معوقات السلام في اليمن

> مصطفى النعمان

> لم يعد الشك يساور أحداً من اليمنيين أن الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات قد بلغت مداها، وأن كل الأطراف قد بلغ بها الإنهاك حدّ العجز على مواصلتها وإنجاز نصر حاسم هو في النهاية خسارة محقّقة للجميع مهما حاول المنتصر تغيير منطق الأحداث الطبيعي. ففي بدايات الحرب فجر 26 مارس 2015، كانت الدولة اليمنية قد استسلمت للانقلاب الذي أحدثته جماعة الحوثي في 21 سبتمبر 2014 حين استولت بالقوة على العاصمة صنعاء، ثم استكملت أركانه في 20 يناير 2015 باحتجاز الرئيس هادي وكبار المسؤولين وما تلى ذلك من أحداث دامية قادت إلى حرب شاملة.

بعد هذا الوقت الطويل، صارت القناعة كاملة عند كثيرين بأن فرص التوصّل إلى اتفاق ينهي الحرب ماثلة أمام الجميع، ولكن هذا لا يعني أن الأمر سهل ومن دون معوّقات كانت في عمقها سبباً لاندلاع الحرب واستمرارها، وأقصد هنا تحديداً استيلاء جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة وأيضاً ما صار يُعرف لاحقاً بالمرجعيات الثلاث (القرار 2216 ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية)، ثم دعوة الرئيس عبدربه منصور هادي المملكة العربية السعودية إلى التدخل كي يستعيد العاصمة والسلطة. ومنذ ذلك الحين، لم يختلف موقفي تجاه هذه القضايا.

بدايةً لا يمكن القبول بالآثار التي ترتّبت على استيلاء جماعة الحوثي على السلطة منذ 2015 في محافظات عدّة، وهذا ينسحب على الإجراءات التي تمت على الأصعدة كافة، وهي قضايا لا بد من أنها ستشكّل عراقيل تحتاج منهم إلى تنازلات وقناعة بإعمال القوانين واللوائح المنظِّمة لعمل المؤسسات... ثم هناك العقدة المتمثّلة في الأسلحة الثقيلة والصواريخ وما عداها ممّا لا يجوز ولا يُسمح ولا يُقبل أن تمتلكه جماعات أحزاب ويجب أن تكون حيازتها محصورة بالدولة.

ولمن المهم ملاحظة أنه غير معني بالمبادرة الخليجية وآليتها ولا القرار 2216، ومؤكد أنه لا يقبل دعوة التدخل العسكري الذي استدعاه الرئيس هادي.

في الطرف الثاني، فإن الحديث عن المرجعيات الثلاث كمسلّمات غير قابلة للتفاوض والنقاش وواجبة التنفيذ حرفياً، أمر غير منطقي لأن الفترة الزمنية والظروف التي أحاطت بإقرارها قد تغيرت على الأرض ولم يعُدْ من الملائم الإصرار على إلزاميتها، وممّا يضعف منطق المتمسّكين بها أنهم خسروا التأييد الشعبي المساند لها، كما أن الهزائم العسكرية المتلاحقة لا تمنحهم مساحة مناورة إلّا بما يقرّه ويمنحه لهم الإقليم وحاجته إليهم.

الطرف الثالث الأحدث في المعادلة اليمنية هو المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان لم يكن موجوداً على الخريطة السياسية حين صودق القرار 2216، الأشهر في تاريخ اليمن والمرجعيات الثلاث، بالتالي هو يزعم أنه في حل من جميعها وأن متطلّباته لقبول أية تسوية مختلفة عمّا ينشده الطرفان الآخران، كما أن إعلانه الصريح المطالب بانفصال المحافظات الجنوبية مخالف لما يدعو إليه التحالف علناً في كل بياناته.

هذا المشهد المرتبك لا يمكن التوصّل إلى تسوية داخل حدوده إلّا في حالتين: انتصار واضح يمنح أحد الأطراف القدرة على فرض الشروط المستقبلية على الجميع أو أن يقدّم الجميع تنازلات كبرى لا يبدو لي أنّ أحداً منهم قادر حتى الآن على تجرّعها.

أولى هذه التنازلات التي يمكن أن تفتح أبواب التسوية، إعلان صريح من جماعة الحوثي القبول بأن يكونوا شركاء متساوين في الحقوق والواجبات واستعدادهم لتسليم أسلحتهم الثقيلة بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون المهمة الأولى لها هي نزع سلاح جميع الميليشيات دون استثناء واستعادة عمل المؤسسات الحكومية في العاصمة صنعاء بداية، كما سيتوجّب عليهم طمأنة الإقليم بأن تكون كل العلاقات الخارجية لكل الأطراف مُناطة بالحكومة اليمنية.

الطرف الثاني (الشرعية) يمثّل أضعف أطراف المعادلة الثلاثية وهو ما يبرّر تمسّكه بالقرار الدولي 2216 والمرجعيات بعدما فقد القبول الشعبي وأظهر ضعفه في الميدان، وهكذا أصبح بقاؤه يعتمد كلياً على احتياج ودعم الإقليم له. ولا بدّ من أن "الشرعية" تدرك أن عودتها مرهونة باتفاق سياسي لا بدّ من أن ينتزع منها بقية الأوراق التي أضاعتها تباعاً خلال السنوات الخمس الماضية، ومن هنا يكون منطقياً عدم استعجالها وعدم قبولها لكل المقترحات التي طُرحت والتي يجب أن تدرك أنها ستُفرض عليها تدريجاً عن طريق انتزاع بقية المناطق التي تقع تحت سيطرتها حالياً والتي لا تستطيع الدفاع عنها. وعلى "الشرعية" أيضاً أن تعي أن كل محاولات الترقيع التي تحاول بعض القوى تمريرها لن تكون ذات جدوى من دون عملية إحلال كاملة للقيادات التي تسيّدت المشهد طيلة ثماني سنوات، خصوصاً خلال سنوات الحرب الخمس، وصار الفساد والترهّل مسيطرَيْن عليها.

الطرف الثالث هو "المجلس الانتقالي الجنوبي" وهو الطرف المتحرّر من كل القيود والالتزامات الداخلية والدولية عدا "اتفاق الرياض" الذي منحه اعترافاً دولياً وإقليمياً ومحلياً بأنه الممثل الأكبر والأهم للجنوب في أي تسوية مقبلة، وما كان للمجلس أن يصبح طرفاً إلّا مستفيداً من ضعف "الشرعية" التي أتاحت له ذلك بغيابها المستدام وفسادها وعدم قدرتها، فاستحوذ على العاصمة البديلة عدن، ثم محافظة سقطرى. وعلى الرغم من الاتهامات التي تُلقى على دولة الإمارات العربية المتحدة بمساندته، فإنّ ذلك لم يكن كافياً لو كانت لـ "الشرعية" حاضنة شعبية تدافع عن مشروعها وتقف معها.

وعلى الرغم من ذلك، فإنّ "الانتقالي" سيظلّ هو الآخر طرفاً غير قادر على الاستمرار من دون تسوية سياسية شاملة وقبل ذلك إجراء مصالحة جنوبية – جنوبية تعطي إلى كل الفصائل الجنوبية القدرة على المشاركة في صنع وتنفيذ القرار المتعلّق بمستقبل الجنوب، إمّا بالانفصال الناجز أو الدولة الاتحادية من إقليمين. ويسير "الانتقالي" نحو الحالة السياسية التي تسهم في الاقتراب من وقف الحرب نهائياً، لكنه سيبقـى متعثّراً في محاولات إدارة الجنوب منفرداً لعدم وجود القدرات المالية التي تساعده على تحسين صورته أمام المواطنين، وكذلك ممارسات عناصره المناطقية التي تشوّه صورته.

معوّقات السلام غير هيّنة، لكن من الممكن تجاوزها إذا اقتنعت كل الأطراف أن القوة لن تأتي لأي منها بمبتغاه وهو ما أثبتته سنوات خمس ماضية، ولم يعد أمامهم جميعاً فسحة من الوقت لتحقيق ونيل أكثر مِمّا يقع تحت أيديهم اليوم.

* "دبلوماسي يمني سابق - إندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى