أنا وسعدي يوسف والمكلا

> علي سالم اليزيدي

> سعدي يوسف، شاعر عراقي وكاتب ومترجم عاش سنوات المنفى في عدن، حيث تدفأ وأمن من الخوف الذي كان يلاحقه في بلده، وعرفته عن قرب وعشنا أياما، بها كل التمازج والسمو الأدبي والثقافي والفكاهة، حين كانت عدن شجرة وارفة وبها كل ألوان الأدب الحر وبها أدباء ومفكرين وكتاب وصحفيين عظام.
كان سعدي جنب أحمد سالم الحنكي وأدار مجلة المسار بهدوئه واتزانه ورقة شعره.. كانت علاقتي بأحمد سالم الحنكي من بدايات 1972م وتطورت وتزاملنا معا وعشت معظم وقتي في منزلهم الكريم بالتواهي. ولكن ليس الحديث عن عدن هنا بل عن المكلا.

في عدة مرات يزورني في المكلا، وذات نهار من عام 1981م دون مقدمات فإذا بالسيارة القديمة، لا أعرف ماركتها، تتوقف تحت بيتي بالشرج وينطلق صوت: "أحمد هيا يا علي على الشحر"، كان وسط النهار وسعدي معه وثالث لا أتذكره والمصور الشاب العيسي وأحمد سالم، يعرف بيتي ومثله أخوه الدبلوماسي فيما بعد عبدالله سالم الحنكي، وغرفتي المملؤة بالكتب وأقطاف السجائر والمجلات لأني عازب في البيت.

زرت أنا والشاعر سعدي يوسف الشحر وحضرنا زيارة الشهداء السبعة، ثم دخلنا اليوم الثاني المكلا. سعدي يوسف أراد أن يعيش حياة الحضارم، وكان يقول إنهم أناس طيبون جداً، وفي مطعم (بابعير) بمنطقة (الشرج) أكل بيده رز صيادية وطفنا معظم الشوارع وطعمناه (العزيز) أو (البنجيز المجفف) وسهرنا في (خلف) والقمر.
تحدثت مع سعدي تلك الليلة، وقال لي إن قصيدته الرائعة "مريم تأتي الآن" ولدت في (خلف)، كان يدلدل رجليه في الماء، وكنت مرتعباً أن ينتف حوت (لخم) إحدى رجليه وكان يضحك ويرد لا تقلق يعرف أنني لن أطعمه كفاية، وكان معنا الشاعر الجميل فريد بركات والكاتب محمد صالح عولقي.

هي (خلف) كانت مخبأنا وفيها كل الشعراء، خاطبوها وأخرجوا منها اللؤلؤ والمرجان والصدف.
سعدي يوسف، شخص جميل ولا يحب الفنادق، كان يحب أن ينام بعمق عندي، وحين سألته، قال: "انظر هنا الشعب، هؤلاء مرحون جيرانكم ومكان بيتك يشبه سكني في البصرة".

في عام 1984م كان عبدالله سالم الحنكي قنصلاً بسفارتنا في موسكو، وكنت وصلتها قبل أشهر للدراسة وأخبرني أحدهم أرسله الأستاذ علوي ملهي الملحق الثقافي بالسفارة، إنني مطلوب للسفارة، وهناك كان أمامي ثلاثة: الشاعر السوداني صديقي من عدن، جيلي عبدالرحمن، الذي يقضي منفاه في عدن وأحمد سالم الحنكي وعمر الجاوي، وانبهرت، وكان وصوله إلى موسكو لمرضه، وأحمد بسبب التهاب الكلى، والجاوي لديه دعوة رسمية، وحين التقينا وكانت الأمسيات المملوءة بالشعر والأحاديث الراقية ويشاركنا أدباء من لبنان وسوريا وروس ومترجمين لمؤلفات من دار التقدم هناك نشعر أن أمسياتنا بها روح الحرية والتقدم والانفكاك من قيود نبغضها ولازلنا..

جميل كان شاعر الغربة والفقراء والوطن، جيلي عبدالرحمن، حين يلقي بنكاته السودانية، أو حين ينظر هذا الكهل إلى فتاة شقراء روسية على نهر موسكو بمحاذاة الكرملين، أحسست بأن صلتي بهاذين الشاعرين، سعدي يوسف وجيلي عبدالرحمن، لها أواصر في داخلي وأنها ما فتئت تصحو وتحزنني أو أضحك للزمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى