خطيب ومضرب الأمثال

> ناظم سالم الكولي

> كان قس بن ساعدة الإيادي من أشهر خطباء الجاهلية، وهو أول من قال: "أما بعد" و"البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" و"اسمعوا وعوا"، ومن عاش مات، ومن مات فات".

كان قس بن ساعدة الإيادي من حكماء العرب، قبل الإسلام، وقد تُوفي حوالي عام 600م، وبعده "الشهرستاني" في كتاب "الملك والنحل" بين من يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب، وكان زاهداً في الدنيا، خاصة بعد أن مات له أخوان ودفنهما بيده، وكان يحضر سوق عكاظ ويسير بين الناس وينذرهم.. ولقد ضرب به المثل في الخطابة والبلاغة والحكمة.

وتنسب إلى قس بن ساعدة حكم كثيرة، منها: "إذا خاصمت فاعدل، وإذا قلت فاصدق، ولا تستودعن سرك أحداً، فإنك إن فعلت لم تزل وجلاً"، و"من عيّرك بشيء ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تشاور مشغولاً وإن كان حازماً ولا جائعاً وإن كان فهماً ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً".

كان قس خطيب العرب قاطبة، وإذا كان الخطباء كثيرين والشعراء أكثر، فإن من يجمع الشعر والخطابة قليل، وكان مضرب أمثال العرب في البلاغة، فإذا ما أشاروا إلى خطيب أو شاعر بليغ، فيقولون: "أبلغ من قس".

ومما يذكر عنه أنه أول من خطب متكئاً على عصا، وأول من قال: "البيّنة على من أدعى واليمين على من أنكر" ومما ذكر عنه أيضاً أنه كان ينكر المنكر الذي شاع في الجاهلية والغفلات التي كانت تسيطر على الناس فتنسيهم الموت والبعث والجزاء، وكان الرسول "صلى الله عليه وسلم"، قد أدركه قبل مهبط الوحي بعشر سنين، وقال فيه "يرحم الله قسّاً، إني لأرجو يوم القيامة أن يبعث أمة وحدة"، وهذه الخطبة قالها "قس" في سوق عكاظ قبل ظهور الإسلام ومما قال فيها:

"أيها الناس، اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت.. مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات، جمع وشتات، ليل داج ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج، ومهاد موضوع وسقف مرفوع، ونجوم تمور وبحار لا تغور، ونجوم تزهر وبحار تزخر.. إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟!، أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا؟، تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية.

يا معشر إياد.. يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد؟!، وأين الفراعنة الشداد؟، ألم يكونوا أكثر منكم مالاً وأطول آجالاً؟! طحنهم الدهر بكلكله، ومزقهم بتطاوله.. يقسم (قس) بالله لا إثم فيه إن لله ديناً هو أرضى لكم وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً".

ويروى أنه أنشد بعدها فقال:

في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر

لما رأيت مورداً للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر

لا يرجع الماضي إليّ ولا من الباقين غابر

أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر. ​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى