حمائم السلام وحصار تعز

> حمائم كثيرة للسلام أطلقت إلى بلاد اليمن السعيد، أرض الجنتين شمالاً عن يمين، ضننا من سادتها ورعاتها أنها ستحظى بقبول حسن لدى أولئك القوم من البشر، لما عرفوا به قديماً من سماحة وكرم. ومن كثرة ما تردد عنهم، حول ما يتصفون به من حكمة وعطف ورحمة، كشعب يقطن جنوب الجزيرة العربية، أرض حضارات سبأ وحمير، الأرض التي تجلى فيها وخرج منها رجال بواسل حملوا على عاتقهم نشر راية الإسلام، أكان بالسلم أو بالسيف في مشارق الأرض إلى مغاربها.

وللمراد لتلك الحمائم هو حمل رسالة غصن المحبة والسلام، إلى معشر اليمانيين جميعاً، وللتخلي عما بأيديهم من وسائل هدم وعنف، وليتركوا مجالاً لصوت العقل استجابة للضمير الإنساني وتلبية لمتطلبات العصر الحديث، الذي يكاد يسلم فيه الناس جميعاً بعدم الجدوى من عنصر القوة والغلبة وفرض سياسة الأمر الواقع كمبدأ ساد لعصور خلت.

وكذلك ولتذكيرهم بصراعات بعض المجتمعات والأمم والتي لم يحسم أمرها طرف ما على طرف آخر حتى اقتنعت في الأخير بالعودة للحوار والتوافق، لإيجاد قواسم مشتركة في ما بينها ضمن مبدأ (لا ضرر ولا ضرار)، وهذا لم يكن بإمكانها بلوغه إلا من بعد وصولها لطريق مسدود، ومنذ أن مضت وجربت سنين من الحرب والفشل، وقتها لتعلم علم اليقين أن المنتصر فيه دائما خسران، وعندها أحست بضرورة مغادرة ذلك المنزلق الوخم، وأنه لا مناص من الاحتكام للعقل والمنطق.

من هذه الحمائم واحدة حملت عن طريق بن عمر وأخرى حملت عن طريق ولد الشيخ، وما أن تبدت كل منهما تجوب في سماء هذا البلد وعلى فترتين متعاقبتين متنقلة من مكان وإلى آخر محاولة إهداء غصنها الندي إلى جميع اليمنين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم حتى سقط في لحظة يأس وإحباط منها، على وقع ضربات رياح الصراع العاتية، هكذا لتحط المسكينتان رحالهما أخرا، الأولى تتبعها الثانية، ومن بعد ما أرهقهما التعب وطول الترحال، عادتا من حيث أتت مخذولتين وعاجزتين لا تقويان على الطيران.

وتأتي حمامة أخرى تجوب مفعمة بالنشاط والحرارة، حملت عن طريق (مارثن جريفثس) لتفرد جناحيها محلقة في سماء هذا البلد المكلوم والمغلوب على أمره، وما أن تبدت هي الأخرى للناظرين محملة بغصن جديد متفرع للأمن والسلام. غصن كما بدا أيضاً لا يهمل العصر الحالي بكل تفاصيله المتسعة والمتشعبة، فقط ما يميزها عن سابقاتها هو أنها تستطيع أن تمحو، وبكل اتقان، عن ملامح وقسمات وجهها تجاعيد الحزن ومظاهر الألم والامتعاض، وذلك على خلفية ما تسوقه وتروج له من تباشير لقرب ساعة الفرج، ومن ذلك القبيل من تلك التطمينات الموجهة للشارع مفادها أن الجميع يتصرف بمسؤولية ومذعن لوضع حد لهذه الحرب العبثية، ولكن إلى الآن الكل لا يلمس أي نوع من التمكين لتلك الحمامة، وإلى يومنا هذا، وما قطعته من شوط يبدو متعثراً بين كماشة تمرير أجندات للجانبين فقط لا غير، بل حتى عجزت عن إلزام الأطراف على ضرورة البدء بتنفيذ إجراءات تبادل الثقة في ما بينهم ومن أبرزها: تحرير الأسرى وفك الحصار عن معظم نواحي تعز، المحافظة التي بلغت من المعاناة أيما مبلغ فقد وصل سعر الدبة البترول والديزل فيها إلى ما يقارب الخمسة والعشرون ألف ريال، قادمة إليها من مناطق الجنوب وعن طريق التهريب ما حدا بكثير من تجار الجشع لبناء محطات بترولية على الحدود وفي مناطق نائية على مرتفعات الجبال الوعرة تكاد تكون الواصلات فيها وإليها شبه منعدمه أو بنسبه لا تذكر، فخدمتها فقط لغرض التهريب. وهذا لم يكن في متناول اليد يوماً لهم إلا بفعل حصار تعز.

ولذلك الكل متخوف أن يسقط الغصن عن حمامة جريفيثس، كما سقط على سابقتها من حمائم المبعوثين السابقين، ما يعني ذلك لو قدر له السقوط ليس إلا بمزيد من الفشل يضاف على فشل ودمار وخراب وبمزيد من المصائب والمآسي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى