الذكرى الـ (56) لرحيل الفنان الكبير محمد جمعة خان

> محمد عمر معدان

> نصف قرن وست سنوات على وفاة المغفور له، بإذن الله تعالى، الموسيقار فنان الأجيال محمد جمعة خان، وكانت وفاته بتاريخ 25 ديسمبر 1963م.

ميلاده: في قرية قرن ماجد بدوعن عام 1900م، كان والده في صفوف الجيش القعيطي، وهو من أصول أفغانية، استقدمهم السلطان عوض بن عمر القعيطي لتقوية وتعزيز جيشه عند تكوينه لتثبيت نظامه، ومحاربة أعدائه، وأمه من أصل حضرمي اسمها فاطمة يسلم بهيان، له أربعة إخوان من أمهات مختلفة، وهم أحمد وعبدالله وعبد القادر وسعيد باستثناء البنات، ويعتبر الفنان خان الكوكب الساري للفن الحضرمي ومبدع ومهندس الألحان بألوانها المختلفة الطربي والشرحي واللون الهندي والعوادي، كانت وفاته خسارة على المجتمع العربي عامة والحضرمي خاصة، وبكته كل عين في المكلا ونواحيها، وقد شيع جثمانه إلى مثواه الأخير بمقبرة يعقوب، وتقدم الجنازة ممثل عن الحكومة القعيطية وبعض رجالات الفكر والأدب والصحفيين ورجال المال والأعمال ووجهاء المجتمع وجمع غفير من الجماهير ومحبي فنه. وفي أربعينيته رثاه أكثر الشعراء ومنهم الشاعر والفنان الكبير، الابن البار لمحمد جمعة خان، محمد سالم بن شامخ بقصيدة مشهورة يقول مطلعها:

يوم الخميس الصبح تنكد خاطري
من بعد ماجانا الخبر.
والفنان بن شامخ تتلمذ على يد الفنان خان من مغني كورس إلى ضارب إيقاع إلى فنان شامل. وقد كان بن شامخ مقرباً جداً من الفنان خان وأحياناً يعطيه خان فرصة للغناء وهو يعزف على العود ليقربه من قلوب الجماهير، وقد غنى بن شامخ بعزف محمد جمعة بعض الأغاني اللحجية التي اشتهرت بصوت الفنان الناشئ، آنذاك، محمد صالح حمدون، وقد عاش بن شامخ فترة في عباءة محمد جمعة خان وفي نهاية الستينات بدأ يستقل بحاله ليصنع لنفسه شخصية مستقله بذاتها شاعراً وملحناً ومطرباً.

ومن الفنانين الذين تأثروا بالفنان خان وعاشوا في شخصيته الفنية الفنان الكويتي أحمد سنان، الذي تدرب على يد المرحوم عازف الكمان الأول في تخت خان سعيد عبداللاه الحبشي، فقد أحسن الحبشي تدريب سنان على أداء أغاني خان، ولسنان تسجيلات خاصة لأغاني خان اقترب منها موسيقى وأداء باختلاف نغمة الصوت. ويعتبر خان من أروع وأقدر العازفين على العود ويمتاز عزفه بالتقنية العالية إذ يملك الريشة باليد اليسرى وسيطرته باليد اليمنى على الأوتار والتناسق المبهر بين اليدين بالعزف ليصل إلى حالة الانتشاء والسلطنة.

ويقول عنه المؤرخ المرحوم أ. عبد الرحمن الملاحي: "كان ظاهرة فنية حولت الأغنية من إطارها القديم الرتيب ذي النفس الإيقاعي القصير، فأعطاها ميزة خاصة مشرقة جاءت على أنقاض مدارس أدبية وفنية مثل مدرسة الفنان سلطان بن الشيخ علي، الذي توفى بالهند مسموماً عام 1900م على يد إحدى فاتنات بومبي"، ومن القصائد التي غناها الفنان سلطان: "يشوقني برق من الحي لامع".

ونرى أن الفنان خان قد طور هذا اللحن وأعطاه نفساً واسعاً وإيقاعاً يسمى بالعوادي، فهو بحق باعث ومطور ومجدد الأغنية بصورة عامة بكافة أشكالها وألوانها.

وكثير ما كان الفنان خان يستفتح سهراته الغنائية برائعة الفنان الشيخ عبدالله محمد باحسن "عليك العمد" والذي يقول مطلعها:

عليك العمد يارب لا خاب من قصد

وحاشا يرد كل من قصد نحو بابك

لحالي ترى يارب يا مالك الورى

ضعيف العرى عبدك وخائف عذابك

فكن بي لطيف يا رب من كل ما يخيف

نهار المقيف يوم الخلائق تهابك

وقد غنى الفنان خان لكثير من الشعراء على مر العصور ابتداءً بالعصر الجاهلي ومروراً بالعصر الأموي والعباسي والعصور الحديثة فقد غنى لعنترة بن شداد وعمر بن أبي ربيعة وعمر بن الفارض والشريف الرضي وليزيد بن معاوية ولأحمد شوقي وابن زيدون وللعيدروس وباحسن وحداد بن حسن وللبهاء الدين زهير ولعبدالله الخثمعي ولأبي العتاهية وسعيد مرجان ويسلم باحكم وعبد الرحمن باعمر وعوض بن السبيتي وتطول القائمة بذكر أسمائهم وآخرهم سيد الشعراء والملحنين حسين أبوبكر المحضار، ودائماً ما كان يختتم سهراته برائعة الشاعر عبد الرحيم البرعي "يا من تحل" والتي يقول مطلعها:

يامن تحل بذكره عقد النوائب والشدائد

يامن إليه المشتكى وإليه أمر الخلق عائد

يا حي يا قيوم يا من قد تنزه عن مضادد

أنت الرقيب على العباد وأنت في الملكوت واحد

ولمحمد جمعة الكثير من الأغاني معقدة الألحان، والتي يصعب إتقان غنائها على أغلب الفنانين المحدثين مثل القصائد المنسوبة ليزيد بن معاوية "جاءت تجر ذيول التيه والعجب.. هيفاء مياسة الأعطاف كالقضب" و "جاءت مبرقعة فقلت لها اسفري.. أم وجهك القمر المنير الأزهر" ورائعة عنترة "مهفهة بالسحر من لحظاتها.. إذا كلمت ميتاً يقوم من اللحد".

وسمحت بإرسال الدموع والذي يقول فيها الشاعر:

سمحت بإرسال الدموع محاجري

لما تزايد بالتجني هاجري

يامالكاً مهج الورى بدلاله

وبحسنه ناه عليّ وآمري

جد بالوصال فإنني باق على.

حفظ العهود ولم أكن بالغادر

توفي محمد جمعة خان الله يرحمه، بتاريخ 25 - 12- 1963م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى