الفرس تلد بقرة

> محمد حسين الدباء

> يحكي في زمن ما أن رجلاً فقيراً كان له بقرة صغيرة، وكان له جار غنيّ وله فرس أصيلة، وعنده أملاك وأراضٍ وأطيان كثيرة.
وذات يوم قال الرجل الغنيّ لجاره الفقير: ما رأيك أن تأخذ فرسي في كلّ يوم، وتأخذ معها بقرتك تلك الصغيرة، وتخرج لترعى بهما في قطعة مُعشبة من أرض؟، وبذلك توفر لبقرتك طعامها مقابل رعيك مع فرسي.

وافق الرجل الفقير على هذا الاقتراح، وأصبح يأخذ بقرته وفرس جاره الغنيّ ويرعى بهما طيلة اليوم في أرض جاره المليئة بالعشب والكلأ.
ومرّت فترة من الزمن وهو على هذه الحال، كبرت خلالها البقرة الصغيرة وأصبحت بقرة كبيرة، وحملت من أحد الثيران وعندما دنا وقت ميلادها ذهب الرجل الفقير إلى جاره الغنيّ وقال له: أريد أن أُبقي بقرتي في البيت حتى تلد، ولذلك لن أستطيع أن أخرج بفرسك إلى المرعى.

فقال له الرجل الغنيّ: أي بقرة تقصد؟.
قال: بقرتي التي أرعى بها مع فرسك.
قال: هذه بقرتي وهي ابنة فرسي وليست بقرتك.
ودار بينهما نقاش حاد، خلصا في نهايته إلى التوجه إلى القضاء العشائري، ليحكم بينهما في هذه القضية.

واتفقا أن يجتمعا عند صاحب بيت له خبرة في حلّ مثل هذه النزاعات لفضّ ما بينهما من خلاف.
وعندما جاء الموعد الذي اتفقا عليه، سبق الرجل الغنيّ إلى صاحب البيت الذي سيحكم بينهما، ورشاه بمبلغ من المال، الأمر الذي أعمى بصيرته فحكم بأن البقرة ابنةٌ للفرس وهي للرجل الغنيّ وليس للرجل الفقير أي حقّ فيها.
ولم يرضَ الرجل الفقير بهذا الحكم بل قال سنحتكم إلى صاحب بيت آخر، واختارا شخصاً من الوجهاء له خبرة في حلّ مثل هذه النزاعات.
وعندما جاء موعد عرض القضية سبق الرجل الغنيّ إلى صاحب البيت ورشاه بمبلغ من المال جعله يحكم له كما حكم له الرجل السابق.

ولم يرضَ الرجل الفقير بهذا الحكم بل قال سنحتكم إلى صاحب بيت آخر، واتفقا أيضاً على بيتٍ لوجيه آخر، وعندما جاء الموعد سبق الرجل الغني إليه، وعرض عليه رشوةً ولكنه رفض وقال: لن آخذ شيئاً من أحد وسأحكم بما يمليه عليّ ضميري.
وعندما عرض كل واحد منهما قصته قال صاحب البيت: لن أستطيع أن أحكم بينكما الآن، ولكن عودا إليّ بعد أسبوع.
فسأله الرجل الغني قائلاً: ولماذا هذه المهلة، والقضية كما ترى ظاهرة كالشمس، ولا تعقيد فيها وقد عرضنا لك كل تفاصيلها.
قال صاحب البيت: السبب بسيط وهو أنني حائض، وبعد أسبوع سأنظف من الحيض وأطهر وأحكم بينكما.
فقال الرجل الغني: كيف تحيض وأنت رجل، والحيض لا يكون إلا للنساء، ماذا تقول يا رجل، هذا أمر لا يُصَدَّق؟!.

فقال صاحب البيت: وإذن كيف تصدّق أن الفرس تلد بقرة، وهذا أمر غير ممكن، اذهب فليس لك حقّ عند الرجل، وكفاك ظلماً وفجوراً، ولا تعد تتعرّض لجارك بأذى.
واصفرّ وجه الرجل الغني ولم يستطع جواباً بعد أن أفحمه ذلك الشيـخ، وعاد إلى بيته فاشلاً مهزوماً، أما الرجل الفقير فقد عاد إلى بيته مستبشراً ومسروراً، بعد أن فاز على خصمه وعاد إليه حقّه بفضل حكمة ذلك الرجل وسرعة بديهته، وعدله في الحكم بين الخصمين.
والعبرة من القصة أنه إذا انتشرت الرشوة وغاب الحق وظهر المرجفون والمارقون وتوارى الحق خلف جبال الباطل ربما تلد الفرس بقرة والبقرة فرساً!.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى