميتة في الحرب على كافة الطوائف الشمالية والجنوبية، ولن يسمحوا لأي شخصية جنوبية أن تحكم اليمن على الإطلاق.

حقيقة لقد أثبت الحوثيون قوتهم الأمنية والعسكرية وثباتهم في مواقعهم في كل الساحة الشمالية من اليمن (عدا مأرب والجوف) طوال هذه الأزمة، ولن تنتهي قوتهم الأمنية/ العسكرية إلا بضعف أو انهيار النظام الايراني فقط.
ثانياً: من منطلق التحالف العربي
أما من منطلق التحالف العربي وتحديدا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فهاتان الدولتان هما على اتفاق تام مرحليا على تمكين اليمن موحدا في أمنه وإعماره.

لقد قدمت كل من هاتين الدولتين مساعدات جمة لليمن أثناء حربه مع الحوثيين: من سلاح وغذاء وصحة ومؤونة وخاصة للقطاع الكهربائي، ولم يخلُ ذلك من بعض الأخطاء التي ارتكبت لبعض المواطنين اليمنيين المعارضين لهم، ولكن بالمقابل لهذا الدعم من التحالف احتفظ الأخير بحق اتخاذ بعض القرارات الاستراتيجية للأوضاع اليمنية، وأخضع مرات عديدة الشرعية بالتزام تلك القرارات، وعليه نرى أن القرارات الإستراتيجية في اتفاق الرياض كان بيد التحالف أكثر من في يد الشرعية والكثير منا نراها قرارات إيجابية رغم اختطافها من أصحابها (كما سنرى ذلك في التحليل القادم).

إزاء هذه الوضعية للتحالف واتخاذ القرارات الإستراتيجية من قبله فإن الواقع العملي يملي عليه ما يلي للنجاح في مهامه لرأب الصدع بين الشرعية والانتقالي بشكل متوازن:

1- إن استقرار البلاد حاليا تقع مسؤوليته على التحالف أكثر من أي طرف آخر، وتتحدد سياسيا واقتصاديا بالتالي:

أ - الدستور: إعادة النظر في تحديث الدستور بناء على الاتفاق الجديد وتطويره إلى أن يلائم المستجدات الإقليمية والدولية الأخيرة، وذلك باستخدام كبار المستشارين القانونيين من المحليين والأجانب.

ب - العمل على تقريب وجهات نظر جميع الأطراف اليمنية وتحديد الأهداف الهامة لاستقرار اليمن مرحليا مع الاعتبار لحل القضايا الجنوبية في إطار سفينة، وقضايا المناطق الشمالية في سفينة أخرى.

ج - تقوية العملة الوطنية: كونها مفتاح التنمية المستدامة والاستقرار والأمن والأمان في اليمن، ولذلك على التحالف أن يولي هذا الموضوع أقصى اهتمامه ويبدأ به.

ونقدم نصيحة خاصة للتحالف: إن نجاح المهام أعلاه مرهون بالتشاور مع عناصر محلية تتحلى بالاستقلالية والأمانة والمصداقية والشفافية والخبرات الطويلة، وحبذا أن يكونوا من ذوي الكفاءات المميزة، وهم موجودون في اليمن مثل "الماس في الكربون" ابحثوا عنهم ستجدوهم.
ثالثا: ماذا يعني الاتفاق من منطلق الشعرية؟
طوال فترة الأزمة في البلاد اتسمت إدارتها للأسف بالضعف والفساد.. على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرها تعاقبت عدة حكومات للشرعية لم تستطع أي منها النجاح في أي شيء، وخاصة في البنية التحتية، وباختصار كل إنجازات الشرعية كان متسما بالفساد وضعف العملة الوطنية حتى وصل سعرها 800 ريال للدولار خلال الأزمة، ولذلك تسبب ضعف العملة بغلاء الأسعار للمواد الاستهلاكية وعانى المواطن العادي كثيرا في عيشه وأمنه وفي أمور شتى.

كل ذلك نجم عن عدم الاستقرار الأمني في كل ربوع البلاد، وفشلت الشرعية فشلا كبيرا في إدارة البلاد بصورة بناءة وتوج التحالف اتفاق الرياض.

لتحريك الأمور نحو الأفضل بإشراك المجلس الانتقالي الذي يطمح لفصل الجنوب من اليمن الموحد وإدارته بنفسه، لذلك جاء اتفاق الرياض لرأب الصدع بين الشرعية والانتقالي على أن يدار اليمن الموحد من الطرفين، وتساهم المشاركة السياسية في التخلص من الفساد واعتماد معيار الكفاءة عوضا عن الولاءات ونحن نقول "لعل وعسى".

من المؤكد أن الشرعية تستطيع أن تنهض من تخاذلها للشعب وتقدم بتصفية الشوائب فيها، ولن يتأنى لها ذلك إلا بالتالي:

أ - اختيار العناصر الإيجابية في الأحزاب اليمنية التي تحتضنها وترمي إلى الخارج كافة العناصر المؤذية للمواطن، وخاصة الإرهابيين منهم، وبمقدورها عمل ذلك إذا أرادت.

ب - بما أنها تعرف البلاد والعباد من السهل عليها اختيار العناصر ذات الكفاءة في جميع المجالات، وخاصة القانونية والسياسية والاقتصادية والإدارية.

ج - إن اللجنة الاقتصادية هي مفتاح التنمية المستدامة، ولذلك من الواجب على الشرعية تحديد العناصر الملائمة بمهام اللجنة، ما لم سيستمر استشراء الفساد والفوضى في المجالين السياسي والاقتصادي.
 رابعاً: اتفاق الرياض من منطلق الانتقالي
يمثل هذا الاتفاق للمجلس الانتقالي أولى خطوات نجاحه.. مبروك.. ولكنه هذا النجاح غالبا لن يدوم..

لا شك أن المجلس الانتقالي يدرك تماما التحديات الكبيرة أمامه، وأتمنى ألا تلهيه عن ذلك نشوة النصر في المشاركة في اتخاذ القرارات الإستراتيجية مع الشرعية.. ومن المهام الموكلة إليه ما يلي:

أ- إعادة هيكلة المجلس في إطاره وعناصر بناء على الكفاءات وليس الولاءات.

ب - التركيز على التنمية العامة من أسفل الهرم ومن مواقع الثروات الطبيعية، ولذلك على الانتقالي إقناع الشرعية بتعديل المديريات عددا ومساحة.

ج - التفكير الجدي في بناء الجسور التنسيقية مع المكونات الجنوبية.

د - تشكيل لجان قطاعية في المديريات، وخاصة للبنية التحتية في قطاعي الماء والكهرباء.

هـ - أخرى.

* رئيس مركز السار للدراسات الإستراتيجية والتنمية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى