بئر أحمد.. جنة خضراء ورئة عدن تحاصرها المكعبات الإسمنتية والزحف العمراني

> تقرير/ أحمد حسن العقربي

> انتشرت الكتل الخرسانية كما تنتشر النار في الهشيم وتحولت الواحات الخضراء في منطقة بئر أحمد بعدن إلى مربعات إسمنتية، في زمن الانفلات الأمني وغياب التخطيط، ومطالبات لأهالي بئر أحمد بوقف البناء العشوائي والحفاظ على المساحات الخضراء التي تمثل رئة عدن.
 بدأتُ جولتي في بئر فضل مع المزارع الشاب عبد الفتاح صدقة العقربي الذي تشرفت بزيارة مزرعته فوجدته كتلة من حماس مشمراً ساعديه وبيديه المنجل والفأس والعرق يتصبب من جبينه جراء العمل الزراعي، مرحباً بي قائلاً: "بئر أحمد كانت في الخمسينات عبارة عن نهضة زراعية منذ عام 1957م وانحسرت تماماً في أواخر الثمانينات وازدادت تدميراً إذ تحولت أشجارها إلى وسيلة للاحتطاب بعد عام 1990م.

ومضى في حديثه: "اليوم أراضي بئر أحمد الزراعية كما تراها تحاصرها الكتل الإسمنتية والزحف العمراني دون تبصّر أو حرص أو تخطيط.

لا للانكسار
يواصل الشاب المزارع، عبد الفتاح صدقة العقربي، حديثه لـ "الأيام" بصوت حزين منكسر ومتحسرّ: "عرفت ذلك من خلال كلماته المؤثرة التي تنساب من فمه ببطيء، قائلاً: "لقد شهدت بئر أحمد في أواخر الخمسينات نهضة زراعية لكن أبادها وابتلعها زحف الكتل الإسمنتية والزحف العمراني العشوائي الذي لا يراعي الأراضي الزراعية وخصوبتها".

وأضاف: "لقد كان الأجداد يغطّون مصاريفهم طول العام من مردود محصول القطن والخضار والفواكه، وكان أجدادنا يعيشون كراماً رافعي الرؤوس لا يمدون أيديهم إلى أحد بالرغم من فقرهم المدقع".
 
أوقفوا الكتل الإسمنتية في أرضنا الزراعية
المزارع فتاح العقربي استحضر في حديثه لـ "الأيام" مشاهد الجمال والتي سحقت كثير منها أعمال الزحف والبناء العشوائي، "كانت أرض العليبة الخصبة التي تمثل زبدة بستان الأمير فضل عبد القوي، وهي المزرعة التي اتسمت بخصوبة وجمال أرضها قد تحولت مع الأسف في السنوات القليلة الماضية إلى كتل إسمنتية، بينما كانت في أواخر الخمسينات أشبه ما تكون بإحدى حدائق بابل المعلقة، إبان الحضارتين البابلية والأشورية قبل سبعة آلاف سنة (ق.م)، وأحد عجائب الدنيا السبع".

ويقول مزارعون وأهالي المنطقة إن مزرعة العليبة كانت أشبه بجنة خضراء غنّاء مساحة خضراء تنتج الكثير من المواد الغذائية لسكان المدينة والمناطق المجاورة لها.

مسابح بئر أحمد
وبحسب أهالي المنطقة، فإن مزرعة العليبة كان بتوسطها بستان الأمير فضل عبد القوي، وفيها مسبحان أحدهما خصص للكبار والآخر صغير للصغار لجذب الزوار القادمين من عدن، فضلاً عن أشجار الاستضلال المعمرة، كشجر الحرز والميطي وأشجار الديمن وأشجار الزيت أو بعضها جلبت من إيطاليا بمعية مزارعين إيطاليين انتدبهم الأمير المستثمر خصيصاً للعمل في مزرعته الجاذبة.

متنفس ومزار للعائلات العدنية
كما كانت تحتضن المزرعة الآلاف من الطيور المستوطنة والمهاجرة، متنوعة الألوان والأشكال إلى جانب الحيوانات الأليفة كالخيول والحمير والأبقار والأغنام والإبل، بالإضافة إلى الحيوانات البرية كالأرانب والغزلان، في حين كانت الحشائش الطويلة الخضراء التي تستخدم كعلف للحيوانات تغطي أرضية مزرعة العليبة أي أشبه ما تكون بسندس أخضر تغطي أرضية المزرعة وتفترشه العائلات العدنية الزائرة في كل يوم أحد، وهي عطلة الإجازة الأسبوعية قبل الاستقلال، لقضاء وقت ممتع بدلاً من رتابة الحياة اليومية في المنازل.

ماذا قال شاهدو العيان؟
ويقول البعض من الناس كبار السن الذين كانوا شاهدي عيان على بداية النهضة الزراعية في بئر أحمد عام 1957م إن الأمير فضل عبد القوي قد حفر أكثر من 60 بئراً ارتوازيا لسقي المزرعة، وجلب لها مهندسين زراعيين إيطاليين إلى جانب خبراء الزراعة المحليين من لحج وتهامة، وشكّلت المزرعة حينها مؤئلاً سياحياً لأهالي عدن من تجارها ومؤرخيها وسياسييها وأدبائها وعائلاتها وطلاب وطالبات كلياتها، وكانت تنتعش فيها الصناعات الحرفية والغذائية والتذكارية مثل المقصقص (الخمير الحالي) والكدر والخبز الأحمر.. فضلاً عن أدوات الزينة الحياتية كصناعة المشاجب والزنابيل والجعاب، وبيع حبوب البهش من أشجار الدورش، وتقديم الماء البارد للزوار ما كان يطلق عليه (بالبانهيس) وهي كلمة مزدوجة إنجليزية هندية دخلت قاموس اللهجة العدنية حينها.. وبهذه الصناعات كانت تتحول المنازل في بئر أحمد إلى ورش عمل حقيقية تستفيد من دخلها العائلات الفقيرة، ناهيك عن إحياء الفلكلور والرقص الشعبي (الشرح والركلة والجذبة ومحف الجمال).
 
حبحب بئر أحمد
كما اشتهرت بئر أحمد بزراعة القطن طويلة التيلة وهو محصول نقدي، واشتهرت بئر أحمد أيضاً بإنتاج الحبحب الذي أثار جدلاً في الأسواق المحلية والخليجية  لما تميز به من شدة احمرار لونه وحلاوة مذاقه.. وكان يقول فيه البائعون والمزارعون "حبحب البير والا فلا"، وأول طائرة كويتية على مستوى الجنوب تشحن حبحب بئر أحمد عام 1960م.

يطالب اهالي منطقة بئر أحمد بالحفاظ على الأراضي الزراعية وحمايتها، ويجدد فتاح العقربي دعوته للشباب المزارعين العقارب بألّا يفرطوا في الأرض الزراعية لأنها وجودهم وحياتهم، وبدونها سيكون أهالي بئر أحمد بدون هوية وبلا أمن غذائي.
 
دعوة للحفاظ على الأراضي الزراعية
وأضاف المزارع العقربي: "من يفرط في أرضه الزراعية كانه يفرط في عرضه، وقال بحسرة: "بئر أحمد أصبحت بلا هوية للأسف، لا مجال للكسل أو التفريط بالأرض لأنها هي أبرز مقومات حياتنا ووجودنا، وحث الشباب أن يصحوا و يستفيقوا من الغفوة قبل أن يقع الفأس على الرأس حينها لا يجديِ الندم، علينا نحن كشباب البئر المزارعين أن ننفذ شعار الأجداد زرعوا فـأكلنا ونزرع ليأكلون".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى