مبادرة للحل لا استضافة حوار.. هل تفعلها الكويت؟

> د. أحمد سنان الجابري

> تتميز السياسة الخارجية الكويتية بالتوازن، ذلك التوازن يراعي المصالح المشتركة ويعبر عن حسن الطوية حيال الآخر، وهو ما يجعل علاقة الكويت ببقية الدول بعيدة عن كل شبهة. هذه الميزة جعلت للكويت صوتا مسموعا عند الجميع، ورأيها محط قبول واهتمام لدى الجميع تقريبا.

لقد لعبت الكويت دورا محوريا خلال العقود الماضية في تقريب وجهات النظر في محيطها الإقليمي وفي بيئتها العربية المثخنة بالخلافات والتناقضات والعلاقات دائمة التوتر وسريعة العطب، ولا زلنا نراقب هذا الدور يسير بصورة إبداعية متواترة في الأزمة الراهنة بين دول مجلس التعاون. هذه الأزمة التي تبدت بصورة مركبة وديناميكية ومتغيرة بصورة تعكس طبيعة المنطقة ككل، وجوهر المصالح المتقاطعة فيها، ليس فقط بالنسبة للدول المطلة على الخليج بل وعلى المصالح الجيوسياسية والجيواقتصادية للدول المهيمنة عالميا.

وهذا الدور التي تحاول الكويت القيام به يعكس حرصها على امتصاص التداعيات الجيوسياسية المدمرة لهذه الأزمة على مستقبل قدرة دول المنطقة منفردة أو مجتمعة في الإمساك بشوكة ميزان هذه المصالح من جهة وضمان الحق السيادي الحصري لدول المنطقة.

ولا تميل السياسة الخارجية الكويتية عن هذه الميزة كذلك في علاقاتها باليمن، حيث مال الكثيرون، فمنذ البداية كانت علاقة الكويت بالجنوب والشمال مبنية على الاحترام وتقديم العون للشعب في الدولتين، حتى إنه ليصعب على المرء ألا يجد ما يذكره بدولة الكويت وأياديها البيضاء في أي منطقة من البلاد. فمن المكتبة الوطنية في عدن والمدارس ومختلف مشاريع البنية التحتية في الجنوب إلى دار الكتب وجامعة صنعاء ومستشفى الكويت وكافة المشاريع المتعددة الأغراض في الشمال كلها تذكرنا بالكويت التي تبنت هذه المشاريع دون مَن أو أذى.

وقد استمر العطاء الكويتي متدفقا مع قيام الجمهورية اليمنية، نلاحظه اليوم من خلال (حملة الكويت إلى جانبكم)، التي وصلت خيراتها حتى إلى المناطق الأكثر نأيا لتقديم المأوى والعون للهاربين والمتضررين من نيران الحرب (الحروب) المستعرة.

تكمن خصوصية العلاقة الكويتية باليمن في أن الكويت بنت علاقاتها دائما بالدولة بصرف النظر عن مضمون هذه الدولة، ولم تربطها بأفراد أو كيانات مهما كان نفوذ هؤلاء الأفراد والكيانات، وهذه العلاقة أسميها (العلاقة السوية)، ولذلك لا تتأثر مكانة الكويت في وجدان الشعب في اليمن حتى وإن حدث بعض التقلب في مزاج النظام السياسي، فالرأي العام اجمالا يظل منجذبا ومحبا للكويت شعبا وقيادة ودولة.

هذه الخاصية بالذات هي ما تفتقد إليها الكثير من الدول والمنظمات في علاقاتها باليمن، وهي الخاصية نفسها التي تجعل دولة الكويت محل قبول واحترام كل الأطراف اليمنية على تعددها واختلافاتها.
هذا القبول المتجذر للكويت جعلها في كثير من المحطات الحاسمة راعية لأهم لقاءات السلام بين الإخوة الأعداء، ولا زلنا نتذكر بامتنان عميق دور الكويت الراعي لمحادثات 1979 بين شطري اليمن، عندما انحازت الكثير من الدول لطرف ضد آخر كانت الكويت هي حمامة السلام الوحيدة تقريبا.

وتكرر نفس الأمر عندما استضافت الكويت المفاوضات اليمنية عام 2016، وفي نوفمبر الفائت عبر السفير منصور العتيبي ممثل الكويت في الأمم المتحدة عن "استعداد الكويت لاستضافة الأطراف اليمنية تحت رعاية الأمم المتحدة للوصول إلى اتفاق نهائي وشامل" للأزمة في اليمن.

ولكن ماذا لو أن هذا الاستعداد الجميل والمحب والمتطلع للمستقبل خضع لبعض التعديل، بحيث تكون الكويت ليس فقط المضيف، بل إن تكون صاحبة مبادرة متكاملة خاصة تقدمها باسمها تستوعب كل المتغيرات اليمنية والدولية في التعاطي مع الحرب وتتجاوز ثغرات المبادرات السابقة التي قدمت للأطراف المحتربة؟ ذلك أن الجميع يدرك تماما أن الوضع على الأرض قد تجاوز الحلول التي طرحت قبل الحرب، ولم تعد هذه الحلول والقرارات والمرجعيات تتناسب مع الظروف والقوى والأوضاع التي أفرزتها الحرب، لقد فرضت الحرب شروطا جديدة ينبغي التعاطي معها، وتجاهلها لن يغير شيئا على الأرض.

تتمتع القيادة الكويتية بقدر عالٍ من الحكمة والقدرة السياسية مما يجعلها الأقدر على فهم معضلة الحرب اليمنية أكثر من أي طرف آخر دوليا وإقليميا، وهي واعتمادا على الخبرة التاريخية الطويلة التي اكتسبتها في معالجة شئون المنطقة عموما واليمن على وجه خاص تدرك أن هذه الحرب ليست وليدة اليوم، ولكنها حرب هجينة ومعقدة للغاية، وهي تعبير عنيف عن تراكمات ماضوية ثأرية كثيرة وتحوي داخلها من العوامل التي تزيدها اشتعالا أكثر من تلك التي تساعد على خبو أوارها، كما أن الكويت تدرك أن هذه الحرب ليست حربا واحدة، ولكنها تركيبة غريبة مما يمكن أن نطلق عليها (حروب الاسترداد)، التي تديرها جماعات ونخب مختلفة ومتنافرة تحت شعارات أيديولوجية وعقائدية إقصائية غير قادرة على التعايش. وهي- الحرب- برغم أنها تتمظهر خارجيا بلباس واحد، إلا أنها تخفي تحت حممها وجثث ضحاياها صراعا مريرا لمصالح وأهدافا واسعة الطيف.

أن المواقف المتداخلة للمجتمع الدولي ومنظمات في الحرب اليمنية تفقدها الأهلية الكافية لصياغة مبادرة سياسية متناغمة وغير منحازة تعجل بوقف الحرب، فقط تبدو الكويت في الوضع الراهن الأقدر بسبب أن لا مصلحة تربطها بأي من الأطراف المتحاربة، وستجد أن الشعب في اليمن سيكون منتظرا ومباركا لمبادرتها التي نأمل أن تتزامن مع اليوم الوطني لدولة الكويت.

نعتقد أن مبادرة من هذا النوع أكثر واقعية من تبديد الوقت والمال على استضافة مفاوضات لن تخلص إلى نتيجة على غرار مفاوضات 2016. من المؤكد أن الكويت إذا تقدمت بمبادرة لإيقاف الحرب ستكون مثمرة ومرحبا بها من جميع العقلاء.. فهل تفعلها الكويت؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى