الجوف.. نزوح وتشرد وضياع

> 150ألف نازح بحاجة ماسة إلى إغاثة وإيواء عاجل

> أصالة حداد
"فين عاد بننزح؟ ومن عاد بيستقبلنا؟" بهذه الكلمات بدأت فاطمة ذات العقد الثالث من العمر وأم لثلاثة أبناء بالحديث عن النزوح من منطقة إلى أخرى بسبب الحرب الدائرة في اليمن.
فمنذ أن قرعت الحرب طبولها في اليمن أوائل 2015 وصوت البنادق والمدافع لم يتوقف، يزداد عدد الشهداء يومياً، ومن ينجو من الموت والإصابة لا ينجو من التشرد والنزوح.

جاء عام 2020 لتعلن بداياته بداية حرب جديدة في محافظة الجوف الواقعة شمال البلاد، والتي قد كانت تحررت أواخر عام 2015.
فخلال الشهرين الماضيين وإلى وقت كتابة التقرير، يتعرض سكان الجوف ومن نزح إليها من قبل إلى نزوح جديد إلى محافظة مأرب هرباً من الموت.

تقول فاطمة وهي تتخيل الماضي القريب بألم، وهي إحدى النازحات، إنه عندما نزحوا إلى الجوف من محافظة تعز كان كل شيء بتعز، وخصوصاً في مديريتهم، انتهى لأنها بعيدة. فالتعليم توقف، وكل الخدمات بعيدة جدا منهم، وإن وصلت تصل بمبالغ مضاعفة.
وأضافت وعلامات الحسرة والحزن على وجهها: "كنت أطلع الوايت الماء بـ 10 آلاف ريال، والدبة الغاز بـ 7 آلاف ريال، هذا غير الراشن وأسعاره".

سافر زوج فاطمة إلى منطقة الحزم بمحافظة الجوف للبحث عن باب رزق ليستطيع تحمل مصاريف زوجته وأولاده الثلاثة، فعمل بأحد المطاعم طباخ، وأرسل لأهله لينزحوا هم أيضاً من تعز إلى الحزم التي كانت وقتها أشبه بصحراء خاوية من كل مقومات الحياة إلا من القليل منها.

تكمل فاطمة وهي تجلس وأولادها بجانبها يستمعون الحديث، قائلة: "أتينا الحزم ولا يوجد فيها غير مدرسة واحدة، دخلت أولادي وفيها محلات بعدد الأصابع، لكن الحمد لله الخدمات موجودة من ماء وكهرباء وغاز، الحمد لله على النعمة، والآن وبعد أربع سنوات من يوم نزوحنا الجوف تطورت وزادت المدارس والمحلات حتى الناس زاد عددهم، من النزوح ومن الذين أتوا إلى الجوف كي يشتغلوا".

وتضيف ندى، وهي إحدى بنات الجوف: "عندما أتت بعض الكوادر الشابة من مختلف المحافظات إلى محافظتي الجوف استبشرنا خيراً، وفعلاً بدأ البناء والتعمير، وجميعنا وقفنا وقفة واحدة لنرى الجوف كما لم نرها من قبل".
ومن جانبه، يقول جميل القاسم، مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: "إن الوحدة تم بدأ العمل بها في سبتمبر عام 2018، واستطعنا أن نحصي عدد النازحين إلى المحافظة، والذي بلغ عددهم 24 ألف نازح (عائد/ داخلي/ خارجي)، كما استطعنا جلب بعض المنظمات لمساعدتهم، كلاً بحسب تخصصه".

وأضاف القاسم: "كانت الأمور شبه مستقرة للنازحين إلى الحرب الأخيرة والضربات التي استهدفت منطقة مجزر بمحافظة مأرب في يناير 2020، فقد نزح عدد كبير منهم إلى صحاري الجوف خوفاً من الحرب وأصوات المدافع والبنادق، فقد بدأ النزوح إلينا في تاريخ 17 يناير 2020، وبلغ عددهم 550 أسرة تقريباً، ونحن بدورنا ناشدنا منظمات المجتمع الإنساني للتدخل السريع والطارئ لإغاثة الأسر المنكوبة". مشيراً إلى أنه ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم لم تصل لهم أي مساعدات تذكر غير فتات من بعض المؤسسات.

وأوضح القاسم أنه فجأة وبدون سابق إنذار وبينما الناس في الجوف منشغلين بالبناء والتعمير والنهضة تعود الحرب كرياح تعصف بكل شي جميل بالمحافظة. وعاد الحوثي مرة أخرى بالقتال بعد 5 سنوات من المحاولات الفاشلة بالدخول للمحافظة.
وما هي إلا أيام واشتد القتال وارتفعت أصوات النيران في مديرية الغيل القريبة من مركز المحافظة، مما أدى ذلك إلى موجة نزوح جديدة.

ويقول مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: "ونحن في انشغالنا بالبحث عن إغاثة لأهالي مجزر، وصلت موجة نزوح جديدة في 20 فبراير من مديرة الغيل، إحدى مديريات محافظة الجوف، وكبُر العبء في ظل سكوت وتخاذل بما تسمي نفسها منظمات إنسانية".
وأضاف: "ووصل عدد نازحي الغيل إلى 2500 نازح لم يكن أمامهم إلا دخول المدارس لأجل أطفالهم ونسائهم لا يكونون في الشارع، كما أطلقنا نداء استغاثة لعلّ وعسى تستجيب المنظمات بالتدخل السريع".

حيث ظلت الحرب تدار في الغيل لمدة أسبوعين وعدد النازحين في ارتفاع مع عدم تحرك أي جهة لمساعدتهم، حسب قوله.

واختتم القاسم كلامه: "بسبب عدم استجابة المنظمات الإنسانية للتدخل العاجل وبعد وصول الحرب لمركز المحافظة (الحزم) نزح السكان إلى مأرب وصحاريها؛ حيث بلغ عددهم بالآلاف، ومتوقع أن يصل عددهم إلى 25 ألف نازح من الجوف، وغيرهم عبروا الصحراء للوصول إلى مأرب، ويذكر أن بعضهم ما زالوا منذ 3 أيام في الصحراء، ناشدنا وما زلنا بالتدخل السريع والعاجل، وعلى الجميع أن يكونوا يداً واحدة لنستطيع خدمة النازحين الذين تركوا كل ما يملكون وهربوا بأنفسهم وأطفالهم من هذه الحرب المقيتة التي لم تترك أحداً إلا وأخذت منه ما يكفي".

بصوت حزين وعيون دامعة تقول فاطمة: "دخل الحوثي الحزم وبدؤوا الجيران بالنزوح واحدا تلو الآخر، ونحن نتفرج ونقول إن شاء الله الوضع سيهدأ، ولن نجبر على الخروج، حدثت نفسي يومين بهذا الكلام، لكن بعد هذا لم تستطع التحمل أكثر، فالطيران جاء ليضرب، والحوثيون بدؤوا بالرد بالقصف العشوائي فوق المدنيين.. لم نستطع المكوث أكثر، وقررنا النزوح إلى لمأرب، وهناك سنرى كيف وأين سننزح".

وأضافت: "مكث زوجي يبحث عن سيارة لكي ننزح بها، ولكنه لم يجد بسهولة، ولما وجد بعد بحث طويل قالوا له إيجار السيارة بـ 200 ألف ريال يمني، الطريق التي كنا نمر فيها سابقاً بـ 10 آلاف، فصرنا حالياً بين الـ 200 ألف وخط الصحراء المفجع؛ كون الخط العام مغلقاً منذ بداية الأحداث".

وأخذت بزمام الحديث جارتها ندى، وأضافت: "عادت الحرب ونسمع الضرب بكل مكان، خرجنا من بيوتنا مجبرين لكي نهرب من القتل بالقصف العشوائي". مشيرة إلى أنها "نزحت من الحزم ونحن لا نعلم هل هذا حلم أم حقيقة، ليته كان حلماً ولا الذي عيني رأته. كان خوف قوي، كنا في أمن وأمان ودخل علينا المجوسي خرب علينا كل شيء، أرعب الناس، فقد دخلوا كل بيت خربوا ونهبوا منه كل شيء".

هذا ويذكر في تقارير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين أن النزوح الأخير تسبب بإيقاف 3 آلاف طالب عن تعليمهم الجامعي، وما لا يقل عن 125 ألف طالب فقدوا تعليمهم الأساسي والثانوي.
هكذا هي الحرب التي كتبت على شعب اليمن وأرضه رسمت كلعبة دائرة بين أطراف داخلية وخارجية يضعون شروط اللعب حسب أهوائهم ومصالحهم، لا يأبهون بالمواطن البسيط الذي ينخر في الجبال والحجار ليعيش حياة كريمة وآمنة.

هذا، وتعيش اليمن أسوء أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة، حيث هناك 24 مليون يمني (أي ما يعادل 80 % من السكان) بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بالإضافة إلى وجود أكثر من 3 ملايين نازح منذ بداية الحرب وحتى اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى