هؤلاء يعادون الانتقالي ويفضلون إخوان اليمن وشركاءهم

> أ.د عبدالله محسن طالب

> فيما نود تسطيره من كلمات بشأن معاداة الانتقالي، من لدى من عنيناهم بهؤلاء، وتفضيلهم لإخوان اليمن وشركائهم، تناولة مقتضبة، ارتأينا أهميتها الكامنة في إجلاء مسألة ذات تعقيد شائك، من شأن وضع النقاط على الحروف، ومحاولة معرفة حقيقة الحالة ومسبباتها المساعدة على الحيلولة في المقام الأول دون استمرارية العداء، أو تخفيف حدته، وتبيان سوء نتائجه، في الحد الأدنى مما نهدف إليه بهذه المدونة، والتي منها نأمل أيضا توضيح القاسم المشترك الذي يجمع هؤلاء وإخوان اليمن وحلفاءهم في معاداة الانتقالي، والأسباب والدوافع الحقيقية لذلك..

فهؤلاء ونقصد جنوبيي الشرعية ومن التف حولهم، بوعي أو بدون وعي، من إخوان الجنوب وشركائهم -بمعنى أكثر وضوحا- الجنوبيون الذين يعادون الانتقالي ويحاربونه في السراء والضراء، ولا يرون فيه قوة حليفة وأساسية، بل يكيلون له الشتائم ويكنون له كراهية غير معروفة، غير مهتمين بخيوط التلاقي وإمكانيات التقارب معه، وأهمية تطوير وأحداث التقدم فيما هو متاح منها، خدمة لأولويات أهداف جنوب الوطن، متفقين في ذلك مع إخوان اليمن، الذين ليس من الصعب على أحد فهم مراميهم، والتي دون شك نتيجتها النهائية لن تتوافق وما ينبغي أن تكون عليه مرامي هؤلاء تجاه وطنهم الجنوب، وأهله الذين يشاركونهم العيش المشترك.. فأيا كانت نقاط التقاء مصالحهم الآنية، فإن بعد النظر ومنح الأولوية للمصالح العليا للوطن الجنوبي، تستدعي منهم الإدراك الجيد للأهداف المستقبلية، وعدم تفضيل ما هو آني وضيق في أفقه على أهداف الإجماع الجنوبي ومستقبله، وهذا يستدعي الوعي من هؤلاء بأولويات المصالح العليا العامة على الذاتية الراهنة، استفادة من تجربتهم في السلطة فيما تصرم من سنوات الحكم المشترك لهم، ومآلات أوضاعهم السلطوية.. حينما أخذ شركاء 7/ 7 الحاكمون فعليا بالتفكير لإيجاد بدائل جنوبيا لهم، وإفراغ هيئات قيادة الجنوب منهم، بعدها لم تقوَ مكانة إخوتنا من جنوبيي الشرعية في سلطات الجمهورية اليمنية إلا بعد قيام الحراك الجنوبي وبفضل تأثير عنفوان حركة نضاله السلمي.. إزاء ذلك وفي محاولة لتفادي اتساع الحراك، وبذكاء سلطوي، تمت الاستعانة في قيادة التصدي له بقيادات جنوبية، حيث أعادوا الاعتبار لشركائهم من الجنوبيين، الذين كانت آجال صلاحياتهم قد اقتربت من الانتهاء، وفقا لتعامل سلطات النظام آنذاك، وهذه مسألة لا ينكرها بالمطلق الإخوة من قيادي الشرعية الجنوبيين..

علاوة على ما أسلفنا، فإن تجربة ما تصرم من سنوات بعد ذلك ليست بعيدة تعاملاتها عن ما قد تم في مرحلة البحث عن البديل جنوبيا ما قبل قيام الحراك، وإن كانت مؤثرات الفعل الجنوبي وحراكه السلمي لم توهن، فإن مرحلة الإطاحة بنظام علي عبدالله صالح، وتجربة المرحلة الانتقالية للرئيس هادي، وقدراته في إحكام السيطرة والتوجيه لدفة السفينة، التي أنيطت به قيادتها، دلت وبما لا يدع مجالا للشك بأنه وأيا كانت المكانة السلطوية، لمن هو من خارج قوى النفوذ، والتحكم في صنعاء، لا يمكنه إحداث ما لا يتفق، وما يراد منه القيام به وفقا لما تريده تلك القوى.. لذا جرى تقزيم سلطات الرئيس هادي تدريجيا قبل الحرب وبعدها؛ حيث جرى اختطافها من التيار الإصلاحي في الشرعية، وإقصاء الآخرين بما فيهم حلفاؤهم في المشترك، وقبل ذلك وتحديدا بعد تحرير عدن، ومع تواجد الرئيس هادي في عدن، نسجت أواصر علاقات قوية للرئيس مع قوى التحرير الجنوبي، وكان العمل المشترك يجمعهم، وقوى التحالف تدعمهم، وتعززت جبهة المناطق المحررة الجنوبية، إلى أن تمكن التيار الذي يخشى متانة تلك العلاقة، من خلق الاختلافات أولا؛ في إطار مؤسسة الرئاسة، بين الرئيس ونائبه حينها السيد بحاح، ومع دولة الإمارات حالة من العداء، ومع قوى التحرير والمقاومة الجنوبية، كل ذلك في إطار عمل منظم ومرتب له.

لقد استهدفوا دولة الإمارات، وشنوا حملات عدائية تجاهها، بعد أن تمكنوا من تأليب الرئيس، لا لشيء سوى أنها مثلت داعما صادقا وحقيقيا للمقاومة الجنوبية، وتفهمت احتياجات ومطالب الجنوب وأهله والقوى الطليعية التي تقود نضالاته.. وللحيلولة دون أن يحظى الجنوبيون بالدعم والمساندة، كان العداء للإمارات، وهو في حقيقته عداء للجنوب، وإمكانيات دعم تكون مؤسساته والهيئات القادرة على استعادة مكانته وتمثيله تمثيلا مسنودا بالدعم من دولة لها حضور إقليمي ودولي.. لا سوى ذلك أسباب الحملات العدائية تجاه الإمارات، فهي في حقيقتها حملات ضد الجنوب وكيانه، وكل من يمكنه أن يقدم المساعدة التي من شأنها تحقيق الاستقرار وقيام بنى متينة لدولة ليست جزءا من مرامي من لا يرى في الجنوب سوى ملحق جرى ضمه للاستحواذ على خيراته..

ولأن نشأة الانتقالي قد مثلت بروزا لكيان منظم قوي التأثير واسع التواجد واضح الرؤية لاستعادة الدولة الجنوبية كانت حملات العداء له شرسة إعلاميا وبصور وطرائق لا تنم إلا عن معاني ودلالات الوجود غير المعهود لهيئة جنوبية لم يجد تاريخ النضال الجنوبي بمثلها تنظيما ووضوحا في الأهداف والمرامي ذات الأبعاد جنوبية الهوية..

وقد يكون السبق فيما تصرم من سنوات النضال الوطني لرابطة أبناء الجنوب العربي أول منظمة نضالية في الوطن نشأة وتكونا وحملا للجنوب راية وعنوان؛ ومع ذلك لم يشفع لها مكانتها الريادية في الحركة الوطنية؛ إذ كيلت لها الاتهامات، وسيرت ضدها الحملات الإعلامية والعدائية؛ في تشابه مع ما نراه حاليا تجاه الانتقالي إذ اتهمت الرابطة بالعمالة للسعودية وتمت تغذيت تفكير النشء الجديد بذلك ومحاربتها.. والحال لا يختلف اليوم عن ذلك فإنني أرى وجه شبه بين ذلك وحملات العداء تجاه الانتقالي وتصوير العمالة للإمارات ومطامعها المزعومة في الأرض. كل تلك الحمالات يدركها الواعي لإحداث التاريخ، ويستنتج أن هناك جهة بعينها ذات مصلحة في الاختلاف الجنوبي الجنوبي، ولا يروقها لها الوعي الجنوبي الذي طال انتظار شعبنا له (فما آن للجنوبيين أن يعوا مصلحتهم العليا ومصلحة مستقبل الجنوب وشعبه وبناء دولته المتينة وذات التأثير في المنطقة وتحقيق دفعات التقدم لكل الأشقاء؟).. إن أخذ العبرة جيدا من تاريخ الجنوب المنصرم الذي منح الأولوية لتحقيق الوحدة اليمنية على حساب بناء الدولة، فلا وحدة تحققت كما يريدون ولا دولة قامت كما هو حال الدول المعاصرة، وكانت أولوية تحقيق الوحدة على حساب تطوير البناء المؤسسي لدولة حديثة كان لقيامها أن تحقق وجود الدولة العمق للأشقاء في شمال اليمن..

أيها الجنوبيون، وتحديدا في سلطات القرار الشرعي، دعوا وبوعي مصالحكم الآنية؛ وفكوا رباطكم بمن يتخذكم حصان طروادة في حربه للسيطرة على ثروتكم.. سيكون لكم ذلك إذا اتعظتوا من تجارب الماضي القريب، وأدركتم بعلو الوعي؛ أن مصالحكم الآنية في الحكم والثروة، مع من تفضلونهم من إخوان اليمن وشركائهم؛ هي ليست في مثل ثبات ومتانة علاقتكم وبقية شرائح الجنوب أندادكم في المصلحة السلطة والثروة والعيش المستقر..

إنني لعلى ثقة أن اللحمة الجنوبية لا يمكن لها أن تتفتت، وأن العداء للانتقالي لا يخدم وجود الهيئة الأكثر متانة وانتشارا وسعة وتنظيما، الهيئة التي تخدم القضية الجنوبية بأشكال وصور لا يستثنى جنوبي من نتاجاتها، ولا يرغب جنوبي في النيل منها، بعد أن أصبحت أول كيان سياسي جنوبي ذي مكانة، يقوى ويتسع محليا وإقليميا ودوليا، بفضل التفاف الشعب وتجاوزه صغائر الأمور؛ في سبيل قوة وتقدم أول هيئة جنوبية خالصة، تحمل الهم الجنوبي..

فاتركوا صغائر الأمور، واجعلوا المجلس الانتقالي ليس الكيان الذي تعادوه وإنما الحليف في الحد الأدنى من علاقتكم به وستجد القضية الجنوبية والجنوب وأهله مترتبات ذلك ما لم يكن بحسبان أولئك الذين يتحذلقون في وصفهم لمأربهم الحقيقية من وحدة الإلحاق للجنوب.

*رئيس قسم العلوم السياسية جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى