من ستوكهولم إلى الرياض.. السلام في اليمن طريق مسدود

> إبراهيم جلال*

> على مدار الـ 14 شهراً الماضية، كانت هناك لحظات بدا فيها أنه تم إحراز تقدم نحو تراجع التصعيد في اليمن، تمثل لك في إبرام اتفاقَي ستوكهولم والرياض، وتقليص كبير في الغارات الجوية للتحالف العربي، وتعيين الرئيس الثالث من بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، ومبادرة الحوثيين لوقف التصعيد، والانسحاب العسكري الإماراتي والسوداني، وإعادة بدء مفاوضات الحوثي الأخيرة على القناة السعودية. لكن كانت هناك أيضاً نكسات كبيرة، بما في ذلك النزاع المسلح في عدن، والاشتباكات العنيفة الأخيرة في محافظتي مأرب والجوف، والهجوم الحوثي على وفد حكومي في الحديدة، والاضطرابات في سقطرى، وتجدد هجمات الحوثيين على البنية التحتية السعودية، ومحدودية تنفيذ اتفاقيتي ستوكهولم والرياض.

ظلت جهود السلام حتى الآن مجزأة وهشة إلى حد كبير، وقد تكون اليمن على وشك نشوب مزيد من الصراع من شأنه أن يجعل احتمالات السلام أكثر بُعداً. تبنت الأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية نهج إدارة الأزمات من خلال احتواء الأزمات الصغيرة المباشرة - في الحديدة في عام 2018 وفي عدن في عام 2019. لكن هذا لم يعالج القضية الأساسية لليمنيين، وهي الحاجة إلى إنهاء الحرب وبناء السلام في جميع أنحاء البلاد. وبينما تواصل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي جهودهم، أصبح هناك درسان أساسيان من الإخفاقات السابقة لعملية السلام، هما:

الحاجة إلى محادثات سلام أوسع
يجب على الأمم المتحدة أن تحل محل نهجها المحدود جغرافياً بمحادثات سلام شاملة على المستوى الوطني لحل المأزق بين الأطراف المتحاربة الرئيسية وإنهاء الأعمال القتالية على جميع خطوط المواجهة. من خلال التركيز على عدد قليل من المحافظات، حد الوسطاء مؤقتاً من الاشتباكات المسلحة على طول الخطوط الأمامية مع تجاهل العديد من المحافظات الأخرى. على سبيل المثال، أدى اتفاق ستوكهولم الصادر في ديسمبر 2018 إلى انخفاض كبير في التصعيد العسكري بين القوات المشتركة والمتمردين الحوثيين في الحديدة. ومع ذلك ، فقد فشلت، على سبيل المثال، في تخفيف الاشتباكات المسلحة في أغسطس 2019 بين الحكومة اليمنية والقوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن ومناطق أخرى، على الرغم من أن الاضطرابات كانت واضحة منذ يناير 2018 على الأقل، والتي حاول اتفاق الرياض في وقت لاحق معالجتها في نوفمبر 2019.

أدى هذا النهج التدريجي إلى إطالة أمد الحرب، وجمد السعي للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة، وتعميق التشظي الداخلي، وحفّز على تجدد العنف في عدة محافظات. مع استمرار المواجهات الكبرى بين القوات المتحالفة مع الحكومة والحوثيين، ولا تزال العلاقة بين الانتقالي الجنوبي والحكومة متوترة، هناك حاجة ملحة لإعطاء الأولوية لمحادثات سلام شاملة وغير مشروطة تحت رعاية الأمم المتحدة. يجب سماع أصوات الكيانات التي تم تهميشها سابقاً، وإلا فمن المحتمل أن تتسع المواجهة العسكرية.

اتباع نهج إقليمي
ستستفيد الأمم المتحدة من العمل جنباً إلى جنب مع شريك إقليمي وصياغة الجهود المستقبلية بعد مبادرة مجلس التعاون الخليجي لعام 2011 بشأن اليمن، والتسهيل العماني لاتفاق إيران النووي لعام 2015، واتفاق الرياض لعام 2019. وقد أظهر هؤلاء جميعاً خبرات متعمقة وفهماً دقيقاً للديناميكيات المحلية والحساسية الجيوسياسية وقدرة على تسهيل المحادثات الشاملة، وكل ذلك يمكن أن يزيد من احتمالات نجاح جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة. قامت عمان بتسهيل المحادثات بين الحوثيين والحكومة اليمنية والمملكة العربية السعودية والمسئولين الأجانب بشكل متقطع. استضافت الكويت أيضاً محادثات بين الحكومة اليمنية ومتمردي الحوثيين في عام 2016، وحاولت بنشاط التوسط في أزمة الخليج، وأكدت مجدداً استعدادها لاستضافة محادثات مستقبلية. لذلك فإن الدولتين تتمتعان بالمصداقية نسبياً، ومن المحتمل أن يقدِّما خبرة تقنية قيّمة للأمم المتحدة إلى جانب استضافة المحادثات.

نهج الأمم المتحدة الحالي في اليمن يجب أن يتغير، فمنذ اشتداد الصراع في مارس 2015، توسطت الأمم المتحدة في ست جولات من المحادثات بين الحكومة اليمنية والحوثيين في سويسرا والكويت والسويد، وكانت النتائج مخيبة للآمال حتى الآن. أنتجت الجولات الأربع الأولى القليل، ولم يحضر الحوثيون حتى في الجولة الخامسة في جنيف في سبتمبر 2018، وحتى عندما تمكنت الأمم المتحدة أخيراً من التوسط في صفقة في الجولة السادسة، في السويد في ديسمبر 2018، كانت النتيجة فشل اتفاق ستوكهولم إلى حد كبير في الوفاء بما وعد به. والأكثر إثارة للقلق أن أياً من جولات المحادثات هذه لم تحسن العلاقة المتوترة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين.

ستوكهولم والرياض
عند المقارنة بين مفاوضات الرياض وستوكهولم من حيث إمكانية التنفيذ، فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة سعودية (اتفاق الرياض) هو أكثر تحديداً وتفصيلاً. استغرقت عملية ستوكهولم أسبوعاً واحداً فقط، واعتمدت بشكل كبير على الغموض الإستراتيجي لتحقيق تقدم سياسي. على النقيض من ذلك، استغرقت المحادثات السعودية غير الرسمية قرابة شهرين، وعملت على التخفيف من حدة التوتر، وتقليل عدم الثقة، وممارسة الضغط المناسب، وتسهيل المقايضات المتبادلة. باختصار، فقد فهم السعوديون الحساسيات والفروق الدقيقة في الديناميات المحلية، ويظهر نجاحهم المقارن أهمية وجود داعم إقليمي.

مع أخذ كل هذا في الاعتبار، ليس هناك شكلً في أن المطلوب هو اتفاق سلام شامل، فوراً ودون قيد أو شرط، تدعمه جهات فاعلة إقليمية وعملية سلام من القاعدة إلى القمة. تكمن العقبة الكبيرة في الحد من عدم الثقة وبناء الثقة قبل استئناف المحادثات.

إعادة فتح مطار صنعاء للمسافرين الباحثين عن علاج طبي منقذ للحياة هو خطوة في الاتجاه الصحيح في هذا الصدد. من الأهمية بمكان بذل الجهود لتحسين العلاقة بين الطرفين قبل محاولة التوصل إلى حلول وسط بشأن مصالحهم ومواقفهم المتباينة وغير المتوافقة. إذا لم يتم ذلك فمن المحتمل أن تتكرر الأخطاء التي أدت إلى فشل المحادثات في سويسرا والكويت، وكذلك التنفيذ المحدود لاتفاقي ستوكهولم والرياض، مع إعادة العملية إلى الوراء عندما تحتاج إلى المضي قدماً.

*باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، ومحلل مستقل في اليمن والخليج، ومؤسس مشارك في مركز أبحاث تقطير الأمان.

"معهد الشرق الأوسط".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى