5 دروس يجب أن تتعلمها السعودية من حرب اليمن

> «الأيام» ساسة بوست

> في أواخر سبتمبر عام 2014، أسقط الحوثيون والرئيس اليمني المقتول علي عبدالله صالح، العاصمة اليمنية صنعاء، وفي 26 مارس عام 2015، دخلت السعودية تحت تحالفٍ دولي لإعادة الشرعية اليمنية، والقضاء على انقلاب جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

وفي ظل غمارِ حربٍ امتدت خمسة أعوام، غرقت السعودية في مستنقع اليمن بتجاوزها 1825 يومًا حتى الآن من المعارك التي قُتل فيها نحو ربع مليون شخص، وخسرت فيها البلاد خلالها مكاسب 20 عامًا من التنمية، وحوصر 80 % من السكان بين الجوع والمرض في أكبر أزمة إنسانية في العالم، فيما لم تضع حرب اليمن أوزارها إلى اليوم.

هذا التقرير يسرد الدروس الخمس التي يجب أن تتعلمها السعودية من حربها «الخاسرة» في اليمن.

1 - لا تدخل حربًا بدوافع متناقضة
شهدت الأشهر الأولى من عام 2015، صعود نجم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الرجل القوي في المملكة الذي استطاع الإطاحة بغريمه السياسي الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد بتأثير من الإمارات، عاصمة صناعة القرار السياسي في الخليج.
في تلك الأثناء، استولى الحوثيون على ثلاثة أرباع اليمن، بعدما أجبروا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على تقديم استقالته، والهروب إلى صنعاء، ثم الاختباء في دروب الصحراء وصولًا إلى عُمان، ولم تتدخل السعودية طيلة ستة أشهرٍ.

عودة السعودية لليمن في الوقت الضائع، تربطه تقارير بدوافع أخرى كان مُخطط لها مسبقًا غير إعادة الشرعية؛ فالدور الوظيفي الذي كان يُمثله الأمير محمد بن نايف باعتباره رجل واشنطن في ملف «الإرهاب»، كان خطرًا على ولي العهد آنذاك، الأمير محمد بن سلمان، الذي كان قد حصل للتو على منصب وزير الدفاع، لذلك جاءت حرب اليمن فرصة كبرى للأمير الشاب ليقود بلاده إلى أول انتصار حقيقي على إيران، قبل أن يتم تقويض صلاحيات ابن نايف بنجاح خلال التغييرات السعودية التي أطاحته بعد ذلك لصالح نجل الملك.

بالعودة للجبهة اليمنية، فالسعودية دخلت الحرب في مارس عام 2015، بدلًا من سبتمبر عام 2014 لدوافع خفية، والصمت السعودي طيلة ستة أشهرٍ فسّره البعضُ بأنها حصدت مكاسب إستراتيجية من الفوضى اليمنية دون أن تطلق رصاصةٍ واحدة؛ فعدوها الشيعي المدعوم من إيران انتصر على عدوها السُني، الممثل في حزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، الذي خسر صنعاء ومعها أبرز معاقله.

لكنّ الحوثيين ما لبثوا أن أعلنوا إحياء إمامتهم الضائعة من الهاشميين الشيعة الذين حكموا اليمن أكثر من ألف عامٍ قبل تأسيس الجمهورية اليمنية الحالية عام 1964، والبعُد الديني للصراع سُرعان ما حوّل اليمن إلى حربٍ بالوكالة بين تحالفٍ دولي بقيادة السعودية والإمارات، وبين إيران، وهو البُعد الذي ساهم في تحرير المناطق السنية في الجنوب بسهولة، على عكس محافظات الشمال ذات الأغلبية الشيعية.

تشابك الدوافع كان نتيجة مباشرة لضياع الهدف الرئيس الذي نشبت حرب اليمن من أجله، خاصة بعدما تعقدت الأبعاد السياسية والعسكرية والمصالح الاقتصادية لكل الأطراف، فالحوثيون والإمارات تناغمت أهدافهم في انفصال الجنوبِ لأهدافٍ اقتصادية وتاريخية، أمّا السعودية التي ترفض سيناريو التقسيم لمخاوف جيوسياسية، باتت في مواجهة اثنين من أعدائها، فهي إما أن تطرد الحوثيين وتفقد اليمن بعد سيطرة حزب الإصلاح، وإما أن تطول الحرب دون أن ينتصر أحد.

2 - لا تثق بحلفائك ولا تغدر بهم
اندفعت المملكة نحو الدخول في حرب مفتوحة مع الحوثيين في اليمن، بعدما تزعمت تأسيس تحالف عسكري عربي، كانت الرياض وأبوظبي هما الفاعلان الرئيسيان فيه، غير أن هذا التحالف تحوّل إلى ساحة خلافٍ خفية قبل أن يتبادل الطرفان القتال والقصف بالدبابات والمدفعية بين قوات الحزام الأمني -انفصاليون من جنوب اليمن- المدعومين من الإمارات، وقوات الحكومة اليمنية، برعاية التحالف العربي.

دخلت الإمارات شريكًا رئيسيًّا وبارزًا ضمن التحالف العربي، لكنّ السعودية لم تدرك أنّ لأبوظبي مشروعا واضحا، لا يقوم على القضاء على الحوثيين، ولا على استعادة الشريعة، وإنما على بناء دولة منفصلة في الجنوب اليمني، ولتحقيق هذا المشروع أوجدت ميليشيات يمنية انضوت تحت لواء ما يعرف بـ «قوات المجلس الانتقالي» ثم سلحتها ودربتها ودفعتها للسيطرة على الأرض وعلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، كما يقول الصحافي اليمني عبدالله دوبله لـ«ساسة بوست».

ووسط تباعد الأهداف والدوافع السياسية لكل طرف، أعلنت الإمارات العضو الرئيس في التحالف، تقليص وجودها العسكري هناك بسبب التهديدات الأمنية الناتجة عن تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وهو ما عكس تبدل الولاء الإماراتي تجاه السعودية.

انقلاب صالح على السعوديين، كان امتدادًا لواقع القبائل اليمنية سريعة التقلب والولاء بين الرياض وصنعاء، فالقبائل التي كانت تقاتل الحوثيين بأموالٍ سعودية، ضمن ما عرف بكشوفات «اللجنة الخاصة» التي انحصرت مهامها في ضمان الولاءات السياسية لمشايخ القبائل اليمنية، في مقابل منحهم مخصصاتٍ شهرية ثابتة، لكنّ الحوثيين نجحوا في تبديل ولاءات تلك القبائل وتحييد بعضها.

تغير ولاء القبائل على نحوٍ مُفاجئٍ يربطه البعض بوعود السعودية التي لم تتحقق، كان سببًا مباشرًا في تغيير الخريطة العسكرية لحرب الأعوام الخمسة في اليمن، بعدما تحولت المعارك صوب الحدود السعودية، بعدما بات الحوثيون على مشارف بضعة كيلو متراتٍ فقط من تخومها بعد سيطرتهم على محافظة «الجوف» بمساعدة قبلية كاملة، كما صرّح مصدرٌ قبلي لموقع «ميدل إست آي» البريطاني.

3 - هزائم السياسة تُلغي انتصارات السلاح
حصدت «عاصفة الحزم» في بداياتها انتصاراتٍ ساحقة للتحالف العربي الذي احتكر سماء المعركة وشرع في تدمير القوة الصاروخية والأسلحة البرية الثقيلة للحوثيين، واستطاعت القوات السعودية التي توغلت في العمق اليمني مدعومة بالمقاومة الشعبية تحرير أماكن واسعة دون خسائر تُذكر حتى وصلت إلى مديرية «نهم» التي تبعد عن صنعاء 20 كيلو مترًا فقط، لكنّ المعارك توقفت طيلة خمس سنواتٍ، رغم أنّ تلك الجبهة يُشار لها بأنها أضعف ثغرة للحوثيين.

برأي البعض، ذهبت حرب اليمن في المسار الخطأ، حين تدخلت الدوافع السياسية في عمل الجيوش على الأرض، فبدلًا من إعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء، بحثت السعودية عن بديل سياسي للرئيس هادي المنتهية ولايته، وهو ما صنع جمودًا عسكريًا بامتياز كان لصالح الحوثيين الذين ظهروا قوةً منتصرةً ضد تحالفٍ ضم تسع دولٍ عربية بمباركة واشنطن.

رفضت المملكة التقدم بجيشها داخل العاصمة، كما رفضت تقديم الدعم العسكري لقوات المقاومة، لأنه في حالة طرد الحوثيين من صنعاء، فسيستفيد حزب الإصلاح من الانتصار الذي لم يكن شريكًا فيه، والسعودية في ذلك الموقف في مواجهة اثنين من أعدائها، وفي الوقت نفسه كانت المشاورات السرية تحاول إقناع صالح بفض شراكته مع الحوثيين، وأن تضمن له العودة للحكم مرة أخرى، مقابل أن يقطع الطريق على الحوثيين والإخوان معًا، لكنّ الخُطة فشلت باغتياله في أواخر ديسمبر عام 2017.

الجنوب مثّل حالة أخرى من الهزيمة السياسة للسعوديين، فالمجلس الانتقالي الذي يدعو للانفصال منح جماعة الحوثي فرصة لالتقاط أنفاسها على جبهات القتال مع الجيش اليمني في عدد من محاور حدود القتال الجنوبية، كما مكنها من إعادة ترتيب صفوفها من جديد، في محاولةٍ لتشتيت قوات الحكومة اليمنية، ومنعها من محاولة إعادة السيطرة على العاصمة المؤقتة.

العداء المُطلق مع حزب الإصلاح هو ما أفسد فعليًا «اتفاق جدّة» الذي رعته السعودية بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي، لتقاسم الجانبين السلطة وإعادة الحكومة لعدن، في خُطوة لتوحيد الجهود لقتال الحوثيين؛ ومرة أخرى يتسبب تعقيد الأبعاد السياسية والعسكرية للأطراف المحليين في ضياع الهدف الرئيس الذي نشبت الحرب من أجله.

4 - لا تصنع عدوك بنفسك
منذ بدأت حرب اليمن، قُتل نحو ربع مليون شخص، وخسرت البلاد مكاسب 20 عامًا من التنمية، وحوصر 80 % من السكان بين الجوع والمرض في أكبر أزمة إنسانية في العالم؛ يقول أحد ضحايا الحرب التي أعلنتها السعودية في مارس من العام 2015 لإنقاذ اليمنيين كما وعدت: «فقدتُ أحد أطفالي بسبب الجوع، والآن أخشى خسارة آخر»، يُضيف الأبُ لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية: «بالكاد أستطيع شراء قطعة خبز قديمة.. لهذا السبب يموت أولادي أمام عيني».

وبينما مات نحو 85 ألف طفلٍ يمني من سوء التغذية، ما زال هناك مليونان آخران يُصارعون البقاء في المستشفيات والمُخيّمات، ما يرسم كُرهًا لعقود ضد السعودية، فيما يشبه الاجتياح العراقي للكويت عام 1990؛ فرغم مرور نحو ثلاثة عقود على الحرب التي استمرت 40 يومًا فقط، ما زالت تبعات الحرب حاضرةً إلى اليوم في مُخيلة الكويتيين عن جارهم العراق، حتى بعدما أقر بدفع تعويضات الحرب البالغة نحو 47 مليار دولار، وهي في نظرهم لا تُمحي أثرًا ولا تكفي اعتذارًا.

والعداء تجاوز الشعب اليمني وصولًا للحكومة التي طالبت السعودية بالتدخل العسكري، وتُتهم الرياض باحتجاز الرئيس هادي، وبالرغم من اختيار «عدن»، عاصمة مؤقتة، إلا أنه لم يزرها سوى بضع مراتٍ كان آخرها في فبراير عام 2017، وهو ما هدد شرعية الحكومة التي بعثت رسالة لمجلس الأمن تتهم فيها التحالف العربي بتقويض شرعيتها.

والسبب الأبرز للعداء، هو أنّ السعودية خالفت هدفها الرئيس للحرب بالتفاوض مع الحوثيين قبل انسحابهم من المحافظات التي تحت سيطرتهم، وتسليم السلاح، والتنازل جاء بعد خسارة التحالف للمعارك التي منحت الحوثيين حضورًا في اجتماعات مع المندوب الأممي في اليمن، لتُعلن السعودية بعدها لأول مرة اعترافها بهم لينتهي رسميًا وصفهم بـ «المتمردين».

وتسعى السعودية حاليًا لإنهاء وجودها العسكري عبر اتفاق سلام شامل مع الحوثيين، ما يعني القبول بانقسام اليمن إلى دولتين، والانقلاب على الهدف المُعلن الذي بدأت حرب اليمن من أجله.

5 - لا تدخل حربًا دون أن تجيب عن عدة أسئلة
بعد نحو أربعة أشهرٍ من انطلاق عاصفة «الحزم»، أثار الصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل موجة من ردود الفعل الغاضبة خلال مقابلة مع صحيفة «السفير» اللبنانية التي قال فيها: «سيغرق السعوديون في مستنقع اليمن، السعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها، أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها. أما البدائل فلا بدائل، ولا أحد عنده سلطة تخوله أن يكون البديل».

تنبؤات هيكل سُرعان ما أفرد لها مساحة للتحليل خلال مقابلةٍ تليفزيونية لاحقة قال فيها: «الحربُ ليست هي ما نقفزُ إليها من اللحظة الأولى، على السعودية دراسة أولًا إلى أي مدى راغبة في الحرب؟ وإلى أي مدى قادرة على الدخول في معركة؟ وإلى أي مدى مستعدة للتكاليف؟ لأنّ اليمن بركان نائم في شبه الجزيرة العربية إذا انفجر سيجرف كل المنطقة».

ومن وجهة نظرٍ عسكرية، أغفلت السعودية أنّ السلطان سليمان القانوني، أقوى سلطان عثماني، فشل في إخضاع اليمن في وقتٍ كانت الدولة العثمانية في أوج شبابها واتساعها جغرافيًا، ولم تصمد أي دولة دخلها العثمانيون سوى اليمن عام 1835، بسبب التعقيدات الاجتماعية الممثلة في القبائل، والظروف الجبلية التي تعيق عمل أي جيش نظامي عكس حروب العصابات.

والتجربة الأحدث من التاريخ، هي تجربة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في اليمن عام 1962، حين تجاهل نصيحة الملحق العسكري بأنّ اليمن قضى على أربع فرق عسكرية تركية في القرن التاسع عشر، وأن التضاريس الجبلية واتساع الصحاري إضافة إلى الجيش المصري النظامي الذي لن يستطيع الصمود أمام العدو المتمرس في حرب العصابات، لتقرر مصر الخروج بعد خمس سنواتٍ من حرب اليمن بعد أن أضرت بمخزونها الإستراتيجي من الذهب.

وبالنسبة للتكاليف التي دفعتها السعودية، قدرت صحف دولية خسائر المملكة المادية من هذه الحرب بنحو 200 مليون دولار يوميًا، أي 72 مليار دولار سنويًّا و216 مليار دولار في ثلاث سنوات، و360 مليار دولار في خمس سنوات.
والخسائر المادية يرويها الحوثيون في حصاد السنوات الخمس؛ وبحسب الأرقام التي أعلنها المتحدث العسكري للحوثيين، فنحو 10 آلاف جندي سعودي قُتلوا منذ بداية حرب اليمن، إضافة إلى إسقاط 371 طائرة تابعة، وتدمير ثمانية آلاف و487 دبابة ومدرعة، وإطلاق نحو 1067 صاروخًا باليستيا داخل العمقين السعودي والإماراتي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى