محمد سعيد الحصيني.. مؤسس معهد الجنوب التجاري بمدينة الشيخ عثمان

> الحصيني.. علم من أعلام زمن عدن الجميل

>
محمد عبدالله مخشف
محمد سعيد الحصيني، أسم بارز لعلم من أعلام تاريخ عدن التعليمي والسياسي والصحافي والخيري في حقبة الخمسينيات والستينيات، التي حفلت بالكثير من التطورات الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنقابية والرياضية وغيرها.

وشكلت تلك التطورات نهوضاً تنموياً وحراكاً شعبياً نشطاً في مدينة عدن، نقلتها في مدى زمني قصير إلى مصاف متقدم عن سائر مدن منطقة الجزيرة العربية والخليج، وهو ما حدا بالأستاذ والصحافي الكبير والسياسي المحنك علي محمد لقمان أن يطلق على ذلك الدور الذي كانت تلعبه عدن بأنها "مركز إشعاع الجزيرة والخليج".

وتشهد سيرة أ. محمد سعيد الحصيني، بعصامية نادرة، وكفاح ذاتي عنيد لرسم معالم حياة سعيدة له وللآخرين من خلال البصمات التي تركها في مجالات التربية والتعليم والسياسة والأعمال الخيرية والصحافة.

ويسعدنا أن نكرس هذا الموضوع لإلقاء الضوء على السيرة العطرة للأستاذ محمد سعيد الحصيني، التربوي والسياسي والناشر ورجل الأعمال والخير.

أ. محمد سعيد الحصيني في سطور
من مواليد منطقة المعلا في عام 1932، درس في كتاتيب منطقتي المعلا والتواهي ثم في المعهد التجاري العدني "المدارسي".

انتقل مع أسرته إلى خور مكسر، حيث كان والده يعمل كعامل فني لدى شركة "عدن كيبل أند وايرلس" (ADEN CABEL AND WIRELESS )

درس في معهد التجارة البريطاني في لندن، ونال العديد من الشهادات في المحاسبة والإدارة التجارية.

التحق بعدة وظائف مرموقة في عدن لتمكنه من إجادة اللغة الإنجليزية نطقاً وكتابة. وفي عام 1953، أسس معهد الجنوب التجاري بالشيخ عثمان، الذي سنتناول دوره في هذا الجانب لاحقاً.

ترأس عدة نقابات قبل نشوء المؤتمر العمالي في 1956، انتخب عضواً في المجلس التشريعي لعدن عام 1959.

تقلد وزارة المعارف، عقب وفاة وزيرها عبدالله إبراهيم صعيدي في عام 1962. (سنتناول هذا الجانب بتوسع لاحقاً).

تقلد وزارة الإعلام، وفي عهده تأسس تلفزيون عدن كواحد من أوائل محطات التلفاز في البلاد العربية.

اتجه للعمل الحر عام 1964، بعد أن أنهى عضويته في المجلس التشريعي، وحقق الانجازات التالية:

- أسس شركة الحصيني للمقاولات العامة، التي تولت إنشاء الكثير من المشاريع والمباني الحكومية.

- أسس شركة الجنوب للإسفلت، التي قامت بشق وسفلتة طرقات مهمة في الجنوب، وكذلك مطار تعز.

- غادر عدن مكرهاً كغيره من أبناء عدن إلى الخارج، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بعد الاستقلال مباشرة وتولي جهة واحدة السلطة منفردة في الجنوب وإقصاء القوى الوطنية الأخرى.

- استقر به المقام في إمارة الشارقة، وأسس أول فندق حديث فيها أسماه "فندق سبأ"، كما أسس شركة مأرب للمقاولات عند بداية نهضة إمارة الشارقة.

- أسس أكبر المخابز الحديثة، كمصنع غذائي متنوع يوزع إنتاجه في كافة أنحاء دولة الإمارات.

- اختير كعضو في مجلس إدارة أكبر وأشهر البنوك في الشارقة "مصرف الشارقة الإسلامي"، وتولى منصب نائب رئيس مجلس إدارة المصرف.

- ساهم في مشاريع خيرية عديدة في عدن من بينها "مستوصف الحصيني الطبي" في الشيخ عثمان. كما أنشأ مركز الحصيني الطبي التعاوني في مدينة التربة بمحافظة تعز.

- حالياً متقاعد ويدير أعماله نجليه (أسامة ومصطفى).

الحصيني يؤسس أول معهد تجاري في الشيخ عثمان
في عام 1953م، بعد عودته من بريطانيا أنشأ أ. محمد سعيد الحصيني، أول معهد تجاري لتدريس اللغة الإنجليزية وتعليم الطباعة على الآلة الكاتبة باللغتين الإنجليزية والعربية اللتين كانتا مطلوبتين في ذلك الوقت، وقد لعب دوراً كبيراً وساهم كثيراً في تعليم وتدريس شباب الشيخ عثمان على إجادة اللغة الإنجليزية والطباعة، مما أتاح لهم الحصول على وظائف أو الترقي فيها.

صورة لسند رسوم تعليم اللغة الانجليزية لشهر واحد
صورة لسند رسوم تعليم اللغة الانجليزية لشهر واحد

وكان المعهد، قد بدأ نشاطه أولاً في دور أرضي يتكون من مخزن ودارة لمنزل في شارع الهاشمي أمام مسجد الهاشمي. وبعد سنوات في مطلع الستينيات تمكن أ. محمد سعيد الحصيني من إنشاء مبنى أكبر وأوسع للمعهد، يحتوي على عدة فصول وقاعات ومكاتب، مما سمح باستيعاب أعداد أكبر من طلاب العلم والمعرفة آنذاك.

معهد الجنوب التجاري بمدينة الشيخ عثمان
معهد الجنوب التجاري بمدينة الشيخ عثمان

واستمر عمل المعهد في فترة ما بعد الاستقلال بسنوات تحت إدارة أخيه الأكبر علي سعيد الحصيني، والد الصديقين العزيزين أحمد وعبدالله، ثم أبن أخيه محمد علي.


في السنوات القليلة المنصرمة، أنشأ الحصيني مستوصفاً طبياً في مكان معهد الجنوب التجاري، كمستوصف خيري بأجور رمزية، كما أسس مركزاً الحصيني الطبي في مدينة التربة بمحافظة تعز.


الحصيني في المجلس التشريعي ووزيراً
في عام 1959، دخل أ. محمد سعيد الحصيني معترك السياسة، عندما خاض ثاني انتخابات نيابية في عدن، وفاز فيها مع الشيخ محمد علي مقطري بمقعدي الشيخ عثمان في المجلس التشريعي لعدن.

وفي أول حكومة لعدن، برئاسة المرحوم حسن علي بيومي، تقلد وزارة المعارف خلفاً لوزيرها المتوفي عبدالله إبراهيم صعيدي، وفي عهده ساعد في إرسال العديد من الطلاب خريجي كلية عدن مبتعثين للدراسات العليا في جامعات بريطانيا وبلدان أخرى.

ثم تقلد بعدها وزارة الإعلام. وفي عهده تأسس تلفزيون عدن كرابع أو خامس تلفزيون في البلاد العربية، بعد مصر وسوريا والعراق ولبنان.

"الوطن" أول مطبعة وصحيفة في الشيخ عثمان
في مطلع الستينيات، كان للأستاذ محمد سعيد الحصيني قصب السبق والريادة في إدخال أول مطبعة صحافية إلى مدينة الشيخ عثمان وإصدار أول صحيفة منها هي "الوطن" الأسبوعية.. ولعبت الصحيفة والمطبعة دوراً كبيراً في نشر الوعي والثقافة في الشيخ عثمان خاصة وعدن عموماً، كما كانت الصحيفة متنفساً لشباب الشيخ عثمان وأدبائها وكتابها لنشر نتاجاتهم الأدبية والفكرية وآرائهم.

وإلى جانب صحيفة "الوطن"، ساهمت المطبعة بدور هام في نشر وإصدار العديد من الصحف الوطنية والمجلات الاجتماعية التي كانت تطبع فيها، وعلى رأسها صحيفة "الأمل" الأسبوعية، لصاحبها ورئيس تحريرها المناضل اليساري والمفكر السياسي أ. عبدالله عبد الرزاق باذيب، ومجلة "الوحدة " الاجتماعية لصاحبها أ. عدنان كامل صلاح، وصحيفة "الفاروق" الرابطية، لصاحبها أ. عبدالله الجابري، ومجلة "الشروق" الاجتماعية لصاحبها أ. محمد حامد عولقي.

كما صدر عن مطبعة "الوطن" أول مجموعة قصصية للأديب القاص أ. عبد المجيد القاضي، وكذلك كتابين عن الحركة الرياضية للكاتب والناقد الرياضي علوي محمد علي. الكتاب الأول بعنوان: "الكابتن"، عن سيرة اللاعب العدني الدولي في نادي الزمالك المصري الكابتن علي محسن مريسي. والكتاب الثاني بعنوان: "الظهير الثالث"، عن قضايا الحركة الرياضية في عدن آنذاك.. وصدر عن المطبعة كذلك العديد من الإصدارات والمطبوعات في شتى مناحي الثقافة والمعرفة.

وقد بدأ الزميل والصديق العزيز محمد زين الكاف، حياته الصحافية في عام 1962، في صحيفة "الوطن"، ثم تزاملنا معاً في صحيفة "الأيام" لناشرها ورئيس تحريرها أ. محمد علي باشراحيل، وتواصلت زمالتنا بعد الاستقلال في صحيفة "14 أكتوبر" حتى تقاعدنا قبل سنوات.

الحصيني يرعى تأسيس أول كيان نقابي للفنانين بعدن
كما كان للأستاذ محمد سعيد الحصيني، أيادٍ بيضاء على الحياة الفنية الغنائية في عدن من خلال الدعم المادي والمعنوي الذي كان يقدمه للفنانين ورعايته لهم.

ففي عام 1966، تعرض الوسط الفني في عدن ولحج لحادث أليم راح ضحيته اثنان من كبار عازفي الكمان، وأصيب عدد آخر من الفنانين والموسيقيين، عندما انقلب (رولي) تابع للجيش الاتحادي كان يقل مجموعة منهم في رحلة فنية إلى أبين في مفرق (الكود)، وقضى فيه عازفا الكمان الكبيران، علي محمد فقيه وصلاح ناصر كرد، وأصيب المنلوجست فؤاد الشريف والفنان سعودي أحمد صالح وعازف الكمان الشهير نديم محمد عوض وآخرين.

وعلى إثر هذا الحادث، تنادى المشتغلون في المجال الفني الغنائي من مؤلفين وملحنين وعازفين ومغنيين إلى التلاقي والتجمع للمطالبة بالتعويض العادل على من فقد حياته وأصيب في الحادث ، وذلك بعد أن تجاهلت السلطات المعنية حقوق الضحايا والمصابين في التعويض على ما لحق بهم وهم في مهمة رسمية .

وبعد اجتماعات تحضيرية، كانت تعقد في أيام (الجمعة) في منزل الفنان محمد سعد عبدالله بالمنصورة، تقرر عقد اجتماع تأسيسي موسع لكافة أهل الفن والغناء لإشهار وإعلان كيان نقابي للفنانين يدافع عن حقوقهم ويتبنى مطالبهم. ولأن مثل هذا الاجتماع الموسع بحاجة إلى مكان أوسع ومناسب يستوعب أعداد الفنانين والمؤلفين والموسيقيين والمشتغلين في الحركة الفنية، لم يجد الفنانون غير اللجوء إلى الأستاذ محمد سعيد الحصيني لطلب العون والمساعدة في تيسير وتسهيل انعقاد الاجتماع.

وكان لي شرف تكليف الفنانين لي ولإخواني العزيزين، شاعر الأغنية الكبير أ. محسن علي بريك، والقاص والناقد الفني محمد قاسم مثنى، للتواصل مع أ. محمد سعيد الحصيني لإبلاغه بتمني وطلب الفنانين له برعاية هذا الاجتماع والمساعدة في عقده، عبر استخدام إحدى قاعات معهد الجنوب التجاري لتكون مكاناً لانعقاده. وعلى الفور أبدى الأستاذ الحصيني ترحيبه ودعمه ورعايته لعقد هذا الاجتماع، وخصص إحدى قاعات المعهد الكبرى لاستقبال جموع الفنانين الذين تقاطروا من عدن ولحج وأبين للمشاركة في حضوره وأعماله.

إشهار "جمعية أهل الفن"
وفعلاً انعقد الاجتماع التأسيسي الذي أعلن فيه ولادة أول كيان نقابي لفناني الجنوب، أطلق عليه أسم "جمعية أهل الفن"..

كما تمخض عن الاجتماع التأسيسي انتخاب قيادة تقود نشاط الجمعية للمطالبة والدفاع عن حقوق الفنانين، من الفنان محمد مرشد ناجي رئيساً، والفنان محمد سعد عبدالله أميناً عاماً، ومحمد قاسم مثنى سكرتيراً إدارياً، وعضوية الشاعر الغنائي الكبير محمود السلامي وعدد آخر من الفنانين.

ولم يكتف أ. محمد سعيد الحصيني، بتخصيص إحدى قاعات المعهد لعقد الاجتماع التأسيسي، وإنما شاء أن يسهم في إنجاحه والترحيب بجموع الفنانين في مبنى المعهد، وذلك عبر طلبه إلى مقهى "القُميري" الشهير، آنذاك بالشيخ عثمان، بتزويد المجتمعين بالشاي والكيك والمرطبات على حسابه الخاص. وكانت تلك لفتة كريمة منه تنم عن أريحة سمحاء وروح تعاونية.

صورة لسند رسوم تعليم اللغة الانجليزية لشهر واحد
صورة لسند رسوم تعليم اللغة الانجليزية لشهر واحد

ليس آخر المسار
ما تقدم، غيض من فيض عن محطات في سيرة واحد من رجالات عدن في الزمن الجميل، الذين صنعوا نهضتها التعليمية والاقتصادية والسياسية والصحافية والعمرانية والفنية.. نرجو أن تكون بداية لسلسلة من صفحات ومحطات أعلام عدن، الذين أرسوا دعائم نظام مدني وحضارة معاصرة سادت ثم بادت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى