حرب اليمن.. شراء الولاء بنجوم الرتب العسكرية

> تحقيق/ حسين محمد

> على أنقاض ما تبقى من ثورة 11 فبراير 2011 في اليمن، وبعد أربعة أعوام من الصراع السياسي، سيطرت جماعة أنصار الله (الحوثيون) على العاصمة صنعاء بذريعة اسقاط مراكز النفوذ في إطار ما أسموه ثورة 21 سبتمبر 2014. إثر ذلك اندلعت موجة صراعات مسلحة مزقت الدولة اليمنية بكل مؤسساتها، وأسست لمشهد سياسي وأمني واجتماعي مختلف انتج مراكز نفوذ جديدة تقاسمت الجغرافيا اليمنية وعززت من وجودها على الأرض عبر بناء تشكيلات عسكرية مختلفة ليأتي عام 2020 وقد تشكلت أربعة كيانات عسكرية أساسية تتنازع السيطرة على المناطق اليمنية.

سوق الرتب العسكرية
في اليمن يكفي أن تكون مقرباً من إحدى دوائر الصراع لتجد نفسك بين ليلة وضحاها ومن دون جهد يذكر قائدا عسكريا وضابطا رفيع المستوى جاء على أجنحة الحرب ليجني ثمارها أرباحا بينما يجنيها آخرون موتا ودمارا.
مع التدخل العسكري لقوات التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية في مارس 2015، اتسعت رقعة المواجهات، وازدادت حاجة المتحاربين للمزيد من المقاتلين، فارتفعت وتيرة استقطاب رجال القبائل، وأنصار التيارات السياسية من المدنيين لتجنيدهم في الصراع المسلح.

استخدم المتحاربون العديد من الوسائل لاستقطاب المقاتلين وكسب ولائهم، منها منحهم ترقيات عسكرية الى رتب عليا. حيث أقدم أطراف الصراع على ترقية العديد من المدنيين إلى رتب عسكرية مختلفة بشكل يخالف القوانين اليمنية النافذة. وتحولت تلك الترقيات إلى عمليات فساد داخل معسكري الشرعية و "الحوثيين" بحسب الناشط مانع سليمان، أحد إعلاميي التوجيه المعنوي سابقاً التابع لقوات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي المعترف به دولياً.

يقول مانع سليمان "المشكلة ليست في هل هذه القرارات والترقيات قانونية أم لا، بل في أن مجاملات حصلت في التعامل مع هذا القانون، وهذه المجاملات أحدثت مشكلات داخل وزارة الدفاع، وداخل الجيش الوطني. ويضيف مانع أن هذه الترقيات تمت من قبل لوبيات فساد لا تريد ترقية إلا أتباعها.

القوانين اليمنية
لقد نظم القانون اليمني إجراءات الترقية في السلك العسكري والأمني في المستويات المختلفة للرتب العسكرية في اليمن، عبر قانونين أساسيين: الأول، القانون رقم (15) لسنة 2000 بشأن هيئة الشرطة. والثاني، القانون رقم (67) لعام 1991 بشأن الخدمة في القوات المسلحة والأمن.

ووضعت مجموعة من الشروط والمعايير التي تحدد عملية الترقيات، من بينها المادة (43) من القانون رقم (15) لسنة 2000 بشأن هيئة الشرطة، والتي تنص على أن الترقية من رتبة ملازم ثانٍ إلى رتبة مقدم، يشترط فيها أن يمضي الضابط الحد الأدنى للخدمة في كل رتبة، وأن يكون تام التأهيل، وأن يجتاز بنجاح الدورات التعليمية، والفحوصات المقررة للترقية لكل رتبة بحسب ما تحدده اللائحة.

حددت المادة (44) من هذا القانون المدة الزمنية اللازمة للبقاء بكل رتبة بشكل دقيق حيث يستغرق الوصول إلى رتبة لواء أربعة وعشرين عاماً من الخدمة العسكرية وفقاً لنصوص القانون.

كما وردت العديد من المواد المنظمة لعمليات الترقية في القانون رقم (67) لسنة 1991.

مادة (43) تكون الترقية من رتبة ملازم ثاني حتى رتبة مقدم بالأقدمية العامة مع توافر الشروط التالية:

- أن تكون تقارير الكفاءة السنوية والبيانات الواردة في الملف السري للضابط لا تقل عن درجة جيد.

- أن يمضي الحد الأدنى للخدمة في كل رتبة.

- أن يكون الضابط تام التأهيل وأن يجتاز بنجاح الدورات التعليمية والفحوصات المقررة للترقية لكل رتبة بحسب ما تحدده اللائحة.

مادة (44) مع مراعاة ما ورد في المادة (43) من هذا القانون تكون المدة اللازمة للبقاء بكل رتبة على النحو التالي:

- سنتين من رتبة ملازم ثاني إلى رتبة ملازم أول.

- أربع سنوات من رتبة ملازم أول إلى رتبة نقيب.

- أربع سنوات من رتبة نقيب إلى رتبة رائد.

- خمس سنوات من رتبة رائد إلى رتبة مقدم.

- أربع سنوات من رتبة مقدم إلى رتبة عقيد.

- ثلاث سنوات من رتبة عقيد على رتبة عميد.

- سنتين من رتبة عميد إلى رتبة لواء.

- سنتين من رتبة لواء إلى رتبة فريق.

بشأن الخدمة في القوات المسلحة والأمن مؤكدة على الشروط السابقة، ومشددة على الفترة الزمنية اللازمة للبقاء بكل رتبة. وحددت المادة (31) من هذا القانون التعيينات والترقيات الاستثنائية في سلك القوات المسلحة على أنه لا يجوز ترقية ضباط الصف إلى رتبة الضباط، وإنما يجوز تعيين أي منهم في رتبة ملازم ثاني في حال توفر المؤهلات والشروط التي تحددها اللائحة التنفيذية.

* نصوص القانون رقم (67) لسنة 1991م بشأن الخدمة في القوات المسلحة والأمن

مادة (29) تحدد الشروط العامة للترقية من رتبة إلى أخرى وفقاً لما يلي:

- أن يمضي الحد الأدنى للمدة المحددة قانوناً للخدمة في كل رتبة.

- أن يكون تام التأهيل وأن يجتاز بنجاح الدورات التعليمية والفحوصات المقررة للترقية لكل رتبة.

- أن يتوفر الشاغر للرتبة والوظيفة.

- أن يكون أهلاً للقيام بأعباء الرتبة الجديدة بناءً على توصية الرؤساء وتقارير الكفاءة السنوية.

مادة (30) يكون الحد الأدنى للمدة اللازمة للترقية في كل رتبة وبمراعاة توفر الشروط الأخرى للترقية كما يلي:

1 - ضباط الصف والجنود:

أربع سنوات من جندي إلى رتبة عريف.

ثلاث سنوات من رتبة عريف إلى رتبة رقيب.

أربع سنوات من رتبة رقيب إلى رتبة رقيب/ 1.

ثلاث سنوات من رتبة رقيب/ 1 إلى رتبة مساعد.

ثلاث سنوات من رتبة مساعد إلى رتبة مساعد/ 2.

ثلاث سنوات من رتبة مساعد/ 2 إلى رتبة مساعد/ 1.

2 - الضباط:

ثلاث سنوات من رتبة ملازم/ 2 إلى رتبة ملازم/ 1.

أربع سنوات من رتبة ملازم/ 1 إلى رتبة نقيب.

أربع سنوات من رتبة نقيب إلى رتبة رائد.

خمس سنوات من رتبة رائد إلى رتبة مقدم.

أربع سنوات من رتبة مقدم إلى رتبة عقيد.

ثلاث سنوات من رتبة عقيد إلى رتبة عميد.

توضح الوثائق مخالفة أطراف النزاع للقوانين العسكرية، حيث يقول أحد كبار ضباط وزارة الداخلية والذي نتحفظ على ذكر اسمه بناء على طلبه، أن كل قرارات الترقية التي تم إصدارها لمدنيين وعسكريين إلى رتب عليا، هي مخالفة للقانون اليمني. ويضيف، القيادي الحاصل على الماجستير في العلوم العسكرية، أن قرارات الترقية هذه تتعارض مع القوانين اليمنية التي تنظم عمل المؤسسة العسكرية والأمنية، و تتعارض بشكل جذري مع نظرية الموظف التي يفصلها قانون الخدمة المدنية.

وهذا ما يؤكده أيضاً العميد الركن عبد القوي طاهر، أحد قدامى الضباط في الجيش اليمني السابق، والذي يصف قرارات الترقية التي صدرت خلال الحرب بأنها تتجاوز القوانين اليمنية.

ويقول العميد جمال الرباصي، أحد الضباط القدامى في الجيش اليمني السابق: "لا يصل إلى رتبة لواء إلا من أمضى فترة طويلة في الخدمة العسكرية وقدم كثيراً من أجلها". مضيفاً: "نظام الترقيات في القوات المسلحة يكون عبر لجنة الضباط العليا وفق شروط ومتطلبات، ويفرض خدمة 4 أعوام في كل رتبة من ملازم إلى عقيد وما بعدها فـ 3 سنوات، فيما الاستثناء محدد برتبة واحدة ولمبررات واضحة".

معلم برتبة عقيد
لقد تعمدت أطراف الحرب في اليمن عدم نشر أي وثائق أو قرارات لعمليات الترقية التي تصدرها. إلا أننا حصلنا على عدد من الوثائق التي تثبت إصدار حكومة الرئيس هادي قرارات ترقية غير قانونية في القوات المسلحة وقوى الأمن التابعة لها، ومن بين تلك القرارات قرار تضمن ترقية الشيخ السلفي عادل عبده فارع المكنى أبو العباس والمسجل ضمن قائمة الإرهاب الدولية إلى رتبة عقيد على الرغم من أنه لم يكن ضمن قوات الجيش والأمن اليمنية.

قرار آخر أصدره الرئيس هادي، وأثار جدلاً واسعاً، تضمن ترقية أحد الموظفين في وزارة التربية والتعليم وهو محمد حسان عبدالله إلى رتبة عقيد، وتعيينه رئيسا للنيابة العسكرية في تعز، وهذا ما تثبته الوثائق.
بحسب مسؤول عسكري رفيع في الجيش التابع لهادي، فضل عدم الكشف عن اسمه، فقد تم خلال السنوات الخمس الماضية ترقية ما يقرب من 2500 ضابط إلى رتب عسكرية مختلفة، وبعض هذه الترقيات تم إصدارها بشكل غير قانوني وهذه بعض الوثائق التي تثبت ذلك.

سلطة الأمر الواقع
وبالمقابل وبحسب الوثائق الصادرة عن جماعة الحوثي ثبت ترقية مجموعة من قادتهم الميدانيين وقيادات مدنية إلى رتب عسكرية عليا. من بين تلك الترقيات، ترقية مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي في حكومة الحوثيين إلى رتبة مشير.
وقام الحوثيون بترقية عبدالكريم الحوثي المقرب من زعيم الجماعة إلى رتبة لواء وتعيينه وزيرا للداخلية. وتكشف وثائق أخرى ترقيات أصدرتها جماعة الحوثي خلال السنوات الخمس الأخيرة غير القانونية لأتباعهم ومقاتليهم.

يعلق المحامي عمر حميري: "في مناطق الحوثيين عندما نقول إن هناك ربما نوع من القوات المسلحة، فإن هذه القوات أسست على أساس الولاء الشخصي لعبدالملك الحوثي ومشروعه الشخصي ومشروعه الأسري وفكرة الولاية القائمة على أساس ديني". ويضيف: "هذه القوات تشكلت على أساس مخالف تماماً لفكرة الجيش وفكرة القوات المسلحة، وبالتالي يجب حل جميع هذه التشكيلات التي خالفت القيم وخالفت الواجب والفكرة الوطنية، ويجب إعادة النظر فيه".

شرعية بقرارات غير شرعية
في محاولة لفهم موقف الجانب الرسمي في قوات هادي حول عمليات الترقية تواصلنا مع الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني التابع لهادي، العميد عبده مجلي، ليحدثنا حول المعلومات والحقائق التي توصلنا إليها، وبعد موافقته على التصوير معنا اعتذر في اللحظات الأخيرة، لكننا التقينا الناطق العسكري باسم قيادة محور تعز الذي حاول أن يبرر هذه القرارات، بالقول إن المعيار أساسي لنيل الترقيات، كان المشاركة في المعارك وقيادة الجبهات.

يقول عبدالباسط البحر: "في القانون يعني أي مدني يخدم في القوات المسلحة يتم منحه ترقية بترشيح من قبل لجنة الضباط إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويصدر قرار بترقيته بناء على مؤهله وبناء على أيضاً تاريخه العسكري ومشاركته في القوات المسلحة وقيادته للمعارك".
تصريحات البحر هذه تتناقض بشكل واضح مع القوانين اليمنية النافذة ويعارضها أيضاً كل من التقيناهم في معسكر الشرعية، ومن بينهم العميد الركن عبدالقوي طاهر الذي أكد أن القانون لا يجيز ترقية أي مدني إلى رتبة قيادية عليا مهما كانت الظروف.

ما بين حرب أشعلها الحوثيون تحت شعار القضاء على مراكز النفوذ وحماية اليمنيين من تغول الكيانات السياسية، وبين ردة فعل حكومة هادي ضد الحوثيين تحت شعار إعادة الشرعية إلى اليمن، لم تنتج سوى أمراء حرب أمعنوا في إسقاط شرعية الدستور والقانون وأسسوا لمسار جديد، لا صوت يعلو فيه، سوى صوت السلاح، و ليذهب القانون إلى الجحيم.

"أريج"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى