التحرش وحش طليق يعبث بحياة الفتيات والأطفال ولا رادع له

> تقرير/ فردوس العلمي - لبنى العصري

> تقرير: 90 % من النساء يتعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع
تسببت الحرب التي شهدتها البلاد وما تزال دائرة في بعض أجزائها وما نتج عنها من تداعيات في تزايد نسبة التحرش والاغتصاب والاختطاف في أوساط المجتمع. وتُعد الفتيات والأطفال من كلا الجنسين في مقدمة الضحايا.
وعلى الرغم من حملات التوعية التي نفذتها المنظمات بهذا الشأن إلا أنها لم تفلح بالحد من انتشار ظاهرة التحرش والتي باتت مؤخراً تطال حتى من يرتدين النقاب والجلباب من الفتيات.

واختلفت وجهات النظر حول أسباب انتشار هذه الظاهرة المجتمعية السلبية فهناك من يعيدها إلى ضعف التربية من قِبل الأسرة وضعف الوازع الديني والأخلاقي، وآخرون يرجعونها لضعف الحالة الأمنية وعدم البت في القضايا بشكل سريع وغياب العقوبات الرادعة بهذا الخصوص، وهناك من يرى بأن الفتيات أنفسهن هن من يشجعن الشباب على التحرش بهن بسبب لبسهن وما إلى ذلك.

وأشار تقرير صادر عن مؤسسة وجود للأمن الإنساني في نهاية عام 2018م وشمل 9 محافظات إلى أن "90 % من النساء يتعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع، وازدادت هذه العملية أثناء الصراع"، موضحاً أن أغلبية هذا التحرش تتم من قبل المجتمع المضيف أو الأسرة المستضيفة أو في مخيمات النازحين ومن قِبل أفراد مسلحين ينتمون لأحد الأطراف.

وبحسب التقرير "تتضاعف مخاطر العنف القائم على النساء من فئة المهمشين حيث يواجهن الإغواء والعنف الجنسي والعنف القائم على الكراهية".
«الأيام» سلطت الضوء على هذه الظاهرة وناقشتها مع مهتمين ومتخصصين لمعرفة أسباب تزايدها في المجتمع، مدعومة بقصص واقعية تعرضت لها بعض ضحايا هذه الظاهرة المجمعية السلبية.

وبهذا الخصوص تقول إحدى الفتيات: "كنا دائماً ما نرسل أختي (ع. س) ابنة العشرة الأعوام إلى البقالة لشراء الحلوى وبعض الأغراض المنزلية، وفي ذات يوم خرجت معها وبينما أنا واقفة بخلفها إذ عمد صاحب البقالة بالتحرش بها، ولصغر سنها لم تعِ تصرفه الخبيث، فما كان مني إلا أن صرخت طالبة النجدة من سكان الحي المجاورين لنا".

وتضيف في حديثها لـ«الأيام»: "انصدمت أختي من الموقف وخلق فيها حالة من الخوف، أصبحت بسببه حبيسة المنزل حتى اليوم وتخشى من الخروج منه".
ولا تختلف قصة معاناة الفتاة (ر. ع) البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً عن قصت الطفلة سابقة الذكر؛ نتيجة لتعرضها للتحرش في وضح النهار.

وتتابع بالقول: "خرجت إلى السوق ذات يوم مع عمتي وابنتها لشراء بعض الاحتياجات، وأثناء سيرنا لفت انتباهي تعقب شخص لنا من مكان لآخر، وفي كل مكان نتوقف فيه يحاول أن يعطيني ورقة لا أعلم ما مضمونها، ونتيجة لاستمرار تجاهلي لتصرفاته تعمد أثناء طلوعي الباص بالتحرش بي ولمسي أمام الجميع، حينها طلبت المساعدة من ركاب الباص ولكن مع الأسف لم يهتم أحد بصراخي وطلبي للنجدة".

وتؤكد الفتاة (هـ. م) في حديثها لـ«الأيام» أن التحرش أصبح أمراً شائعاً لاسيما في الطرقات والأسواق، مضيفة: "تعرضت ذات يوم لهذا التحرش اللفظي أثناء ذهابي للجامعة في أحدى الأيام، بسبب رفضي دفعه لأجرة الباص الذي كنت استقله".

ردات فعل
وتختلف ردات فعل النساء بهذا الخصوص، فمنهن من يفضلن الصمت خوفاً من الفضيحة فيما تتصدى الأخرى للمتحرش بقوة كما هو حال الفتاة (س . ر) والتي تقول: "كنت في إحدى الحافلات وشعرت بأن الشخص الذي يجلس بالمقعد الخلفي يحاول التحرش بي، حينها استجمعت شجاعتي وأخرجت من حقيبتي مشرطا فهددته به، وسريعاً ما قام السائق بإيقاف حافلته وإنزاله".

وتكثر عملية التحرش بالفتيات على وسائل المواصلات أو من قِبل بعض السائقين والذين كثيراً ما يظلوا يلاحقونهن ويعترضون طرقهن في الأسواق وغيرها.
ولا يقتصر التحرش على الإناث وحسب، بل إن الكثير من الأطفال تعرضوا للاغتصاب، وهناك العديد من القضايا بهذا الشأن أصبحت رأي عام وتناولتها الصحف، ومن أبرزها قضية طفل الكبسة ويتيم المعلا وطفل البساتين، بعض هؤلاء الأطفال تعرضوا للاغتصاب وآخرون فارقوا حياتهم جراء هذا السلوك المتوحش.

وفي المقابل هناك من الفتيات من يحاولن بأنفسهن مغازلة الشباب بسوائل مختلفة.

التحرش الجنسي والاغتصاب
من جهتها أوضحت الاختصاصية النفسانية الإكلينيكية، شفيقة علي نعمان عبد الرب، الفرق بين التحرش الجنسي والاغتصاب الذي تتعرض له الفتيات والأطفال على حدٍ سواء بالقول: "التحرش الجنسي هو عدم الاعتداء أو الاتصال الجنسي المباشر، وهو كل إثارة يتعرض لها الطفل عن عمد وذلك بعرضه للمشاهد الفاضحة أو الصور الجنسية أو العارية أو غير ذلك من مثيرات كتعمد ملامسة أعضائه التناسلية أو حثه على لمس أعضاء شخص آخر أو تعليمه عادات سيئة، بينما الاغتصاب هو تعرض الطفل للاعتداء الجنسي بالقوة من قبل أي فرد راشد، أي الممارسة الكاملة مع شخص (طفل، مراهق، أو امرأة) دون رضاه بواسطة القوة أو بالترهيب". وتضيف في حديثها لـ«الأيام» قائلة: "يُعد الاغتصاب أكثر الجرائم الجنسية شيوعاً، إذ إن القليل من الرجال يرتكبون هذه الجريمة بقصد المتعة الجنسية والباقون يرتكبونها معاداة للمجتمع الذي يعيشون فيه، والكثير من المغتصبين لديهم إحساس بالكره أو الخوف من النساء مما يقودهم إلى الرغبة في إثبات قوتهم وسيطرتهم من أجل إذلال وإيذاء هؤلاء النسوة المغتصبات".

آثار سلبية متعددة
وعن الآثار المترتبة على هذه الجريمة على الأطفال تقول: "الاغتصاب له آثار كثيرة تؤثر على من تعرض له ومنها: الفشل في الدراسة وتركها، صعوبة في التواصل مع الآخر، الفشل في بناء علاقات جيدة مع الآخرين، والشعور بالإحباط والاكتئاب، وكذا اللجوء إلى تخريب ممتلكات الآخرين وسرقتها، المعاناة من الاضطرابات في الشخصية وبالتالي اللجوء إلى التدخين والإدمان على المخدرات، أيضاً الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس، والميول للانتحار، والتبول غير الإرادي، وهناك أضرار أخرى منه كالجروح والإصابات والتشوهات الجسدية، وحدوث شلل أو كسور أو عدم نمو الطفل، وقد يؤدي الاغتصاب إلى الوفاة في بعض الأحيان".

أسباب العنف الجنسي 
وحسب رأي الاختصاصية النفسية شفيقة نعمان، فإن أسباب ظهور العنف الجنسي ضد الأطفال يعود إلى التنشئة الاجتماعية لمرحلة الطفولة، والتجارب السابقة للعلاقات الثنائية في مرحلة المراهقة، ومستويات التوتر في حياة الفرد الحالية.
كما تُؤدي عدد من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية إلى تفشي ظاهرة العنف الجنسي في المجتمع بصورة عامة وفي صفوف المراهقات والمراهقين أو ضدهم بصفة خاصة، وتختلف هذه الأسباب من مجتمع إلى آخر بحكم اختلاف النظم الاجتماعية والسياسية والقانونية والدينية والثقافة الجنسية السائدة.
وأكدت بأن هناك أسبابا أخرى رئيسية تتمثل في ضعف الوازع الديني، والفقر الشديد، والبطالة، والحروب، والدكتاتوريات السياسية، والتسلط الأسري، والكبت بكل أنواعه.

أشكال العنف
هناك الكثير من الأشكال التي يتعرض لها الأطفال والفتيات من أبرزها العنف المنزلي. وبحسب الاختصاصية النفسية شفيقة نعمان، فإن هذا النوع من العنف يتمثل في الإساءة الأسرية إلى الأطفال والمراهقين ذكوراً وإناثا أو الإساءة الزوجية.
وتتابع بالقول: "لهذا العنف أنواع كثيرة منها: العنف الجنسي ضد الأطفال كالتحرش، والاغتصاب وعادة ما يكون ضد المراهقين والمراهقات، بالإضافة إلى العنف الجنسي ضد المرأة"، مضيفة: "يُعد العنف الجسدي (العنف الأسري) من أكثر أشكال العنف شيوعاً ويتم عن طريق ضرب الأطفال بأي شكل من الأشكال أو أداة من الأدوات، إضافة إلى العنف الجنسي وهذا النوع يحيط بالكتمان والتحفظ الشديدين، ومن أشكاله التحرش أو المعاكسات بالألفاظ النابية أو الاغتصاب الجنسي".

وأوضحت في سياق حديثها لـ«الأيام» أن هناك علامات وأعراضا يمكن للأسرة، وفي مقدمتها الأم، اكتشاف وتشخيص حالة الاغتصاب حين وقوعه، ومنها اتباع الملاحظة والتركيز الدقيق للعلامات أو الأعراض التالية: صعوبة في المشي والجلوس، تمزق الملابس الداخلية، انتفاخ أو ألم أو حكة في المناطق الحساسة، كدمات أو دم في مناطق المهبل أو المؤخرة مع صعوبة التبول مصحوب بالتهابات آلام في المؤخرة أو في لمهبل". وتضيف: "كثير ما يعاني الطفل بعد تعرضه للإساءة الجنسية إلى عدم القدرة على التركيز والانتباه، والتغيب عن المدرسة وزيادة الإهمال، وتدني المستوى التعليمي، والبكاء من غير سبب، والعُزلة، والاكتئاب، وكذا اللجوء إلى لمس عورات إخوانه وزملائه أثناء اللعب، الاهتمام الغريب في الأمور الجنسية كمشاهدة الأفلام والمجلات، والتردد في خلع الملابس عند الطبيب أو الاستحمام والتغيير أمام الآخرين، الخوف من الانفراد وخاصة مع شخص بالغ، واضطرابات في النوم مع وجود الكوابيس، والسلوك كقضم الأظافر والتبول غير الإرادي".

تعديل القانون الخاص
وفي رده حول سؤال «الأيام» ما إذا كان ضعف القانون هو السبب في تزايد قضايا التحرش الجنسي ضد الأطفال؟، قال العقيد في البحث الجنائي فارس حاجب ومسؤول العلاقات العامة للجنة المجتمعية التابعة لاتحاد نساء اليمن – عدن: "لا نستطيع القول إن القانون ضعيف بل على العكس القانون قوي، ولكن قانون العقوبات كسائر القوانين بحاجة إلى تعديل وإضافات بين فترات زمنية متفاوتة؛ وذلك أن كل قانون يوضع في زمن معين، وبعد عدة سنوات تصير أمور كثيرة ومتغيرات وخصوصاً فترات الحروب وما يليها والتي تكون متغيراتها وإفرازاتها أعمق وأخطر وبالتالي تبرز مستجدات سيئة وسلوكيات وأخلاقيات وممارسات لم تكن موجودة قبل، وهذا السلوك الجديد طبعاً قد لا يكون مدونا ومقننا ضمن مواد القوانين السابقة، لذا يجب، بحسب رأيي الشخصي، إجراء تعديل وتغيير في نصوص القوانين تهتم وتعالج هذه السلوكيات الموروثة من الحروب، على سبيل المثال: انتشار قضايا التحرش الجنسي وتحولها إلى (ظاهرة اجتماعية)، وهذه مسألة خطيرة والأخطر منها إحجام وامتناع الكثير من الأسر عن الإبلاغ عنها، وخصوصاً عندما تكون الضحية (أنثى أي فتاة قاصرة) إذ يرى الأهل والأسرة أن الإبلاغ عيب وتشويه بحقهم كأسرة وعائلة، وقد يضر الطفلة أو الطفل إذا كبروا واقدموا على الزواج، خصوصاً أن الكثير من أصابع الاتهام ستشير إلى اهمال الأسرة وغياب الدور الفعلي.

وطالب العقيد فارس بضرورة أن يقوم كلا الأبوين بمتابعة أبنائهم والحرص والاهتمام بهم وتربيتهم التربية الحسنة"، مضيفا "أطفالنا أمانة في أعناقنا وهم بنات الوطن في المستقبل".​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى