الحلم الكبير وصيحة من بين الركام

> كانوا يوماً معلمينا يقولوا لنا ونحن أطفال تعلموا الحلم واحلموا أحلام كبيره تتجاوز واقعكم لترتقي بكم إلى الأعلى تعلموا كيف تطوعوا المحال بالحلم ليصبح حقيقة كي يكون في متناول اليد لكم وللجميع.

ذلك كان ونحن لا نسمع ولا نعرف عن الحروب شيء ولا نشاهد لا دمار ولا خراب، ولا نسمع أو نرى أن فلاناً استشهد في معركة كذا وفلان في معركة أخرى إلا في ما نقرأه عن تاريخ ثورة 14 أكتوبر وثورة 26 سبتمبر في مادة الوطنية وأيضاً ما أتيح لنا في لوحة كتب عليها الشهيد غالب بن راجح لبوزه ويظهر فيها منتصباً وممتشقاً بندقية طويلة على ضهره ورأسه ملفوف بقطعة من القطن ذات الألوان المتداخلة وبمئزر مقصوص بمقابل الركبتين ولشدة التبجيل والاهتمام بهذه اللوحة حتى رسم في خيالنا وأذهاننا كأطفال ما يتجاوز حد التقدير إلى التقديس، والعياذ بالله من ذلك، وبأن كل ما نحن فيها جميعاً من خير سعادة هو من هذا الرجل الذي يظهر في اللوحة لنصبح بعدها، وبعد أن كبرنا قليلاً نحلم بتحقيق فرصة حلمنا ولكن فرصة لنكون شهداء مثله نحظى باهتمام المدير والمدرسين والناس جميعاً.

وبقيت تلك اللوحة مستمرة ومحافظة على مكانتها وهيبتها حتى أتوا بلوحة أخرى كبيرة كُتب عيها بخط عريض (كنتم الطليعة وستظلون رمز النضال للشعب اليمني)، وكما عرفنا وأخبرونا بأن اللوحة كانت للشهداء عبدالفتاح وعلي عنتر وصالح مصلح وعلي شائع، وهكذا ما هي إلا أيام لتطغي تلك اللوحة على اللوحة السابقة فصارت لوحة بلوحات، لوحة تنصف المدرسة ولوحة في الإدارة ولوحة أمام الطابور الصباحي، ولوحة في الحديقة الأمامية وأخرى في الخلفية وفي الباب الرئيسي وصور صغيرة معلقة في الصفوف، هذا عوضاً عن ما هو موجود من ذلك في منازلنا.

وهكذا من حينها عملنا نحن على مجاراة ذلك التحديث لنطور ونرفع من سقف حلمنا السابق فبدل أن نكون نحلم بمثل شهيد واحد تيمناً بغالب بن راجح لبوزة، صرنا نحلم بأن نكون شهداء كمثل الأربعة المرتصين في اللوحة.

أما اليوم فالوضع لم يعد مخفياً على أحد، فذلك الحلم تطور تطوراً كبيراً ومتسارعاً فاق التصور والخيال وأصبح الشهداء بالآلاف والجرحى يفوق عددهم بالمرات، ولكن وللأسف لا يوجد للشهداء لا لوحات ولا جداريات تجمعهم ببعضهم إلا القليل، وقد تجاوزوا بعددهم وبعدد تسمياتهم عدد ما هو موجود من المرافق الحكومية وصول ذلك وتخطيه إلى الطرقات في حين لم يوجد اختيار آخر، وبسبب الزحام على التسميات التي فاقت المتاح من مدارس وشوارع ومستشفيات وغيرها.

وهذا دليل على أن تعلم الحلم الذي تعلمناه من مدرسينا قد أعطا أكله أخيراً يوم قالوا لنا تعلموا الحلم واحلموا أحلام كبيرة، وقاموا ينصبون لنا لوحة مرة لشهيد ومرة بشهداء لنتحول في الحاضر على أثرها، ونصبح بالفعل شهداء حقيقين كثر سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. وفي الأخير يصبح أغلبنا شهداء ونحن لازلنا على قيد الحياة مع من عاش إلى الآن من معلمينا.. نصيح من بين الركام قد غلب الحلم الحقيقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى