قراءة إستراتيجية جديدة للوضع في اليمن

> د. باسم المذحجي

> لقد استلهمت التحليل الإستراتيجي لفكرة الموضوع من كتاب شهير يسمى «في انتظار وطن» للكاتب الصحافي المصري محمد علي خير، وتزامن ذلك مع تصفحي لأبيات شعرية لكتاب «وطن يعاقر الانتظار» للشاعرة التونسية فاطمة الشريف، هدفي من تناول هذا الموضوع هو تقديم سؤال بسيط جدا وهام وهو: من الذي باع وطن اسمه اليمن؟ والبيعة تشمل كل شيء من تدمير، وتخريب، وتعطيل، وبيع وشراء كل شيء في اليمن من الأمن والاستقرار حتى الثروة والاستثمار والتنمية الصناعية، والمشاريع الإستراتيجية. لماذا باتت عائداتنا النفطية تحمل الرقم صفر؟ وفي المقابل، لماذا توقفت أعمال حفر وإنتاج النفط من القطاعات المفتوحة؟ لماذا يراد عدم إنتاج أي كميات نفطية من القطاعات البحرية المكتشفة؟

ماذا عن مركز الموانئ الدولي والخدمات اللوجستية في ساحل ذوباب في مديرية المندب؟ وقد تحول منفذ لتهريب السلاح، والممنوعات والهجرة غير الشرعية. لماذا إذلال المواطن اليمني والشعب اليمني هو العنوان الأبرز والسمة الحاصلة التي ترافق كل أبناء اليمن؟ لن تجد التحليلات الدقيقة والصائبة طريقها إلى النور لنفهم مشكلتنا اليمنية بدقة، ما لم نقوم بمراجعة أنفسنا نحن اليمنيين، والتوقف عن ممارسة المزيد من البيعات، والتنكيلات، والجرائم بحق وطننا اليمن. مع الأسف الشديد ما يزال البعض يستدعي مزيد من الدماء بالدماء التي تسبب بها، أو سفكها، وما يزال يفكر بعقلية الفيد، والقتل والسلاح، والضرب بالحديد والنار، ولا يفكر بعقلية المنطق، والدولة المدنية، والمصلحة الجماعية التي يتساوى فيها الجميع، ويتسابقون على تطوير البلد بدلًا من هدمه. بالفعل ما نزال في دوامة الأسئلة التي تختلف طريقة إجابتها بناء الأيديولوجية التي تديرها، أو الأطراف التي تمولها لنجد كل إجاباتنا غارقة حتى الثمالة في مستنقع العمالة، ولا تمت للوطنية بذرة وطنية، أو نسمة كرامة وحيدة تجعل من وطننا فوق كل الاعتبارات. وقبل أن نسأل أنفسنا نحن اليمنيين: لماذا لا نجد في اليمن رخاءً وسؤددًا كمثيلتها من دول الجوار والعالم؟ نحن في انتظار وطن اسمه اليمن، لكن قبل أن نحاسب المجرم على جرائمه فلنحاسب نحن اليمنيين المناخ الذي أوجده.
اليمن وطن في الانتظار
النظام الحاكم في اليمن يمكن استنباط ميكانيزماته من الكتل البرلمانية، والتي لا تختلف في الشمال اليمني أو الجنوب العربي، فالمؤتمر الشعبي العام، وحزب التجمع اليمني للإصلاح هما قوى الهيمنة المؤسساتية الفعلية والحاكمة منذ حرب صيف 1994 إلى ما قبل انقلاب 21 سبتمبر 2014، لتكون لدينا محصلة استبداد سياسي وتهميش للعامة تعقبها مرحلة التأطير السياسي الكذوب التي وصلت إليها اليمن في عهد الحوثية، وكلها في المجمل تأخذ عنوانا فضاضا يسمى الديمقراطية المستبدة في اليمن، وبذلك تكون اليمن ولجت مستقبلًا مظلمًا وغامضًا في نهاية 2019 وبدايات 2020.

حركة أنصار الله الحوثية كانت تدرك بأن الاستيلاء على السلطة في اليمن لا يقتصر فيه الأمر على مصلحة البيوتات التجارية مع قوى المشيخ السياسي والإسلام السياسي والطامحين بالموقع الأول في السلطة من كبارات ضباط الجيش، بل لابد، وفيه يتم نزع صاعق القبيلة الدينية، والحزبية، وجعلهما خارج الجهوزية، والفاعلية، وفقدان تام للتحكم وإدارة المشهد اليمني، وهذا ما نسميه بألف باء الصندوق الأسود للحوثيين للتحكم في المشهد اليمني العام.

الجميع في اليمن يبحث عن إجابة لسؤال مقتضب لا يكاد يتجاوز بضعة كلمات يعبر عنه بما هو السر الذي جعل جماعة الحوثي تطبق على قبائل طوق صنعاء، أو بكلمات أخرى، كيف خنعت القبيلة اليمنية، وبلعت لسانها في مواجهة جماعة الحوثي، بالرغم من أن شيوخ القبيلة في اليمن يمتلكون من الدهاء والمكر بحيث لا يمكن لأي كان بأن يتجاوزها ويتخطى أعراف مشايخها.

سأكتفي بسرد جزء من هذا الدهاء كمثال بسيط يتم تسليط الضوء عليه، وذلك عندما اصطدمت بالدور التصحيحي للشهيد الرئيس الحمدي، وأخص بالذكر الشيخ القبلي عبد الله بن حسين الأحمر – رحمه الله – عندما اجتمع بزعماء مشايخ اليمن، وقالها صراحة بأن الرئيس الحمدي خارج عن الملة ومفارق للجماعة نظرًا للانفتاح الحضاري، والذي بدأت تشهده اليمن في شتى المجالات، ومما لا شك فيه أن الكثير من اليمنيين الذين قرأوا عن – وسمعوا، وعاصروا – حقبة الشهيد الرئيس الحمدي يدركون أيما إدراك ما رمى إليه زعيم قبيلة حاشد في فكر ودهاء تأليب القبيلة على الحمدي، وتعد تلك الحقبة هي الولادة الحقيقية غير الشرعية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.

بالرجوع لموضوعنا، فالفكرة يمكن إيصالها ببساطة باسترجاع أحداث 2 ديسمبر2017 التي قادها الزعيم الراحل علي عبد الله صالح، وقبلها من احتفالية الحوثية بالمولد النبوي، لتتبع باحتفالية مهولة لأنصار الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في ميدان السبعين، ومعها يدق ناقوس الخطر في وجة الحركة الحوثية من تجمهر القبيلة، واحتشادها دعمًا وإسنادًا للزعيم الراحل علي عبد الله صالح.

يبدو بأن الإجابة باتت جاهزة إذا فهمنا بأن دهاء القبيلة لما يسعفها في لعبة التورية أمام الحوثية، فقد قدم كل زعيم قبيلة ولده ليقاتل في الجبهات مع الحوثية، وبذلك ضمنت الحوثية ولاءها بصورة ظاهرية، لكن مع صدور النداء الذي أطلقه علي عبد الله صالح لزعماء القبائل بأن تنتفض كانت الطامة الكبرى بأن بعثت جماعة الحوثي برسائلها لكل زعيم قبلي بأن ولده ليس في الجبهات كما كنت تتوهم، وفي مكان آمن، وإنما رهينة في معتقلها الميليشياوي، ولك الخيار إما الخنوع وعدم تلبية نداء الزعيم، أو فولدك ستطير رأسه، وهكذا نكون أمطنا اللثام عن الصندوق الأسود للحوثية، وهي القبيلة التي كبلت بالأغلال المعنوية، والنفسية، والمادية، ولم تعد زعاماتها قادرة على إحداث أي خرق في بنية الحوثية، بالرغم أنها الأداة الوحيدة التي كانت قادرة ذات يوم على ضرب الميليشياوية الحوثية في أوساط المجتمع اليمني.
قراءة إستراتيجية جديدة
تكاد تكون اليمن كساحة الايجو، والتي من خلاله يقود كل هذه الجموع اليمنية أحيانًا كثيرة باسم الدين، والتدين، وآل البيت، والتشدد الديني، والحرية، والحلال والحرام، والعداء لليهود والنصارى، وغير ذلكم من الأهداف المشبوهة، وغير المنطقية، والشماعات التي لا تحقق بيئة استقرار، وتنمية، بل تم تفريخ الشعارات المؤدلجة، والتي تماشت مع موجات سائدة في اليسار، والاشتراكية، ومحاربة الرأسمالية، والإمبريالية، ثم تحوّلت نحو ما أُطلق عليه «محور المقاومة والممانعة»، والادعاء بمواجهة المشاريع الصهيونية في منطقتنا العربية الشرق أوسطية، واستغلال ذلك في السيطرة على مقدرات الشعوب الإستراتيجية وتكريس تخلفها.

بالفعل فكلها بالونات للضحك على الناس بما في ذلك ثورات التغيير، فهي ثورات سياسية لتحقيق أهداف سياسية للوصول للسلطة تدار من وراء البحار، ولم تكن قط أهدافًا شعبية وطنية، فلو كانت لدينا بدايات شعبية لكانت النهايات شعبية، والمحددات للخلافات والتباينات هي أهداف وطنية، وليست أجندات حزبية وإقليمية عابرة للحدود.

الذي يجب أن يفهم، ويتم قراءته واستيعابه بشكل جيد بأن الأهداف الوطنية والشعبية النبيلة لا يمكن لها أن تنحدر بنا إلى نيران الحروب الأهلية التي تحدث تمزقات اجتماعيّة أهلية، تفضي إلى الانحدار نحو الحضيض والتناحر، والتوحّش وتراجع الإخوة اليمنية إلى الوراء على مستوى الأفكار والسلوك فتطفو على سطح الخطابات الدينية، والسياسية، والممارسات الفرديّة والجماعيّة لدى الأطراف المتصارعة بكل أنواع الوسخ والخرف التاريخي المكبوت المتواري خلف العتاهة والنساوة، والأقنعة المزيفة، وأطقم الكلام البرّاق عن المبادئ والقيم، والأخلاق والحداثة، والمواطنة، والديمقراطيّة، وتطوير البلدان.

يجب أن نفهم بأن اليمن بلد كغيره من البلدان، لا بد وأن وتكون لشعبه أهداف واضحة لبنائه، وإعادة النهوض، وتطويره، وهذه هي القراءة الجديدة لكل ما يتصل بالشأن اليمني في وقتنا الراهن، أي أهدف الشعب اليمني، والتي رفعت رايتها الأهداف الستة لثورة 26 سبتمبر 1962، والأهداف العشرة لثورة 14 أكتوبر 1963.

مستهل، ولب، وخاتمة الحديث يعبر عنه بالأهداف الوطنية التي يفترض بها أن تضمن في إستراتيجية وطنية تنحصر في الشأن اليمني، فالكل في اليمن بات يدرك الأجندات المشبوهة التي غرقت بها اليمن، ورأت النور بفعل خيمياء وسائل الإعلام وصناعة التزييف، والتضليل منذ بداية الربيع العربي التي غرقت بها منطقتنا العربية شرق أوسطية.

الكل يدرك بأن الحوثية، ومن قادوا «مداميك» التغيير منذ 2011، ورفعوا رايات الأهداف المعلنة ما كان لهم تحقيقها، وعدم تحققها يعود لغياب التقييم والمحاسبة عن الأهداف الكاذبة، مما خلق شرخا بين الجماهير والسلطات التي تناوبت على حكم اليمن، فالشعب اليمني بالنسبة لحكام اليمن ليسوا إلا مجاميع من السذج إما تضحك عليهم بالوعود، والدعايات، والخطابات، أو ترهبهم بقوة السلاح، والتصفيات الجسدية، والاغتيالات، والقبضة الأمنية الحديدية، وتحكمهم بالحديد والنار، والتجويع، والإفقار، وهي متتالية الحرب الأهلية، واستمرار افتعال الأزمات التي باتت اليوم أحدث إصدار في وسائل حكم الشعب اليمني.

لست هنا بصدد الإسهاب فيما يتعلق بالتطهير السياسي، والتفوق العنصري في اليمن وكيف نفهمه؟ لكنني بصدد توحيد الأهداف نحو هدف وطني، والذي يتمثل بأن الشعب اليمني يريد مؤسسة رئاسية تشكل حكومة وطنية بأهداف حقيقية، فالدولة لكي تنهض تحتاج لأهداف واقعية، مع تحديد سقف زمني لتلك الأهداف، لغرض التقييم والمحاسبة، حيث على الشعب اليمني أن ينزع عنه ثوب الجبن، والذل، والخنوع، والانكسار، والانقياد، والكسل، والفساد، والمحاباة، ويتحول لكيان مدافع عن حقوق الوطن والشعب في آن واحد، فيطالب الجميع بتحقيق الأهداف، وإلا قام بعزلها ومحاسبتها والثورة مجددًا بأهداف وطنية جامعة في كل المحافظات اليمنية، ورفع ملفات الأهداف في كل مكان، فلو تم هذا الأمر لتغيرت الحياة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية التنموية في اليمن، ولظهر للوجود كيان يمني قوي لأنه يملك أهدافًا إستراتيجية، ويسعى بصدق إلى تحقيقها، فهي دعوة للجميع ولكل رجالات وقيادات الثورات والأحزاب في اليمن أن تصدق هذه المرة، وتضع أهدافًا حقيقية لخدمة الوطن والمواطن، وتترك الكذب والأجندات غير الوطنية وتخريب البلدان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى