أطفال نازحون يروون لـ«الأيام» مآسيهم وحرمانهم من أبسط الحقوق

> تقرير/ وئام نجيب

> لا تكاد تخلو الجولات في عموم مديريات العاصمة عدن من الأطفال المستولين أو العاملين في مجال تنظيف السيارات وبيع المناديل الورقية خاصة النازحين منهم، وقد قصدت النزول إلى جولة القاهرة بمديرية الشيخ عثمان بعدن، كونها أكثر المواقع ازدحاما بالحركة المرورية وفي مقابل ذلك يتواجد فيها العديد من الأطفال النازحين يعملون فيها في تنظيف سيارات المارة، وخلال لقائي القصير ببعض الأطفال العاملين فيها أيقنتُ أنهم أنقى من أناس تحمل مناصب كبيرة، فبساطتهم وبساطة أحاديثهم تصيبك بحالة من الذهول وتشدك نحوهم، ولم يستمر نزولنا إلى جولة القاهرة سوى ساعات قليلة ولكن ما شاهدناه كان يروي قصصا تحمل في طياتها الكثير من الألم المخفي بابتسامة جميلة، وأيضا الحرمان من أبسط الحقوق لأطفال سلبتهم الحرب والنزوح آمالهم وأحلامهم البسيطة، والتي حُرموا من أدناها كالتعليم واللعب، وتعد هذه الحقوق إنسانية بالمقام الأول كفلها الدستور والمواثيق الدولية، بل ومن المفترض ألا يُحرم الأطفال منها تحت أي ذريعة.

كثيرا ما تتغنى الجهات المعنية في البلد بما يخص مناهضة عمالة الأطفال، والمفارقة العجيبة عندما أقامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فعالية في عدن بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عمالة الأطفال في يونيو العام الماضي وكانت تحت شعار "يجب أن لا ينشغل الأطفال في الحقول ولكن بتحقيق أحلامهم"، وحُظيت بحضور عدد من الأطفال، وكان الأجدر على وزارة الشئون الاجتماعية والعمل الالتفات إلى الأطفال النازحين، كونها الفئة المستضعفة والأكثر انخراطا في سوق العمل، وتوفير بيئة صحية وآمنة للأطفال العاملين والحد من استغلالهم في المهن الشاقة والخطيرة بصحتهم، وتفعيل برامج شبكة الأمان الاجتماعي واستهداف الفئات الفقيرة الأكثر تضرراً من الحروب والتردي الاقتصادي، والتوعية المجتمعية عبر وسائل الإعلام المختلفة بمخاطر عمالة الأطفال على صحتهم ونموهم النفسي والجسدي وتحصيلهم العلمي.

«أعمل أنا وإخوتي»
عبدالسلام علي
عبدالسلام علي
يقول الطفل عبدالسلام علي ذو العشر السنوات: "نزحت من محافظة الحديدة منذ أشهر بمعية أسرتي المكونة من إخوتي الثلاثة ووالدتي ووالدي المريض، وقد أعتدت المجيء إلى جولة القاهرة في الصباح الباكر، وأقوم بتنظيف السيارات وفي بعض الأحيان أبيع مناديل ورقية، أمارس عملي حينما تقف السيارات في الجولة، ولا أشترط مبلغا معينا عند قيامي بتنظيف السيارات ويتفاوت ما يتم إعطاؤه لي بين 100 ريال - 200 ريال، وإجمالي ما أتحصل عليه في اليوم الواحد لا يتجاوز 1500 ريال، وأحمد الله على ما نحن فيه من نعمة، ألقى مضايقات من البعض، وفي الجانب الآخر هناك من يتعاطفون معي، حيث إن العسكر المرابطين هنا يمدونني بوجبتي الفطار (الصبوح) والغذاء".

وأضاف بالقول "في إحدى المرات وأثناء ممارستي لعملي قمت بمسح سيارة أحد الأشخاص وقال لي سأعطيك 100 ريال فور أن تنتهي، وافقت على ذلك وعندما انتهيت قلت له اعطني، ولكنه شغل سيارته وأصابني بقدمي ومضى وقام الخيريون بإسعافي وتم تضميد قدمي ولا تزال تؤلمني حتى الآن، علما بأني أسير دون حذاء وليس لدي ما يقي قدمي من حرارة الأرض في فترة الظهيرة".

"لا أعرف عن اللعب إلا اسمه فلا وقت ليدي لذلك، وإن استرقت من أوقات عملي وتوجهت للعب فمن سيأتي بقيمة الأكل والعلاج لوالدي؟، هذه كانت إجابة عبدالسلام عندما سألته ما هي لعبتك المفضلة، ويتمنى امتلاك ملابس جديدة والحصول على التعليم.
يتابع عبدالسلام "اثنتان من أخواتي اللتان تصغراني بالسن تطلبان الله في جولة الغزل والنسيج ويعطيهما الناس ما تيسر ونخرج في الصباح الباكر سوياً، وحينما ننتهي من عملنا في فترة العصر نعود سويا إلى منزلنا الكائن في مديرية البريقة".

حرمته الحرب من التعليم
الطفل عدنان عمر ذو 12 عاما، نازح أيضا من الحديدة، لا تختلف حكايته كثيرا عن عبدالسلام، بيد أن عدنان رفض التصوير ومنذ أن تحدثت معه وعيناه في الأرض وبخجل شديد يقول: "نزحنا منذ أشهر قليلة وأجبرتنا على ذلك الحرب الدائرة في مدينتنا، وما ترك أثرا في نفسي هو إجباري على ترك مدرستي التي لم تسلم هي الأخرى من استيلاء جماعة الحوثي عليها، والتي أراد لنا الشتات والرحيل من منازلنا ومدارسنا، وأتيت بمعية أسرتي المكونة من والدي ووالدتي وإخوتي الاثنين وأنا أكبرهما سنا، نعيش بالقرب من جولة القاهرة بمنزل إيجار وأساعد والدي في تحمل مصاريف المنزل من خلال تنظيفي للسيارات المارة من الجولة، وما أجنيه يوميا بصرف النظر عن قيمته أعطيه والدتي لتوفير قيمة الفطار (الصبوح) والعشاء، وأما قيمة الغداء فيأتي بها والدي الذي يعمل هو الآخر في تنظيف السيارات ولكن في منطقة أخرى في مديرية الشيخ عثمان، ناهيك عن أنه يتكفل بقيمة إيجار المنزل والذي تقدر بـ30 ألف ريال".

يتمنى الطفل عدنان العودة إلى مقعده في الدراسة ومواصلة التعليم، وقال: "لا مانع لي أن أستمر في عملي كي أساعد والدي في تكاليف المنزل".

القيام بعملين
الطفلة بثينة
الطفلة بثينة
نختتم حكاياتنا مع الطفلة بثينة أحمد (ذات ربيعها السابع) بنظرتها الطفولية فيما يجتاح ذبول عينيها الصغيرتين جور الزمن، وهي أيضا اتخذت مهنة اعتبرتها وسيلة للدخل في جولة القاهرة ذاتها، وقالت: "نحن نازحون من الحديدة وأعيش مع أسرتي في مخيم النازحين في مديرية البريقة، وأعمل هنا بمعية والدي الذي يقوم بسؤال الناس، وبالنسبة لي فلا يوجد عمل محدد لي فتارة أمسح سيارات بواسطة قطعة من القماش وبعض من الصابون الممزوج بماء، وكثيرا ما يعطف عليّ الناس ويمدونني ببعض من المال، وأقوم بهذا العمل لمساعدة أسرتي في المصاريف ونسكن في مخيم النازحين في مديرية البريقة"، تمنت بثينة أن تكون لديها ألعاب أسوة بالأطفال الآخرين، فهي لم تمارس اللعب منذ فترة طويلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى