الإضراب.. بين حقوق المعلمين وحقوق الطلاب

> صلاح السقلدي

> لابدّ مِــن الوقوف بمنتصف المسافة بين الانتصار لحقوق المعلمين ومطالبهم العادلة لانتزاع حقوقهم المسلوبة من يدي الفاسدين والنهابين، وبين الدفاع عن حقوق الطلاب باستكمال عامهم الدراسي وحقهم في إبعاد العملية التعليمية من ساحة الصراع وعن التجاذب السياسي بالجنوب، فالتعليم هو بحق روح المجتمع التي تنتقل من جيل لآخر.

فالجميع طُلاّباً ومدرسين في وطننا المنكوب بنخبه البائسة وبفاسديه، وبلصوص ثرواته وعقوله هو المستهدف الأول والأخير بكل الوسائل والأدوات ومن قِبل جهات سياسية وحزبية وهوامير نهب لا حصر لها لحسابات مختلفة لا يخطأها بصر، ولا بصيرة.

فلا شك أن للمعلمين - كغيرهم من موظفي وضحايا السلطات الحكومية مدنيين وعسكريين وأمنيين - حقوقاً مالية وإدارية عادلة تم مصادرتها منذ سنوات، وما تزال المصادرة والظلم جاريين بقسوة حتى اليوم، ونعلم أننا إزاء حكومة تحتفظ ببنوكها بالداخل والخارج مليارات الريالات والعملات ولا تأبه بأن تُسلِّم لهؤلاءِ الضحايا حقوقهم بعد أن قررت استخدام موضوع المرتبات والحقوق الإدارية ورقة سياسية وأداة مساومة بامتياز، فضلاً عما يستفيد منه الفاسدون من هكذا أموال وحقوق مصادرة.

كما نعلم أن وسائل الضغط الموجودة بيد هؤلاء الضحايا، وبالذات المعلمين، تكاد تكون محصورة بوسيلة الإضراب، أو هكذا يعتقد هؤلاء المعلمون أن الإضراب ضد هذه الحكومة ما زال يشكل وسيلة ضغط. هل هذه الوسيلة ما تزال ناجعة أمام هكذا حكومة وما تضمه من أحزاب وقوى سياسية لا تكترث بمسألة التعليم ولا بغيرها من الجوانب وفي الجنوب على وجه الخصوص بعد أن أدركت أن لا مستقبل سياسي لها ولا لأحزابها بعموم الجنوب؟ وتنتهج وفقا لهذا الحقيقة التي تدركها جيدا منطق شمشوني تدميري لئيم: "عليّ وعلى أعدائي".

وبالتالي فلا نظن أن وسيلة الإضراب ما تزال وسيلة مُجدية لإجبار هكذا حكومة وسلطة فاسدة حاقدة على كل شيء جميل، هي بالأساس سلطة توظّف وتستفيد من هذا الإضراب للتشهير بقوى جنوبية لحسابات سياسية، وتتمنى أن يظل هذا الإضراب مستمرا إلى ما لا نهاية لكي تستمر بالعزف على وتر تعطيل التعليم وتذرف حاليه دموع التماسيح، فيما هي بالأصل من اختلق المشكلة من جذورها وهي من عطّل ويعطل ويدمر مجال التعليم وسائر المجالات المختلفة بشكل ممنهج منذ عقدين ونيف من الزمن، وإلّا ما ضرها أن تصرف للناس مستحقاتهم وتكفي المؤمنين شر القتال، وضرر الإضرابات ومضرة والتعطيل إن كانتْ حريصة على ذلك كما تزعم، خصوصاً وهي تمتلك مئات المليارات المكدّسة بالبنوك وبأرصفة الموانئ منذ شهور فيما مئات الآلاف من الموظفين مدنيين وعسكريين دون رواتب ودون تقييم لدرجاتهم ولمستحقاتهم المالية والإدارية الأخرى منذ سنوات؟.

وعطفاً على ما تقدّم نأملُ من أصحاب قرار الإضراب - الذين نسجّل بكل لغات العالم تضامننا المطلق معهم - أن يعملوا على تعليقه ولو مؤقتاً ليتمكن طلابنا من تجاوز عامهم الدراسي، لاسيما وقد بات التعليم - بفعل فاعل - في أدنى مستوياته من الانحطاط والانهيار، ليس من اليوم؛ بل منذ أكثر من ربع قرن مضى، وصار بالتالي الإضراب لانتزاع الحقوق من مخالب الفساد واللصوص في هذا الزمن الرديء الرخو ليس فقط وسيلة ضغط غير فاعلة؛ بل تحوّل وبكل قبح ووقاحة بيد الطرف الموجّه ضده "السلطة والحكومة" إلى وسيلة تشهير وأداة سياسية يستخدمها بغلاف تعليمية وأخلاقية، ويقدّم نفسه حريصاً على التعليم، ويصوّر المعلمين بأنهم فاقدو الحس الوطني والمسئولية بمهنتهم وطالبي مال، بعد أن حوّلت هذه السلطة وسيلة النضال المدنية الراقي (نقصد الإضراب) إلى هجمة مضادة بوجه أصحاب الحق، في ظل خذلان مريع من كل القوى الثورية والسياسية بالساحة، وفي ظل استرزاق لا نظير لها بتاريخنا المعاصر.

وبالتالي فحتى لا يطال الضرر طلابنا مثلما طال مدرسينا نأمل أن يتلمّس هؤلاء المدرسون ونقابتهم المجاهدة ونحن معهم دون شك طُرقا أكثر فاعلية بوجه ناهبيهم، وسُبلاً أقل ضرراً على طلابهم وأبنائهم بعد أن أضحت وسيلة الإضراب وسيلة معطلة كما أسلفنا، وبات التعليم مستهدفاً من جهات حزبية وسياسية، يعتقد البعض من المدرسين أن الإضراب ما زال يجدي معها نفعاً كما هو في دول خلق الله الأخرى. ولا نظن أن وسائل انتزاع الحقوق والنضال بوجوه الطُغاة والفاسدين قد عزّت وانعدمت تماما، فمازال في قوس "النضال" منزع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى