كيف تستقبل عدن العام الميلادي الجديد؟

> يعصرني الأسى وأنا أرى عدن تستقبل عامها الميلادي الجديد وتودع عامها المنصرم وهي أشبه ما تكون بالخرابة لأسباب معروفة وغير معروفة. فكثير من الكوارث حلت بهذا الإكسير الغالي والنفيس ليتحول شيئا فشيئاً سحر جماله إلى قبح تلازم صورته الجميع وباستمرار. صورة أضحت واقعا ملموسا وقعت وعمدت دفعة واحدة بالعذاب وبالقهر وبالدم وبالأشلاء الممزقة. فلا شيء بحوزتها غير ذلك لتباهي فيه غيرها مستقبلة به عام ومودعة به عام آخر كسائر المدن الأخرى الآمنة من أخذت استعدادها المسبق لإبراز مظاهر حيوية جمالها وزينتها.

وهي المسكينة التي لا يوجد لديها ما تصنع وتنشر به الفرحة حولها وبين أبنائها لتنسيَهم بعض الشيء من ذلك الواقع البائس غير استحضار رصيدها المشع من دفاتر الماضي وذكريات لأيامها العامرة الحافلة بالخير والعطاء والغامرة بالسعادة على من عاش تلك الحقبة الزمنية ليغدو في الأخير مسكونا مأسورا بعشق عدن.

وهذا غالبا وكثيرا ما يتردد على لسان نخبة من كتابها المثقفين من رواد ذلك العهد، ممن كان لهم ذات يوم ارتباط وجداني بعراقة تلك المدينة الحسناء، وقدر لهم أن يشتملهم عصر ازدهارها الحضاري ليتوطد ذلك الارتباط كنوزا مطمورة ومتأصلة في الأعماق حملوه في ضمير وجدانهم وعقولهم محافظين عليه من ذلك العهد وإلى ما بعد انقطاع امتداده تماما وتحوله من حقيقة، مؤكدة أنه مجرد حلم مُر عابر فأضحى سراب ماء. وهكذا فكلما شدهم الحنين إليه ليأخذوا تراتيله في بكائيات كتاباتهم ينتحبون بها عليه يصفون سنينه المثلى بتحسر وندامة يذرفون دموعا هنا ودموعا هناك بنثريات وأشعار ملؤوها بالأسى والحزن، وعادة ما يكون هذا وبالذات عند حلول كمثل كذا مناسبات تجيش المشاعر وتهيج الوجدان وليجدوها فرصة لاستحضار من بين طلاسم الحاضر الرتيب ماضي جماليات عصر عدن الذهبي، وكأنما ذلك العهد تقطعت به السبل عند مسافة معينة ومحددة، ولن يتكرر لهم ولا لغيرهم مرة أخرى.

وعلى قدر ما يشع ذلك في النفوس أملا وارتياحا ما زال هناك بشر صار الوفاء لهم عنوانا، بل وبعد طول دهر لم ينسيهم عدن وأيام عدن بقدر ما يبعث على الأسى؛ لكنه لم يسلب من أهلها ومحبيها المقاومة. وهذا لمن أراد أن يتأكد من ذلك وعلى تمسكهم بها فليأخذ الدرس والعبرة من الغراب من أصبح هو الأخر يحسب من أكبر الرفاق الأوفياء لعدن وجزءا لا يتجزأ من هويتها الثقافية، لم يتنكر طوال بقائه عفيفا عليها مع من تنكر لها، ولم يخونها يوم خانها الكثير من البشر من بعد أن نالوا منها كامل رغبة قضوها ترفا في حضنها مستمتعين بهذه الأيام والسنين؛ ليتركوها في الأخير محاصرة في زاوية النسيان مثخنة بالجراح لم تجد ما تتزين به في العيد الميلادي الجديد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى