حمى الضنك تحاصر الحديدة والأطفال وكبار السن يحتلون النسبة الأعلى بين الوفيات

> 95 حالة وفاة ومئات الاصابات في مديرية الجراحي لوحدها

> تقرير/ خاص
يواصل وباء حمى الضنك حصده لأرواح أبناء قرى ومدن محافظة الحديدة وسط تجاهل وصمت مطبق من قِبل قوت الحوثي الانقلابية المسيطرة على الكثير من مناطق المدينة، وغياب تام للمنظمات الدولية والمحلية.

الوحدة الصحية بالجراحي الحديدة
الوحدة الصحية بالجراحي الحديدة

وفتك هذا الوباء بنحو 95 مواطناً في مديرية الجراحي وحدها غالبيتهم أطفال وكبار السن فيما بلغ عدد المصابين فيها بالآلاف، حسب تصريحات جهات معنية في المديرية.
وضع صحي متردٍ
وقال المواطن محمد عكبو: "نعاني في هذه المديرية كثيراً، نتيجة لعدم تأدية موظفي الصحة لمهامهم لتفرغهم للعمل في عياداتهم الخاصة".

وأكد الناشط الحقوقي محمد عبرة ما قاله عكبو، وأضاف: "الوضع الصحي متردٍ جداً، ويفتقر للكثير من الأشياء الضرورية كالمختبرات للمراكز والوحدات الصحية في الأرياف والاختصاصيين في هذا المجال، فضلاً عن افتقارها للأطباء والعلاجات المجانية، وجهاز فحص الوظائف وجهاز CBC، وغرفة عمليات".

وحدة صحية
وحدة صحية

وتابع حديثه لـ«الأيام» قائلاً: "أيضاً تحتاج بعض الوحدات الصحية إلى توسعة في المبنى لتشمل أقسام المختبر والصيدلة والعيادة، كما نحتاج إلى مستشفى حكومي مزود بجميع الأجهزة والمعدات والاختصاصيين".

وأوضح عبرة أن عدد الوفيات المسجلة في الكشوفات الرسمية والبالغة 95 في المديرية بسبب حمى الضنك هي الواصلة للمرافق الحكومية فقط، مؤكداً بأن العدد مضاعف لعدم مقدرة الأهالي من إسعاف مرضاهم نتيجة الفقر وانعدام المواصلات لوقوع الكثير منهم في مناطق ريفية.

فيما وصف المواطن إبراهيم حدبان الوضع الصحي بـ "الكارثي"، نتيجة لاجتياح الوباء للمديرية قبل شهر.

وقال: "معاناة كثيرة أبرزها عدم وجود خدمة الكهرباء، وكوادر طبية متخصصة والتي من شأنها أن تحد من انتشار هذه الأمراض المعدية، ناهيك عن الحصار الذي نمر به منذ سنوات"، مشيراً إلى أن "المديرية باتت بحاجة ماسة لدعم الحكومة والمنظمات الإنسانية العاملة في البلاد لإنقاذ أبناء الجراحي مما هم فيه من أمراض وأوبئة منتشرة".
الأطفال أبرز الضحايا
ويؤكد لـ«الأيام» الطبيب مسعد علي بأن عدد الوفيات تجاوز 90 شخصا معظمهم من الأطفال وكبار السن نتيجة لمعاناتهم من سوء التغذية.

حمى الضنك تحاصر الحديدة والأطفال وكبار السن يحتلون النسبة الأعلى بين الوفيات
حمى الضنك تحاصر الحديدة والأطفال وكبار السن يحتلون النسبة الأعلى بين الوفيات

وتابع قائلاً: "المديرية تنتشر فيها الطبقة المسحوقة من الفقر، ومعظم القرى فيها تحتاج إلى الخدمات العامة كالطرقات والكهرباء وعمال النظافة ومشاريع المياه والتي ستمكنهم في حال توفرها من مكافحة هذه الأمراض التي تقتلهم، وتفتقر إلى أشخاص عندهم أمانة، حيث الخدمات الصحية تعاني بسبب عدم الشعور بالمسؤولية".

طفل يعاني من سوء التغذية
طفل يعاني من سوء التغذية

ويضيف سليمان عذابو: "الجراحي أصبحت مكانا موبوءا بالملاريا وحمى الضنك، والمؤسف أننا لم نجد أي تدخل من الجهات المسؤولة لمكافحة هذه الأمراض أو توفير علاجات خاصة بها في المستشفى والمراكز الصحية".

ولفت عذابو في حديثه لـ«الأيام» إلى أن أبناء المديرية والمحافظة يموتون من الأوبئة فيما وقف المسؤولون موقف المتفرج.


الأعداد في تزايد
من جهته قال لـ«الأيام» مصدر مسؤول بمكتب الصحة في المديرية فضل عدم ذكر اسمه: "وصل عدد الوفيات حتى اليوم بحمى الضنك 95 حالة وفاة معظمهم من الأطفال، وأكثر من 800 حالة مصابة بحمى الضنك والملاريا وماتزال الأعداد في تزايد"، مطالباً بضرورة تنفيذ حملة توعية للأهالي بضرورة التخلص من أماكن تكاثر البعوض الناقل للمرض متزامنة مع العلاج ومكافحة البعوض.

وأضاف: "ولكي تكون هذه الحلمة ناجحة يتوجب على جميع المتطوعين والمتطوعات بهذا الخصوص أن يبذلوا جهداً كبيراً في تثقيف الأهالي بشكل أفضل حول كيفية تجنب هذه الأوبئة والخلاص منها".


المواطنان حيدرة بكر وتوهيب عبده أكدا لـ«الأيام» أن المديرية أضحت منكوبة في ظل وضع صحي متدهوري وغياب تام لدور الجهات ذات العلاقة في متابعة العمل في المراكز الصحية في المديرية.

واعاد المواطنان الأسباب وراء توسع هذا الوباء إلى انتشار القمامة في الشوارع والأزقة في المديرية نتيجة لافتقارها لبراميل النظافة.
نداءات ولا مجيب
من جهته حمّل د. محمد مكعبب قوات الحوثي السبب الرئيس وراء انتشار هذه الأوبئة في المحافظة.

وقال في حديثه لـ«الأيام»: "أطلقنا عدة نداءات حينما شاهدنا انتشارا كبيراً للبعوض مع تزايد عدد المصابين بالملاريا، ولكن نتيجة لتجاهل قوات الحوثي باعتبارها المسيطرة أو ما يعرف بسلطة أمر الواقع تحول هذا المرض إلى وباء مع انتشار حمى الضنك التي أدت إلى وفاة 95، وهذا العدد ما تم رصده فقط، فهناك الكثير لم يتم رصدها لاسيما في المناطق الريفية".

وأرجع مكعبب بعض الأسباب وراء ارتفاع الوفيات في صفوف الأطفال إلى زيادة درجة الحرارة والتشخيص الخاطئ من قبل للمرض.
بيئة مساعدة
"البعوض هو من ينقل هذه الأمراض، ومحاربته يعني الخلاص من الملاريا وحمى الضنك"، بهذه العبارة لخصت أم زكريا المشكلة وحلها.


وأم زكريا تعيش في منزل شعبي في أحد أحياء المدينة، وتضيف لـ«الأيام»: "أسكن مثل كثير من المواطنين في منازل أغلبها شعبية، ولهذا تعد ساحة للبعوض المسبب لهذه الأمراض خصوصاً أن السكان اعتادوا على رش الأحواش الترابية بالماء بهدف تلطيف الجو وتثبيت التربة التي تطيرها الريح أو الهواء، ونظرا للرطوبة تضحى أماكن خاصة لتكاثر البعوض".

ويجد الأهالي صعوبة كبيرة في محاربتها لكون المحافظة منطقة حارة تتسم طبيعة.

فيما يقول محمد سنان، وهو مواطن من حي زايد بالمدينة: "سكان المدن الباردة يستطيعون إغلاق أبواب ونوافذ منازلهم لمنع دخول البعوض إليهم، وهو ما لم نقدر عليه لطبيعة الجو الحار في المحافظة".

وتنتشر في بعض الأحياء المستنقعات أمام المنازل وفي ساحاتها إذا كانت شعبية، وكذلك تواجد الأوعية التي بات السكان يحتفظون بالماء للاحتياط خصوصا بسبب استمرار انقطاع الماء في كثير من شوارع وأحياء المدينة، وتحولت هذه الأوعية المكشوفة في المنازل لأماكن أخرى لتكيف البعوض وتكاثره وكذلك المستنقعات والمياه الراكدة في أزقة الحارات.


كما أن استمرار غياب تيار الكهرباء يعد سبباً رئيسيا لتفشي هذه الأمراض، حيث كان السكان يعتمدون على المراوح والبقاء داخل المنازل والنوم في الغرف قبل أن يجبروا على مغادرتها إلى أسطح وأحواش منازلهم، الأمر الذي جعلهم معرضين للبعوض.
مرض وفقر
ونظراً للظروف المعيشية التي تعصف بالسكان في المحافظة فإن السكان يجدون صعوبة في شراء الأدوية، خصوصا مع اتساع رقعة الفقر جراء الحرب التي فاقمت من معاناة السكان وازدياد الجوع والمجاعة.

ظروف غالبية السكان في هذه المدينة جعلتهم عاجزين عن العلاج والذهاب للمراكز الطبية، نتيجة لعجزهم توفير المال.

كما أن ارتفاع أسعار الأدوية خصوصا في سنوات الحرب جعلت السكان يستسلمون لهذه الأمراض، وهو ما يراه ناشطون سببا في ارتفاع نسبة الوفيات جراء الأمراض الفتاكة التي تشهدها المحافظة.
طرق مكافحة تشكل خطرا عليهم
وتؤكد سناء مهيوب، وهي معلمة في إحدى المدارس الحكومية، أن سكان الحديدة باتوا بين شبح الأمراض التي تسببها البعوض وخطر طُرق مكافحتها، وتضيف: "أشاهد الأدخنة تتصاعد من أسطح وأحواش المنازل، وحين أبحث عن سبب تصاعدها أجدها طريقة بعض السكان لمطاردة البعوض، وهي إشعال النيران في الكراتين خصوصا كارتين أطباق البيض، الأمر الذي يتسبب لهم في المقابل باختناقات وأمراض في الجهاز التنفسي".

فيما اعتاد آخرون في مكافحة البعوض إحراق أقراص حلزونية تباع في الأسواق تترك في زاوية الغرف أثناء النوم لمطاردة البعوض.

كما كان يعتمد السكان أيضا على أجهزة تترك على فيش الكهرباء تصدر ضوءا يقال إنها تمنع دخول البعوض إلى المنازل، لكن مع انقطاع الكهرباء توفق استخدامها واعتمد الغالبية على الأدخنة.

وعلى الرغم من تحذيرات الأطباء من خطورة هذه الأدخنة المسببة لأمراض خطيرة وخبيثة إلا أن السكان ما زالوا يستخدمونها متجاهلين في ذلك المخاطر الصحية التي قد يتعرضون لها.
الوقاية والمكافحة
إن الطريقة الوحيدة المناسبة لمكافحة فيروس حمى الضنك أو الوقاية منه هي مكافحة البعوض الناقل من خلال منع البعوض من الوصول إلى موائل وضع البيوض اعتماداً على تدابير إدارة البيئة وتعديلها، وكذا التخلص من النفايات الصلبة على النحو المناسب وإزالة الموائل التي يصنعها الإنسان، وتغطية حاويات تخزين المياه المنزلية، وتفريغها، وتنظيفها أسبوعيا، واستخدام المبيدات الحشرية المناسبة في الحاويات الخارجية لتخزين المياه، وكذا استعمال تدابير الوقاية المنزلية الشخصية مثل سواتر النوافذ، والملابس طويلة الأكمام، والمواد المعالجة بالمبيدات، والنهوض بالمشاركة والتعبئة المجتمعية للمكافحة المتواصلة للنواقل.


ويمكن أن يخفض الكشف المبكر الدقيق عن المرضى المصابين بحمى الضنك وتدبيرهم العلاجي السريري تخفيضاً شديداً لمعدلات الوفيات الناجمة عن الحمى.

وحمى الضنك هي عدوى فيروسية ينقلها البعوض تؤدي إلى مرض شبيه بالأنفلونزا، ويتفاقم أحياناً ليغدو مرضاً قاتلاً محتملاً يُطلق عليه اسم حمى الضنك.

أعراض المرض: صداع حاد، وألم خلف العيون، وآلام العضلات والمفاصل، والغثيان، والقيء، وانتفاخ الغدد، والطفح.

ومع دخول فصل الشتاء من كل عام في الحديدة تبسط البعوض سيطرتها على المحافظة، لكن هذا العام الأمر مختلف كثيراً، حسب سكان المدينة، معيدين الأمر في ذلك لتساقط الأمطار والتي تسببت بانتشار كبير للبعوض بشكل مبكر وغير مسبوق، متسببة في تفشي مرض حمى الضنك والملاريا، والذين باتت تكتظ بهم المستشفيات والمراكز الصحية في ظل صمت من الجهات المعنية ودور خجول من المنظمات ذات العلاقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى