من مطار عَلياء الدولي.. نهاية عهد التابع المتبوع في علاقة السعودية والانتقالي

> صلاح السقلدي

> لا يجادل أحدٌ مِنّا - بمَن فيهم قيادات بالمجلس الانتقالي الجنوبي - بأن منع التحالف (السعودية)، الأربعاء الماضي، عَودة قيادات بالانتقالي إلى العاصمة عدن، بينهم مدير أمن العاصمة عدن شلال شائع، عبر مطار العاصمة الأردنية عمّان (مطار الملكة عليا)، يمّثل إهانة سياسية بالغة للمجلس ولقطاع شعبي ونخبوي عريضين بالجنوب، ويزدري الكرامة الجنوبية إلى أقصى مدى. وهو الأمر الذي حَدَا بالانتقالي إلى إصدار بيان غاضب، هو الأول من نوعه من حيث الحدة الناضحة بعبارات الاستهجان والرفض، وبمفردات التلويح بقلب الطاولة بوجه هذا التحالف وبوجه السلطة اليمنية المسماة بالشرعية والتمرد عليهما بشكل علني، وبأن المجلس قد يعمد إلى تحريك الشارع والقوات الجنوبية إن ظل التحالف يتعاطى معه بهذه الطريقة المشينة، حيث قال البيان بإحدى عبارات التهديد المبطنة: "نأمل من جماهير شعبنا الجنوبية وقواتنا المسلحة الجنوبية الباسلة ضبط النفس لحين قيام المجلس باستيفاء الخطوات التوضيحية مع التحالف".

وعلى ذات السياق فعلت المقاومة الجنوبية عبر بيان لها كان أشد حدة وأكثر جرأة بوجه التحالف.
إذاً لماذا تخلّى الانتقالي الجنوبي هذه المرة عن دبلوماسيته المجاملة تجاه التحالف؟

لا شك أن الأحداث العاصفة التي شهدها الجنوب من شبوة شرقاً، إلى عدن غرباً، والتحّيز السعودي الذي يراه الانتقالي إلى جانب خصمه، (الشرعية) وما تلا ذلك من تحيّز ومماطلة سعودية حيال اتفاق الرياض، ومن دعم عسكري وسياسي سعودي (للطرف المعرقل)، قد ألقت بظِلالها الكئيبة على العلاقة بين الرياض وعدن وجعلتها في الواجهة. وما التصرف المُهين الذي تعرضت له قيادات المجلس في الأردن إلّا القشة التي قصمت ظَهر العلاقة بين الطرفين: السعودي والانتقالي، ومثّلت القداحة التي أشعلت ذبيل الخلافات في العلن.

علي محسن الأحمر يشبّر حضرموت طولاً بعرض، فيما قيادات جنوبية تتمرمط بصالات المطارات. قيادات الشرعية التي سلمت قرابة ثلاثون الف كيلومتر مربع (هي مساحة محافظة الجوف) للحوثيين تحظى بأفضل المعاملات في الرياض وباقي دول المنطقة، فيما الجنوب الذي يسجل الانتصارات في جبهات الحد الجنوبي للمملكة والضالع وثرة والساحل الغربي يتم ازدراء قياداته وإهانتهم على رؤوس الأشهاد. التحالف يعلن الحرب على الجنوب، لابد من استنهاض الجيش الجنوبي وجماهيره إن لم يحترم الجيران الجنوب وتضحياته ووقفه معهم.

هكذا كان السخط الجنوبي في وسائل الإعلام وعلى صفحات التواصل وسائل الاجتماعي، وعبر بيانات سياسية غاضبة، أبرزها بيان المجلس الانتقالي والمقاومة الجنوبية. وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الجنوب وبالذات القوى التي أخلصت للتحالف إلى حد الخنوع، وظلت مجرد ريموت بيد الآخرين، قد بدأ يتمرد من شرنقة التهيب والخوف.. ويشير هذا التمرد إلى أن روح الشعور الجنوبي بالاعتداد بالنفس، وبالاعتزاز بالانتماء الوطني وتطليق حالة الارتهان قد عادت تدبُّ من جديد بالجسد الجنوبي وتعيد ترتيب الحال.

السعودية التي تغوص في خضم متلاطم من التحديات سواءً على مستوى الحرب باليمن أو على مستوى وضعها الداخلي المضطرب، سرعان ما استشعرت خطورة تصاعد الغضب الجنوبي، وانفلات زمام المبادرة من يدها بالجنوب، ودنو خسارتها لأقوى وأبرز القوى الجنوبية (المجلس الانتقالي)، وأصدرت بعد ساعات قليلة من واقعة مطار عمّان بياناً باسم خارجيتها نضحَ بعبارات تطييب الخاطر الجنوبي وبعبارات تهدئة لامتصاص غضبه، وخطب ودّه، تلى ذلك تصريح للسفير السعودي باليمن ال "جابر" قال فيه: "... تحظى قيادة وأعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي بالاحترام والتقدير في المملكة وعلى كافة المستويات..".

فهذا البيان السعودي وإن لم يكن صريحاً باعتذاره، وتصريح السفير جابر إلّا أن السرعة التي صُدر بها وهي المرة الأولى التي تتعاطى فيها المملكة مع الغضب الجنوبي وتأخذ تهديداته مأخذ الجِد وبسرعة قياسية، فإنه أي البيان يشير في الوقت عينه إلى أن الرياض قد بدأت تشعر أن الانتقالي الجنوبي وباقي القوى الحية بالجنوب لم يعد هو الذي كان قبل أربع أو ثلاث سنوات، وأن عليها تغيير أسلوب التعامل معه.

كما ما جرى يجب أن تكون فرصة للانتقالي - ولكل القوى الجنوبية التي تنتصر للقضية الجنوبية - لمراجعة العلاقة مع السعودية وعموم الخليج، وإعادة تقييمها وتصويبها لتكون علاقة تكافُؤ وندية ومصالح مشتركة، لا تابعا فيها ولا متبوع، ولا ريموت ولا يد متحكمة. ولئلا يظل الجنوب مجرد مخزن بشري وبندقية أجيرة لخدمة الغير، في ظل تجاهل خليجي لقضيته السياسية واتخاذها قفازا سياسيا، كما أنها فرصة للانتقالي ولكل القوى الجنوبية إلى فرض النفس لتغيير واقع الحال الذي يراوح مكانه من الضبابية ويكتنفه غموض مريب، لفرض مفاوضات جديدة في عدن، طالما والآخر لا يأبه بكل التفاهمات السابقة، وطالما أضحت مفاوضات جنيف والكويت وستوكهولم في عِداد الموتى.

فقد بلغت الأمور في الجنوب عموما، وعدن خاصة مبلغا من السوء والفوضى والتدمير الممنهج لا نظير له، ليس فقط على الصعيد السياسي وعلى مستوى حذلقة القوى اليمنية والإقليمية وتحايلها حيال القضية الجنوبية، بل على كل الصُعد: الأمني والمعيشي، وتغول الفساد الحكومي بشكل مريع، ولابد بالتالي من استفاقة كاملة لتصحيح وضع مختل، وإقالة عثرة وطن محتل، فلم يعد بقوس الصبر منزع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى