معرقلو اتفاق الرياض يعبثون بسمعة السعودية وأمن عدن

> «الأيام» تحليل خاص

> وهي تتهيأ لاستحقاقات اتفاق الرياض، شهدت العاصمة عدن، خلال أسبوع واحد، سبع جرائم اغتيال طالت كوادر عسكرية وقيادات في الحزام الأمني والبحث الجنائي، ما يدفع بالمراقبين إلى الربط بين استحقاقات المدينة وما يُفترض أن تشهده من استقرار أمني وتحسن في الخدمات وبين أهداف المستفيدين من عرقلة هذه الاستحقاقات.

اتفاق الرياض جعل من الطرف الجنوبي شريكاً أساسياً في السلطة بعد سنوات من الهيمنة والسيطرة الشمالية على مفاصل الحكم والاستئثار بثروات الجنوب ومقدراته، ما يعني أن قوى النفوذ في حكومة الشرعية اليمنية ومراكز القوى القبلية داخلها استشعرت مخاطر جمة تحيط بتفردها بالسلطة، واستشعرت أن القرار لن يكون بيدها وحدها، وأن اتفاق الرياض أعاد الجنوب لأبنائه، ولن يكون بعد التنفيذ مرتعاً للفيد والغنيمة التي تقتات منها قوى الشمال الحزبية والقبلية وفي مقدمتها حزب الإصلاح.

مخاوف الطرف الشمالي من "استحقاقات" عدن والجنوب عامة تجاوزت مسألة رفض الشراكة مع الجنوبيين والعمل للتحايل عليها إلى أبعد من ذلك، في بُعد إستراتيجي يتوقع، وربما يتيقن، أن إعطاء الجنوب وقواه السياسية مساحة من الشراكة في السياسة والاقتصاد والجيش والأمن هو الخطوة الأولى للانفصال واستعادة الدولة الجنوبية، لاسيما أن ذلك مشروع واضح وعلني لكافة القوى السياسية الجنوبية العاملة على الأرض.

رسم توضيحي لعمليات الاغتيال بعدن
رسم توضيحي لعمليات الاغتيال بعدن

رفض الشراكة وتوقعات ما بعدها أسباب منطقية لدى الطرف الشمالي ليعرقل اتفاق الرياض ويحافظ على نفوذه وسطوته في الجنوب، كما أنه سبب رئيس لتحريك الهيمنة الشمالية للعمل على وأد الاتفاق ومنع عدن والجنوب عامة من الحصول على استحقاقاتها، ولعل الانفلات الأمني في عدن واغتيال الكوادر العسكرية الجنوبية واحدة من الأزمات التي يفتعلها المتضرر من "الاستحقاقات" أملاً في إفشال الاتفاق الموقع.

في مسألة انفصال الجنوب أو استعادة كيان جنوبي مستقل ولو في إطار الدولة اليمنية الواحدة.. لم يعد هاجسا يقلق حزب الإصلاح اليمني وحده، بل هو استحقاق تعاديه كل الأطياف الشمالية، وعنده يجتمع الأعداء من صعدة إلى تعز ومن مأرب إلى الحديدة صفاً واحداً ضد أي كيان جنوبي سيكون شريكاً أو صاحب قرار.

رفض اتفاق الرياض رسمياً أو صراحة سيدخل الشرعية وأطرافها ضمن المعرقلين وسيدفع دول التحالف العربي إلى اتخاذ موقف صريح من الوضع في اليمن، ترى الشرعية أن تبعات هذا الموقف قد ترجح كفة الطرف الجنوبي وتدعم مشروعه في استعادة دولته، ما دفع الشرعية اليمنية إلى رفض الاتفاق بطرق ملتوية وأساليب لا تختلف كثيراً عما استخدمته في الحوار الوطني قبل خمس سنوات واوصل البلاد إلى حرب أهلية وإقليمية.

تشويه الوضع في عدن وافتعال الأزمة في هذا التوقيت بالذات، لا مناص، هو بفعل مخطط تنفذه أدوات تعمل بإشراف الشرعية اليمنية والأحزاب النافذة فيها كحزب الإصلاح الذي يمتلك قاعدة ضخمة من المتشددين والإرهابيين الذين زرعهم الحزب وجندهم لتنفيذ مهمات وقت الحاجة، ولعل هذه الأيام في الجنوب هي "أوقات حاجة" لتفعيل الجماعات الإرهابية وتحريك الخلايا النائمة وتكليفها بمهمات من شأنها أن تمنع "الاستحقاقات"، من ناحية، وتعمل على تصفية الرؤوس والكوادر الجنوبية على غرار الاغتيالات السياسية والتصفيات التي سبقت حرب احتلال الجنوب في العام 1994م من ناحية أخرى.

بطء التحالف العربي والعمل بسياسة النفس الطويل إزاء هذا الوضع والتعامل مع المعرقلين بمداراة ومراضاة الطرفين سيزيد لا محالة من تمادي الرافضين للاتفاق بتحريك خلاياهم واستخدام أدواتهم وإمكاناتهم في إغراق الجنوب بالإرهاب والفوضى، سعياً إلى إدخال الجنوب في فراغ سياسي يتعذر معه تنفيذ اتفاق الرياض، وهو الهدف الذي تريد القوى المحركة للإرهاب تنفيذه.. ومع هذا الوضع سيخسر التحالف العربي والسعودية على وجه التحديد رصيدها في الجنوب وتهدد علاقتها بالمقاتل الجنوبي الذي كان يأمل منها احترام تضحياته على حدودها.

كان الكاسب الأكبر "سياسياً" من اتفاق الرياض هو المملكة العربية السعودية التي تسعى للعودة إلى مسارها التاريخي كمحكم للنزاعات والخروج من حرب اليمن، وهو ما كان مأمولاً من اتفاق الرياض والحوار مع الحوثيين الذي يجري الآن، لكن معرقلي اتفاق الرياض سيحولون مكاسب السعودية إلى كارثة سياسية داخل اليمن وخارجها، فسمعة المملكة هي ما يعبث به معرقلو اتفاق الرياض وهم يسعون إلى التحكم بمن خرج عن سيطرتهم على الأرض.

السعودية كقائد للتحالف العربي مطلوب منها موقف حاسم من الانفلات في عدن ومن أسبابه التي لا شك أن عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض هو أهمها.. مطلوب من السعودية جهد متسارع وضغط حقيقي على كل الأطراف لتنفيذ الاتفاق وفقاً لتراتيبه الزمنية وآليته الموقع عليها في الرياض بعيداً عن الانتقائية والتفسير المغلوط والتمويه والتسويف.. والبداية هي بتنفيذ استحقاقات الثلاثين يوماً الأولى المنصوص عليها بالاتفاق ليتلمس الشارع جدية المملكة من عدمها.. وإلا فلتستعد المملكة للغرق في مستنقع الساسة اليمنيين المتواجدين في الرياض الذين لم يحققوا شيئاً على الأرض طوال الخمس السنوات الماضية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى