من عدن إلى بروكسل.. "لعبة سياسية" لفرض واقع يجرّد الجنوب من قواته العسكرية

> انتقالي الإمارات" و "منصة السعودية".. هل يعيد اتفاق الرياض صراع المكونات؟

> كتب/ وهيب الحاجب
 صمتٌ مريب إزاء تنفيذ اتفاق الرياض في الجنوب، وتحركاتٌ مشبوهة تدورُ خلفَ الكواليس لتستهدف بالدرجة الأولى انتزاع عناصر القوة من الطرف الجنوبي، وأهمها السيطرةُ على الأرض والسلاح والالتفاف الجماهيري، فما بين عدن وبروكسل تُدار تفاصيلُ لعبةٍ عسكرية وسياسية سيُعاد معها رسمُ خارطة توازنات جديدة قد لا تضمنُ للجنوب مستقبلا آمنا.

هكذا يُراد لاتفاق الرياض أن ينُفذ، وهكذا يُراد لقضية الجنوب أن تُحلّ، وبهذه المنهجية يُخطط للمجلس الانتقالي كي يُفككَ وتُقطع أوصاله حتى يصبحَ مكونا هامشيا ضعيفا مشلولا لا يرتقي حتى إلى مستوى الحزب السياسي بعد أن كان بمثابة حكومة وسلطة، أو هكذا أراده شعب الجنوب وفوّضه.. ظفر الانتقالي من اتفاق الرياض بأدنى مما ينشده شعبُ الجنوب، وقدم تنازلاتٍ قربانا لتسجيل حضور سياسي وانتزاع اعتراف بقضية الجنوب كمشرع وطني منفصل عن صراعات الشمال وحروبه الطائفية والقبلية، غير أن تلك التنازلات لن تكون عند مستوى التقدير والاحترام لدى الوسيط السعودي ولن تكون عند مستوى الاعتراف والتعاطي عند "الغريم" اليمني.

ستةُ وأربعون يوماً من توقيع اتفاق الرياض، فلا حكومة تشكّلت ولا قوات غازية انسحبت ولا محافظين ومدراء أمن عُينوا، شهرٌ ونصف من التوقيع كُرّست منذ يومها الأول لتحركات مشبوهة داخل عدن تستهدف في المقام الأول تفكيك القدرات العسكرية للجنوب، بنزع السلاح الثقيل والمتوسط وسحب الألوية الجنوبية إلى خارج عدن، يقابله تعزيزات عسكرية من مأرب إلى شبوة وأبين، مع محاولات لإعادة لملمة قوات الشرعية داخل عدن وأبين وتجميع أكبر قدر من الحشد العسكري بنزعات مناطقية تحت غطاء الشرعية، ففي عدن ولحج وأبين لجانٌ عسكرية سعودية تعملُ ليلَ نهارَ بالنزول إلى مواقع القوات الجنوبية سعياً لسحب السلاح الثقيل والمتوسط، إضافة إلى إلقاء محاضرات تحثُّ على التمسك بالوحدة وتحرّض ضد مشروع الجنوبيين باستعادة دولتهم وربما تهدد مَنْ يتبنى هذا الخيار، مع الشروع بنقل عدد من الألوية والكتائب الجنوبية من عدن إلى خارجها باستهداف ألوية ووحدات عسكرية حررتْ عدن من الغزو الحوثي وطهّرتها من الجماعات الإرهابية فكانت لاحقا صاحبة الحسم في السيطرة على عدن خلال المعارك مع قوات الشرعية اليمنية ومليشيات حزب الإصلاح.

هذا هو الجاري تنفذه من اتفاق الرياض في شقه العسكري والأمني حتى الآن، وهذا هو السيناريو الذي يبدو أن الأشقاء في المملكة يرسمون آمالهم عليه لإفراغ القضية الجنوبية من محتواها التحرري وكيانها السياسي المستقل وإعادة إلحاقها قسرا بمشاريعَ فاشلةٍ رُفضتْ شمالا قبل الجنوب، وأثبتت أنها سبب للحرب وأسٌّ حقيقٌ لصراع جنوبي شمالي سيبقى أبد الدهر إن لم تغادر التسويات المطروحة مفهوم الضم والإلحاق وتكف الحلول عن إقصاء الإرادة الشعبية الجامحة في الجنوب.

ظهور جماعة بروكسل الباحثين عن "منصة جنوبية" في هذا التوقيت بالذات هو - لا مناص - عمل سياسي خالص له علاقة باتفاق الرياض وإن كان من خارج بنود الاتفاق ومخالفا لنصوصه وآلياته، عمل سياسي تقف وراءه السعودية في المقام الأول؛ بهدف خلق كيان سياسي موازٍ للمجلس الانتقالي، ولأسباب عدة أهما:

- إيجاد كيان جنوبي لا يتبنى مشروع الانفصال ويتحدث باسم الجنوب؛ وبالتالي يحد من سطوة المجلس الانتقالي الذي ترى السعودية أنها "تورطت" معه باتفاق الرياض واعترفت به ممثلا للجنوب.

- خلق كيان جنوبي تخطط له المملكة بأن يكون بديلاً للمجلس الانتقالي في حال نجحتْ في تنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض على طريقتها الماشية حاليا في عدن، وهي تجريد الانتقالي من قواته العسكرية.

- إيجاد ودعم كيان جنوبي حليف للسعودية ومنفذ لمشاريعها في اليمن كسياسة ردع للإمارات العربية المتحدة التي تتبنى المجلس الانتقالي وتدعمه سياسيا وعسكريا، وهذا طبعا في حال صحت فرضيات أن هناك تباينا وخلافا بين الرياض وأبوظبي فيما يخص مواقف الدولتين ومصالحهما في اليمن.

إذن الأمور في الجنوب والعاصمة عدن تحديدا تسير نحو خلق واقع جديد بعيدا عن اتفاق الرياض وخارج بنوده وآلياته، ووفق مخطط تتعدد آلياته ما بين عسكرية وأمنية تسير على نار هادئة في عدن ولحج وأبين، وما بين سياسية تعمل صراحة وتتحرك بحرية ما بين الرياض ومسقط وبروكسل، يقابل ذلك صمت مقلق ومواقف غير واضحة من قيادة المجلس الانتقالي التي ربما أنها غير مستوعبة لما يدور؛ فآثرت الصمت معتمدة على نصوص فضفاضة في اتفاق فشل من يومه الأول، متناسية، في الوقت ذاته، اتفاقات سابقة ومواقف سعودية مماثلة خذلت الجنوب وجعلته عرضة للغزو والاحتلال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى