مارتن جريفثس.. ولعبة القريب منك بعيد

> علي عبدالكريم

> حين تم تعيين مارتن جريفيثس ضربت التكهنات في الأعماق، لتخرج الجواهر الناصعة التي يمتلكها جريفيثس خبرة ومكانة وإسناد. وتمر الأيام والشهور والسنوات، فتخيب الظنون وتموت الأحلام بقدرة هذا الوافد على الإتيان بما لم تستطعه الأوائل وذهبت أحلامنا أدراج الرياح.

ترى أين العلة؟ أبدرجة التفاؤل التي تمادينا بطرحها توخياً منا بأن داخل جعبته مهارات وأدوات وإسناد لم تتوافر لدى من خلفهما.. أما يا ترى أن جملة الظروف التي تحيط بهذا الملف المعقد على كل المستويات الداخلية يمنياً وإقليمياً بين أطراف نظرتهما لملف إنهاء هذا الصراع دونه ما يتجاوز دورهما وقدرتهما من جانب، ومن جانب آخر فالأمر هنا وفي إطار تعقد تفاصيل المعارك والمصالح والتضارب داخلهما قد أربك المشهد وحول ملف الحرب هذه إلى صراعات بين الأطراف الداخلية بين أطراف كل من الشرعية ونقيضها.. وصراعات خفية وجلية بين أطراف التحالف على خلفية تباين مصالحها القصيرة والبعيدة المدى، والتي من أجلها استعجلت بقرار الحرب ولم تدرك إلا بعد فوات الأوان أن مرحلة ما بعد دخول المعركة ليست كما كان التصور بأنها جولة وكفى الله المؤمنين وغير المؤمنين شر القتال.

وهكذا بات سير الحرب من استعراض راقص إلى آخر دائم مع إصرار كثيرين منهم على الاستمرار في لعبة الحبال المعلقة بالهواء دون إنجازات حقيقية لأهداف تتحقق، فقط مظاهر هدر مالي متزايد وأرواح تزهق وتفتيت كيان وطني يزداد تدهوراً وتظل سفينة مارتن جريفيثس تبحر بأشرعة تجاذبها الرياح وتفشل في مهمتها لاجتياز حاجز الموج المانع للوصول إلى بر الأمان، مما دفع به ومعه المجتمع الدولي والإقليمي كأطراف امتهنت لغة الحرب للحرب دونما أفق، وفي كل محطة وقوف لسفر الحرب يتلو جريفيثس إما حاضراً صلوات الحاضر مع أعضاء مجلس الأمن أو يقيم صلاته عن بعد عبر شاشة للتواصل والإبلاغ ولا جديد. وهكذا دوران في جراب حاوي ضاع منه خاتم سليمان لأننا لم نعد نعيش ذلك الزمن.

لم ييأس الرجل وحاول وكتب واقترح بذات البندول المعتاد وأوحى له خياله ذات مرة وقد استشار عبقرية شاتم هاوس "معمل الخبرة الاستخبارية السياسية البريطانية"، وكانت خطوته التي اعتبرها جوهرة ستلمع في سماء التكرار الممل للخروج من عنق الزجاجة واستضاف ثلة من أطناب وأطياف المجتمع ممن يمتلكون رؤية وآفاقاً لم تنحر بعد في دواليب أطراف الصراع الدامي، ولكنه صراع دامٍ يسيل من جسد شعب يقتل وبلد يدمر، وبالمقلب الآخر هناك من يربحون ويتحولون مع استمرار الحرب إلي متنفذين وتجار ليس إلا، ولا يهم بعد ذلك إن طالت الحرب إذ نراها تخفت لهدنة هنا ومرة هناك ثم تعاود الكرة بأبشع وأشد ضراوة مما كانت عليه، حتى آلية "شاتم هاوس" ذهبت أدراج الرياح إلا إن كان في جراب الحاوي جريفيثس ما يخفيه وما لم يعلنه بعد.. وإن كان الأمر كذلك فلماذا الانتقال الدرامي إلى لقاء الأردن الأخير؟ هكذا قفزات في الهواء وأظنه لم يعد طلقاً كما كان مع بداية الحرب.. بات الآن ملوثاً بالدماء وبالكورونا.

مات لقاء الكويت ولحقه المغفور له بيان ستوكهولم، وثالثة الأثافي بيان الرياض الذي كان يترنح من لحظة توقيعه وساعة لم يجف بعد حبر التوقيع عليه، وفي كل محطة كان شعبنا يتطلع ويحدوه الأمل بأن الزمان قد فتح نافذة أمل ولكن الرياح تأتي للأسف بما لا تشتهي رغبات من تطحنهم الحرب.
مؤخراً فاجأنا جريفيثس ومكتبه وهيئة أركانه بحشد هائل وقول جازم ووعد مليء بالمقبلات التي تتفوق على مقبلات الموائد الشامية قبل أن تصيبها لعنات الحرب وتتحول إلى موائد خاوية.

تواً ولّينا أبصارنا نحو مملكة البتراء الأردن الشقيق، فهناك جريفيثس وثلة فرسان المائدة المستديرة سيأتون بالمعجزة في زمن لم يعد به مجال للمعجزات ولكن به مجالات للقول والجهر بأن هذه الحرب لن تنتهي. السؤال سيقول كيف نبادرهم القول بأن الذين بدأوا الحرب والمسببين لها والذين يديرونها يمكنهم إن أرادوا وقف هذه الحرب؟ ولا تنقص قدرات المجتمع الدولي ولا قدرات وكفاءة القوى الوطنية اليمنية التي لم تتلوث بالحرب أن تشكل مدخلاً لخلق روية مغايرة لما سارت عليه الأمور طيلة السنوات الخمس العجاف التي لم تثمر غير فشل يتلوه فشل.

لعل الآلية التي طرحها جريفيثس المتمثلة بلقاء أمان الأخير أن تشكل مخرجاً، شريطة أن يتوسع في ثلاث أمور:

الأول: رفد هذا اللقاء بتمثيل أوسع من طيف وطني خارج لعبة من قبل أطراف الحرب.

الثاني: أن تتحول هذه الآلية إلى آلية يعتمدها مجلس الأمن موازية في مكانتها ودورها للآلية الحالية العاجزة، شرعية وتحالفاً وانتقالياً والطرف الانقلابي.. هذه آليه حرب ليست آلية تبحث عن مشروع حل.

الثالث: الزمن والإمكانات، الزمن يحدد مداه مجلس الأمن المفترض بأن يعهد لجريفيثس بالتحول إلى آلية تمهد وتقترح وتشير بالبنان للمعرقل وكيفية مواجهته، وأقصد بالإمكانات لوجستية أولاً وأخرى تخضع لرقابة صارمة.. لم يعد كل من شعبنا وبلادنا يملكان ترف الوقت أو السكوت وهم يرون بلادهم تضيع وشعبهم يقتل وتحت نظرهم تعقد اجتماعات ويتم تكوين وفود وتطلق صواريخ تحت سمع وبصر من يراقبون الأرض والسماء وأعماق البحار من أين تأتي وكيف تصل لنقطتها الأخيرة.. شعبنا طفح جلده من الحرب ومن الوعود ومن طغيان الفساد وعلى كل المستويات.

أختم بالقول مؤكداً بأن القرار الخالي من غبار المعارك الذي أصدره ويصدره مجلس الأمن والذي يؤكد فيه على أمن واستقرار ووحدة اليمن قرار وتاريخ ندعمه ونؤيده، لكنا نراه لم يعد كافياً فما بات يجري على الأرض نخشى معه تثبيت مصالح وحقائق تضعف محتواه وتضعف هذا التوجه والإصرار لمجلس الأمن المؤكد على أمن واستقرار ووحدة بلادنا اليمن ذلك الإصرار يتطلب قرارات شجاعة تنهي الحرب وتنقل بلادنا إلى رحاب السياسة اعتماداً على معطيات القرار 2216، وقرارات مؤتمر الحوار الوطني، وبما يكفل حلاً سياسياً للقضية الجنوبية باعتبارها جذراً أساسياً دون حله حلاً وطنياً يحقق للجنوب دوره ومكانته كشريك صانع للوحدة التي تم الانقضاض عليها وتفاصيل هذا الأمر تكرارها بات مملاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى