تركوا مقاعد الدراسة مجبرين ولجؤوا إلى سوق العمل.. أطفال الحديدة ضحايا الفقر والحرب

> تقرير/ فردوس العلمي

> حسن وخالد وحمزة، ثلاثة أطفال من محافظة الحديدة اتخذوا من أسواق مديرية صيرة (كريتر) في العاصمة عدن، مكاناً للتجول وبيع بضائعهم بشكل يومي.
أطفال في عمر الزهور أُرغموا على ترك مقاعد الدراسة والانخراط في سوق العمل؛ ليوفروا لأسرهم ولو جزءاً بسيط من متطلبات الحياة الضرورية.

ودفعت الظروف المادية الصعبة والغلاء المعيشي الناتج عن الحرب التي تدور في البلاد منذ خمس سنوات بالكثير من الطلاب إلى مصير الأطفال الثلاثة حسن وخالد وحمزة ذاته، الأمر الذي حرم الكثير من جيل المستقبل من حقهم في التعليم والتمتع بحياة الطفولة، وحمّلهم هموماً أكبر من طاقاتهم.
الحروب والفقر المدقع هما ما جعلا هؤلاء الثلاثة الأطفال في أسواق المدينة يحملون بضاعتهم على ظهورهم، وهي عبارة عن أدوات منزلية أو كهربائية، وعلى الرغم من صغر سنهم إلا أنهم أصبحوا مُعيلين لأسرهم لا مُعالين.

يقضون طول يومهم بالتجول على طول وعرض الشوارع، وما يجنونه في نهاية اليوم، رغم قلته يقسمونه ما بين مصاريفهم اليومية ومصاريف أهاليهم.
أطفال لم تتعدَ أعمارهم العقد الأول سوى بسنوات قليلة، غير أن همتهم همة رجال راشدين، تجدهم يجوبون الطرقات والشوارع، ويدقون الأبواب، ويوقفون المارة وهم يرددون "اشتروا منا"، يحملون على أكتافهم بضاعتهم أو يربطوها إلى ظهورهم بكراتين، ويتنفسون بصعوبة.

يقولون في أحاديثهم لـ«الأيام» إنهم عانوا الكثير من المعوقات والمصاعب أثناء قدومهم من محافظة الحديدة إلى عدن التي يقضون فيها ثلاثة أشهر كاملة في طلب الرزق وتوفير "اللقمة الحلال" لهم ولأفراد أسرهم، قبل أن يعودوا إليهم.

وجه آخر للطفولة
حسن
حسن
يقول حسن محمد أبكر، أثناء سرده لقصة معاناته وأسرته من جراء الحرب التي تشهدها المحافظة منذ عدة سنوات، والتي أجبرته أيضاً على ترك مقاعد الدراسة والانخراط إلى سوق العمل مبكراً: "والدي رجل كبير في السن، وأمي ربة بيت، ولكوني أكبر إخواني تحملت همّ الأسرة المكونة من: أمي، وأبي، وأربعة إخوة.. تغربت في وطني وغبت عن مدينتي من أجل الحصول على فتات أسد به رمق الجوع لي ولأسرتي".

خالد محمد عبدالله، شريك أبكر في العمل والألم، حُرِم هو الآخر من التمتع بحياة الطفولة التي كان من حقه أن يعيشها بأمن وسلام بعيداً عن الكد والتعب والكفاح الذي انخرط فيه مجبراً قبل وقته.
وعند سؤالنا إياه: كيف العمل معك يا خالد؟ رد بكلمة بملامح مرهقة: "سابر".

خالد هو الأخر ترك المدرسة وتفرغ للعمل وإعالة أسرته، أصبح هو رجل البيت، فكما يقول: "والدي كبير في السن وأمي لا حول ولا قوة لها، وإخواني صغار بحاجة إلى من يرعاهم ويهتم بهم".
حمزة قاسم دوم، لم يكن أحسن حالاً من زملائه في سوق العمل، ترك مقاعد الدراسة ليتوجه إلى السوق ليطلب الله ويخفف من الظروف المادية الصعبة على أسرته، كما يقول.

حمزة
حمزة
لم يتمكن حمزة من مواصلة الدراسة بعد أن وصل إلى الصف الرابع، فالحرب والفقر كانا له بالمرصاد، حيث أجبراه على ترك الدراسة والالتحاق بالعمل مبكراً كغيره من الأطفال، حيث يوفر من خلال عمله جزءاً من قوت يومه وأسرته المكونة من أب عاجز عن العمل وأم ربة بيت وأخوين صغيرين.
يضيف حمزة في حديثه لـ«الأيام» متسائلاً: "إذا لم أشتغل.. من سيصرف على أسرتي؟"، وعن سبب تركه للدراسة أجاب قائلاً: "الفقر وعدم قدرة والدي على شراء مستلزمات المدرسة والحرب".

جهد كبير
سألت هؤلاء الأطفال الثلاثة عن موقع سكنهم في أي مخيم، أجاب حسن وهو أكبرهم، بينما كان ينظر إليّ باستغراب: "لسنا نازحين، وأسرنا ما زلت في الحديدة، ولكننا ننزل إلى عدن ونقضي فيها ثلاثة أشهر نعمل في بيع الأدوات الكهربائية والمنزلية، وبعد انتهاء هذه المدة نعود إلى أسرنها، ونحن على هذه الحالة منذ مدة". وعن المكان الذي يبيتون فيه أضاف: "نبات في إحدى اللوكندات بمديرية الشيخ عثمان، حيث يدفع كل نفر منا في الليلة الواحدة ثلاثمائة ريال، وإذا ما طلع النهار نجوب الطرقات والشوارع في طلب الرزق".

ويوضح حسن، بأنهم يتحصلون على بضاعتهم من أحد التجار المعروفين لديهم في الشيخ عثمان، ومن ثم يتوجهون لبيعها في مديرية صيرة كونها سوقاً مناسباً لهم لبيع البضاعة الخاصة بهم.
وعلى الرغم من الجهد الذي يبذلونه طوال النهار لا يتجاوز ما يتحصلون عليه في اليوم الواحد الـ 1500 ريال، يتقاسمون فيه الفائدة مع التجار بالنصف، وفي حال عدم البيع يكتفي التاجر بتقديم وجبات الطعام ودفع قيمة اللوكندة لهم، بحسب الطفل حسن.

خالد
خالد
يقول خالد: "كل ما نبيعه جميعاً في اليوم لا يتجاوز أربعة أو خمسة آلاف ريال، وأيام أخرى لا نبيع فيها، فكما يُقال (التجارة يوم لك ويوم عليك)".
وبثقة يضيف حسن: "نحن في أول شهر نرسل المبلغ لأسرنا عبر وكالة (النجم)، فمنا من يرسل 20 ألف، ومنا من يرسل 15 ألف، ولكن في الشهرين الأخيرين لا نرسل شيئاً، ونحتفظ بالنقود لدينا، وحينما نعود إلى الحديدة سنسلمها لأسرنا، والحمد لله حالنا أفضل من غيرنا".

وأكدوا ثلاثتهم بأنهم لا يجدون صعوبات، فجميعهم يشعرون بالأمان، ويضيفون: "لا أحد يتطاول علينا أو يسرق بضاعتنا، ولو غلب النوم أحدنا يتكئ على بضاعته ويأخذ قيلولة وهو آمن على بضاعته".
ينتمي كل من حسن وخالد وحمزة إلى منطقة الطحي في محافظة الحديدة، هم أطفال؛ ولكن حديثهم وثقتهم بأنفسهم جعلت من يتحدث معهم يشعر أنهم في عمر أكبر من سنهم، أجسام صغيرة ولكن تحمل همّ كبار السن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى