لعبة أمريكية جديدة.. هل تفجر المضائق حربا واسعة في الشرق الأوسط؟

> كتب د. وفيق إبراهيم

>  تتوسّع حركة تشكيل أحلاف في بلدان تطل على بحار الشرق الأوسط بما يعكس اشتداد الصراع الدولي والإقليمي للاستئثار بثرواتها، خصوصاً مادة الغاز المنتشرة في زواياها.
هناك بالطبع أهميات أساسية أخرى لهذه المنطقة على مستوى الموقع الإستراتيجي تجعلها جاذبة لكل أنواع التنافسات الدولية، وتراثها الديني المتنوّع وقدرتها على الاستهلاك.

وإذا كان الشرق الأوسط دخل في إطار النفوذ الغربي – الأميركي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فهذا سببه الميل الروسي بعد الحرب العالمية الثانية للاستئثار بأوروبا الشرقية المحاذية لها.
لكن الوضع في هذه المرحلة أصبح مختلفاً. فموسكو خسرت معظم جوارها الأوروبي بعد انهيار سلفها السوفياتي في 1989 وتحاول اليوم العودة الى زعامتها القطبية من خلال سورية ومداها العربي والشرق أوسطي، كما أن الصين أصبحت من الدول الاقتصادية الأولى في العالم وتعتبر الشرق الأوسط سوقاً هامة لبضائعها.

هناك أيضاً إيران الإقليمية الدور، والمدى، التي يحاول الأميركيون تدمير جمهوريتها الإسلامية منذ تأسيسها في 1979 بشكل متواصل يزداد عنفاً.
كما لا يمكن نسيان الدور التركي الساعي لبناء نفوذ يجمع بين أيديولوجيا الإخوان والتاريخ العثماني في المدى العربي المجاور.

أما أوروبا فعادت بعد محاولات مضطربة لاستعادة شخصية تاريخية مستقلة إلى عباءة الحلف الأطلسي والسياسة الأميركية، في مسعى للمشاركة في تقسيم النفوذ والثروات في الشرق الأوسط.
هناك غائبون كثرٌ عن هذا المشهد «الاستعماري» وهم بالطبع الدول العربية التي يشارك معظمها، الغرب الأميركي في تقسيم بلادها والسطو على ثرواتها.

هناك إذاً مشهد جيوبوليتيكي لزحمة دولية تتخبّط لاحتلال موقع نفوذ في الشرق الأوسط، منقسم إلى محور أميركي – أوروبي – خليجي عربي وبين محور روسي – صيني تؤيده إيران وسورية وحزب الله وبعض العراق واليمن ويخوض صراعاً عنيفاً في أفغانستان، وسط المحاور ليميل إلى الجهة الأقوى.
يبدو حتى الآن أن الخطة الأميركية التي بدأت في 1990 لإعادة تشكيل الشرق الأوسط تذهب نحو فشل ذريع، ولم تتمكن أي من القوى المتنافسة من إنهاء الصراع لمصلحتها.

فسورية تكاد تتحرر بانتصار دولتها على الإرهاب المدعوم خليجياً وتركياً وعربياً ومغطى أميركياً. والعراق متمرّد على الأميركيين وكذلك اليمن ولبنان، أما إيران فنجحت بتأسيس محور إقليمي وازن، فيما الروس يتوثبون للقطبية ومعهم الصينيون، بما يؤدي إلى وضعية غير محسومة مفتوحة على تصعيد أكبر، يتعلق بإصرار المحاور المتنافسة على الإمساك بمكامن قوة أكثر من بعضها بعضاً وأولها السيطرة على المضائق.

وهي هرمز وباب المندب وقناة السويس وبحر قزوين والخليج وبحار عمان وعدن والأحمر والمتوسط، بالإضافة إلى مضيقي البوسفور والدردنيل والمدخل إليهما من بحري الأسود من جهة روسيا وإيجه من جهة اليونان، فهذه الحرب تعطي المتفوق فيها وزناً أكبر في السيطرة على ثروات الشرق الأوسط أو وضعاً أفضل في تقاسمها. فالدول الكبرى تميل براجماتياً للتحاصص عند توازن القوى.

لقد نجحت إيران مع حلفائها بالإمساك بمضيق هرمز وباب المندب، حيث يمرّ 18 مليون برميل نفط وعشرة في المئة من التجارة العالمية، وهذا خط بحري تستعمله الناقلات الأوروبية والأميركية لنقل سلع بلادها واستيراد النفط والغاز أكثر من إيران وروسيا.
أما قناة السويس فهي بدورها خاضعة للتجارة الأميركية – الأوروبية مع حاجة مصر لما تجنيه منها. والسؤال هنا هو ما قيمة خط قناة السويس وجبل طارق من دون باب المندب اليمني الذي لا يستفيد اليمنيون منه بأي شيء وبإمكانهم إقفاله ببضع طلقات؟ وما قيمة البوسفور والدردنيل التركيين إذا أقفلت روسيا البحر الأسود، وتعثرت أدوار قناة السويس وباب المندب، حتى إن بحر قزوين الذي يخضع للنفوذ الروسي – الإيراني يمتلك الأميركيون نفوذاً على بعض شواطئ دول موالية لهم وتطلّ عليه.

يتبين أن كل المضائق والبحار الشرق أوسطية مترابطة ويؤدي أي إقفال لأحدها بتعطل معظمها وضرب حركة المرور البحرية بالاتجاهين. لذلك جنح الإيرانيون لبناء حلف مع روسيا والصين تمظهر في إطار مناورات بحرية مشتركة في بحر عمان والمحيط الهندي، وهذا بمثابة إعلان جيوبوليتيكي بدورهم في ممرات الخليج باتجاهيها عند البحر الأحمر والمحيط الهندي انطلاقاً من الجغرافيا الإيرانية المسيطرة على مضيق هرمز وإمساك «المقاومة» بواسطة حلفها مع اليمن من التأثير على المرور البحري من باب المندب.

لكن الردّ الأميركي لم يتأخر مهرولاً نحو تأسيس حلف جديد للبحر الأحمر يضم دول القرن الأفريقي في الصومال وجيبوتي وإريتريا إلى جانب السودان ومصر والسعودية واليمن بشكل يمهّد لانضمام وشيك لإسرائيل إليه وبقيادة الحلف الأطلسي بخلفية الوالي الأعظم الذين هم الأميركيون.
فيصبح المشهد كالتالي: الحلف الأميركي الكبير بمسميات جديدة والمنافسون في إيران وروسيا والصين مع العراق وسورية واليمن وحزب الله وربما تواصل تركيا سياسة القضم من الطرفين المتنافسين.

هناك أيضاً لعبة أميركية جديدة لتوريط أكبر كمية ممكنة من حلفائها في الصراع على الشرق الأوسط.
فدفعت باتجاه إيقاف خدمات «التحالف الدولي» الذي أنشأته من دول أوروبية وأميركية جنوبية أشركتها في حروبها في العراق وسورية وليبيا وأفغانستان لمجرد الاختباء خلفها في حروبها للسيطرة الجديدة على العالم.

وها هي اليوم تطلب من الحلف الأطلسي المؤسسة العسكرية الأوروبية الأميركية الحلول مكان التحالف الدولي.
والدخول في الحرب الحالية على الشرق الأوسط، ينتج تورطاً أوروبياً أكبر في الحروب العسكرية واستغلالاً أوسع للدول العربية الموالية وخفضاً للنفقات الأميركية مقابل الكثير من وضع اليد على إمكانات المنطقة.

هناك نتيجة مطلوبة وهي منع روسيا والصين من التموضع في الشرق الأوسط وخنق إيران؛ الأمر الذي يحافظ على الأحادية القطبية الأميركية والتجديد لعصر السطو على الشرق الأوسط حتى نفاد الغاز منه ويحقق إلغاء كاملاً لقضية فلسطين مقابل انصهار إسرائيلي كامل في العالم العربي، هل هذا ممكن؟ إن الحلف الروسي – الإيراني الصيني ومحور المقاومة في سورية والعراق وحزب الله ودولة صنعاء ومعظم المعارضات العربية والشرق أوسطية، قادرون على إلحاق هزيمة مدوية بأخصامهم في ميادين سورية والعراق. هذا إلى جانب قوتهم في الصراع على المضائق بما ينتج قسماً أساسياً متحرراً من الشرق الأوسط وقسماً من أفريقيا وأميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا مؤسساً لعالم قطبيته متعددة، ما يدفع العدوانية الأميركية خصوصاً والغربية عموماً إلى مزيد من التراجع.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى