بريقة عدن.. مدينة النفط والغاز وسكانها يفتقرون لأبسط الخدمات

> تقرير/ علي الصبيحي

>
بين جمر الحسرة ونار الحرمان يطوي سكان مديرية البريقة في العاصمة عدن سنوات أعمارهم بحثاً عن شربة ماء وسعياً خلف أدنى الخدمات الأساسية، في مفارقة عجيبة غدا الأهالي معها حائرين من واقع مفروض يحاصرهم فيه عنوانه الأبرز "مدينة النفط والغاز بلا ماء ومحرومة الخدمات"، كما يقولون.

تُعاني مناطق المديرية منذ سنوات طويلة أزمة خانقة في المياه التي تفاقمت أزمة انقطاعها منذ العام 2015م؛ حيث تجاوزت مدة انقطاع مياه الشرب عن منازلها ما يزيد عن ستة أيام متتالية في الأسبوع الواحد، ويشمل ذلك كل مناطقها بما فيها حي منطقة الكسارة وحي العشوائي والخيسة والمناطق النائية منها كصلاح الدين وفقم وعمران، ما دفع بالمواطنين في كثير من مناطقها إلى حفر آبار بجانب منازلهم تفتقر لمبدأ السلامة والأمان، الأمر الذي جعل ساكنيها عرضة للتلوث البيئي وانتشار الأمراض والأوبئة منها الكوليرا التي حصدت العشرات من المواطنين خلال فترة وجيزة وما تزال تشكل خطراً قائماً على حياتهم في الوقت الذي سأم سكان البريقة من رفع المناشدات والمذكرات إلى كافة الجهات المسؤولة في المديرية ومركز المحافظة بوضع حلول جذرية لتلك المشاكل التي تكررت خلال السنوات الماضية.


مبادرات
السلطة المحلية بالمديرية ممثلة بالقائم بأعمال مدير عام المديرية، وليد الحاج، كانت قد وجهت في اجتماعها الطارئ الذي انعقد يوم الثلاثاء الموافق 26/11/2019م بشأن انقطاع المياه المتكرر عن المديرية، وأوصت في عدة مذكرات رسمية حصلت «الأيام» على نسخة منها، بسرعة تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول انقطاع المياه المتكرر عن البريقة ومناطقها النائية، وتم اختيار عدد من المسؤولين في المديرية للنظر وتقصي حقيقة سبب انقطاع المياه المتكرر عنها ورفع التوصيات اللازمة إلى المديرية لاتخاذ الإجراءات المناسبة حول موضوع انقطاع المياه والمتسبب بها.


أين تكمُن المشكلة؟
توصلت لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها من مدير الشؤون القانونية والرقابة والتفتيش والأشغال في المديرية وشارك فيها مهندسو شبكات مياه ومختصون من شركة مصافي عدن ومندوب عن المجلس الانتقالي في المديرية، توصلت إلى جملة من المعطيات؛ أبرزها أن الخلل يكمن لدى مسؤولي الحقول في بئر أحمد، الذين أفادوا بدورهم بأن شحة المياه التي تصل من الحقول سببها عطب المولدات، وأنه سيتم ضخها بعد إصلاح المضخات التي كانت عاطبة سابقاً بينما تظل مشكلة المولد العاطب الذي حاليا يتم إصلاحه من قِبل مؤسسة المياه بعدن، منوهين إلى أن المشكلة في حقول وآبار بئر أحمد.


وأشار مدير حقول بئر احمد إلى أن السبب الرئيسي لانقطاع المياه في البريقة هو خروج المولد الكهربائي عن الخدمة والذي تعمل المؤسسة حالياً على إصلاحه.

"نستشعر معاناة المواطنين"
من جهته، أكد مدير عام المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بعدن، م. فتحي علوي السقاف، استشعار المؤسسة معاناة سكان البريقة جراء انقطاع المياه، مبدياً تجاوبه لتخفيف معاناة المواطنين في المديرية، حيث وجّه مسؤولي الورش والحقول في بئر أحمد بالإسراع في توضيب وصيانة المولد الكهربائي بمحطة المجزرة الخاص بالبريقة وشراء قطع الغيار الخاصة بالمولد، ويجري العمل لإعادة توضيبه وصيانته من ميزانية المؤسسة التي وصفها السقاف بالمنهكة؛ نظراً لعزوف أغلب المواطنين عن سداد فواتير المياه"، داعياً إياهم في الوقت نفسه إلى تقدير الظروف الحالية التي تمر بها المؤسسة وطاقمها.


وأكد السقاف أن المؤسسة تتابع كل المستجدات وتعمل بوتيرة عالية للتخفيف من معاناة انقطاع المياه عنهم.

100 إصابة
من جهته، أفاد مدير مكتب الصحة العامة والسكان في المديرية، د. فهد عبدالقوي سيف، بأن عدد الحالات المؤكد أصابتها بحمى الضنك بلغت ما يقارب 100 حالة، وأربع حالات وفاة بسبب الوباء نفسه، لافتاً إلى أن مكتبه يدرك خطورة الوضع الصحي المتراكم سلبياته كنتيجة حتمية للوضع العام في البلاد وما خلفته من تردي في جميع الخدمات ومؤسسات الدولة، الأمر الذي تسبب في تفشي كثير من الأمراض والأوبئة التي تفتك بالمواطنين.

وأكد في تصريحه لـ«الأيام» أن مكتب الصحة يبذل جهوداً لمتابعة مواجهة المرض من خلال الفريق العامل في الترصد الوبائي والاستجابة السريعة والخاصة باستقبال البلاغات من جميع المراكز الصحية التابعة للمديرية وكذا البلاغات المقدمة من العيادات والمستشفيات الخاصة التي تستقبل الحالات الوافدة لها من مناطق البريقة والنزول إلى المواقع الموبوءة لرصد أماكن تواجدها والاطلاع على بعض الحالات المبلغ، بحسب تعبير د. سيف، الذي نوّه إلى أنه وعلى ضوء ذلك يقوم مكتب الصحة والسكان وبصورة عاجلة برفع هذه التقارير للجهات ذات العلاقة في مكتب الصحة عدن والرعاية الأولية ومكتب مدير عام المديرية توضح  حقيقة الوضع الصحي وضرورة العمل وبصورة عاجلة على اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار هذه الأمراض بتخصيص حملات الرش للمناطق الموبوءة، بالإضافة إلى مخاطبة جهات أخرى ذات علاقة بهذا الخصوص كمؤسسة المياه والصرف الصحي وصندوق النظافة والكهرباء وحثها على إمكانية تحسين الخدمات كونها تمثل عوامل رئيسية في تفشي هذه الأمراض بسبب رداءتها.

رفع الوعي
شدّد مدير مكتب الصحة المديرية في تصريحه لـ«الأيام» على ضرورة رفع الوعي لدى المواطنين لِما له من أهمية كبيرة في الوقاية من الأمراض واتباع التعليمات التي تصدر له من قِبل فرق التثقيف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تتناول الكثير من البرامج التوعية في هذا الجانب، لافتاً إلى أن رمي المسؤولية الكبرى على مكتب الصحة وتحميله كامل تبعات المشاكل الصحية ليس منصفا، بحسب د. سيف، الذي قال: "إن دور مكتب الصحة ثانوي أو تكميلي"، مؤكدا أن التخلص من كل هذه الأمراض والأوبئة وجميع المشاكل الصحية لا يتم إلا بالتخلص من السلوكيات السلبية والمشاكل الناتجة عن تردي خدمات الإصحاح البيئي ممثلا بخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة والكهرباء، مضيفاً: "فمع إيجاد الحلول لهذه الخدمات بالإمكان ضمان بيئة أفضل خالية من كل هذه الأمراض".

الافتقار لمستشفى عام
أوضح مدير مكتب الصحة في المديرية أن دور مكتبه يتمثل في مواجهة المرض من خلال عمل الطواقم العاملة في المراكز الصحية التي قال: "إنها تبذل الجهود المضنية لاحتواء الوباء رغم شحة الإمكانيات ونقص الكوادر الطبية التي يحتاج لها في مثل هكذا ظروف لاسيما في مديرية تعاني الأمرين بسبب افتقارها لوجود مستشفى عام يقدم خدمات الرعاية الشاملة لدى استقبال هذه الحالات، ويوفر عناء التنقل خارج المديرية لإسعاف مرضاهم"، داعياً جميع الجهات ذات العلاقة من رئيس ووزراء ومحافظ ومدراء عموم في مكاتب للصحة والمديرية تبني مشروع بناء مستشفى عام للمديرية الواسعة والمترامية الأطراف، ومتمنياً أن يكون مشروعه من أولويات المشاريع المعتمدة خلال العام الجديد.

وأكد د. سيف أن مكتبه سيعمل على مواصلة جهوده في التنسيق مع جميع الجهات ذات العلاقة لإنجاح تنفيذ أي عمل من شأنه جعل البيئة آمنة وخالية من الأمراض والأوبئة، مبدياً في السياق استعداد مكتب الصحة في المديرية لاستقبال البلاغات من المواطنين بشأن انتشار هذه الأمراض في أحيائهم ومساعدتهم على التخلص منها، ومشدداً على ضرورة تضافر جميع الجهود الرسمية والمجتمعية لمواجهة المشكلات الصحية.

تفاعل رسمي
مؤخراً زار وكيل العاصمة عدن، محمد نصر شاذلي، منطقة صلاح الدين بمديرية البريقة، واستمع للأهالي حول العديد من مشاكل المنطقة المتعلقة بتعثر مشاريع الخدمات الضرورية، كالمياه والصحة والتعليم والبنى التحتية للمنطقة منها مشروع رصف شوارع وجولة صلاح الدين، الذي وضع المحافظ حجر أساسه السنة الماضية وقد تم البدء بتنفيذه قبل أن يتوقف دون معرفة الأسباب، إضافة إلى عدد من المشاريع المرصودة للمنطقة لم يتم البدء فيها.


وبحسب الأهالي، فإن الشاذلي قدم جملة من الحلول العاجلة منها توفير مضخات مياه وخزان مياه خاص بالمنطقة، ووعد بالتنسيق مع منظمات خارجية لتنفيذ عدد من المشاريع خلال الفترة القادمة بشكل عاجل، مطالباً الأهالي في ذات الوقت إرفاق المشاريع المتعثرة لعرضها للجهات المسؤولة، مؤكداً أنه سيعمل جاهداً على تذليل المشاكل والمعوقات لمشاريع المنطقة وإدراجها ضمن أولويات خطة المحافظة للعام المقبل 2020م.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى